العدد 28 - كتاب | ||||||||||||||
قبل سنوات قليلة سادت توقعات بأنه سوف يكون بوسع من يريد، إنشاء موقع خاص به أو مدونة شخصية أو صحيفة على الإنترنت. صحت هذه التوقعات بأسرع من الموعد المستهدف لها، ومن يستثيره فضول طاغ للإبحار عبر الشبكة،سوف يصادف ما لا حصر له من مواقع شخصية ومدونات ومنتديات وملتقيات تقوم مقام صحف ومجلات.هذه المواقع حافلة جميعها بكتابات ومقالات وكذلك بمؤلفات. كان الرأي السائد الغالب، أن الإنترنت فتح آفاقاً أمام أصحاب المواهب للتعبير عن أنفسهم بغير قيود ودون وسيط وبلا كلفة تذكر. كذلك أتاحت الشبكة للقراء والمتلقين، أن يتمتعوا بثمرات المواهب دون عناء وبغير حاجة لأن يقصدوا المكتبات. الذي حدث بعدئذ أن الشبكة باتت مسرحاً ومنبراً، لما لا يحصى من ضعيفي المواهب يساندهم نقدة وكتبة ممن يجيدون الإملاء الصحيح ويحفظون عدداً من أبيات الشعر، دون أية ملكات أخرى. لا سبيل الى رد ذلك، فالفضاء مفتوح للمحلقين ولفيض بلا حدود من الثرثرة. المشكلة بعدئذ هي في إفساد الذائقة وتسطيح الوعي وتخريب الحس الإبداعي، لدى الأجيال الجديدة من مستخدمي الإنترنت وممن يتوفرون على مواهب دفينة. يتتلمذ هؤلاء دون أن يدروا على تفاهات،مزركشة بكلام عامي ومفردات انجليزية وبلاغة جوفاء. ولن يطول الوقت قبل أن تدور دورة جديدة، يتم فيها إعادة إنتاج التفاهة عبر "مواهب جديدة" لا حظ لها من موهبة أو ثقافة أو ملكة عقلية، يحف بها رهط من الناقدين والكتبة الذين يعيدون إنتاج الإخوانيات بصورة مبتذلة.والمقصود بالإخوانيات الصداقات التي كانت تنشأ في ما مضى بين أدباء فيتراسلون ويكتبون عن أعمال بعضهم بعضاً.الآن يتم تبادل تحيات طائرة مفعمة بأطنان من المجاملات.ويتم حصر وأرشفة هذه التعليقات عبر محركات البحث، بذلك يتم مع الوقت بناء إرث فاسد تغتذي به الأجيال. من حسن الطالع أن الصحافة الورقية ما زالت حية (ظهرت تقديرات في الولايات المتحدة بأن الصحافة الورقية سوف تظل على قيد الحياة حتى العام 2043) وهي في مجملها أو محصلتها تلتزم بحد أدنى من المعايير، فإذا اختلط لدى بعضها الحابل بالنابل وذلك يحدث، فإن ذلك يكون ملحوظاً وتطاردها اللعنات وسوء السمعة المهنية..خلافاً لما يجري في أدغال الإنترنت من نشر عشوائي لا ضابط عليه ولا حارس له. إذا كانت هناك من خلاصة لهذا التعليق القصير فهي أن الإنترنت يسهم في تحسين الحسن، وفي زيادة السيء سوءاً.فحين تقع هذه التكنولوجيا المتقدمة على بيئة متخلفة، فهي تسهم في تنمية وتلوين التخلف بألوان زاهية، فيما تزداد البيئات المتقدمة تقدماً وإن بأعراض جانبية سلبية. |
|
|||||||||||||