العدد 28 - كتاب | ||||||||||||||
في وقت الضيق والأزمات قد يلجأ الإنسان الضعيف والفقير، أو الذي ابتلي بمصيبة كبيرة مثل الديون المتراكمة التي ترافقها " قلة الحيلة ", إلى تصرفات غير طبيعية، أو أن يسلك طرقا غير مستقيمة ليخرج نفسه وأسرته مما هي فيه من عناء وشقاء. ومع اتفاقنا على أن تصرفات الأفراد المبتلين بالضائقة المالية أو المرضية ليست كلها متماثلة، ولا ردود أفعالهم متشابهة في مواجهة الأوضاع الصعبة المشتركة؛ فلكل إنسان قدراته وامكاناته العقلية والجسدية، كما أن مكونات شخصيته وظروفه تميزه عن غيره. الحكومات، بحسب ما أرى، تشبه الإنسان الفرد، كونها شخصية اعتبارية "جمعية"، تتمثل فيها مصالح عموم المحكومين (التابعين)، وإن اختلفت أشكال وأسماء وصفات الأفراد الذين تتشكل منهم هذه الحكومات، ولكل حكومة ظروفها وقدراتها ومحدداتها، وبالتالي شخصيتها الذاتية التي تميزها عن غيرها من الحكومات، وإن تشابهت معها من ناحية وحدة مصادر الشرعية الدستورية وإطار العمل ومرجعيته وأدواته. إذا اتفقنا على مسألة التشابه ما بين الحكومات كشخصيات اعتبارية والأفراد كشخصيات إنسانية حقيقية، فنحن إذا متفقين على أن السلوكيات والتصرفات الصادرة عن الأفراد قد تكون شبيهة بالسلوكيات والتصرفات الصادرة عن شخصية الحكومة (الشخصية الاعتبارية) في ظل الظروف والمعطيات المتشابهة. السؤال إذا، هل يمكن لحكومة في دولة فقيرة كالأردن، تعاني موازنتها من الدين الخارجي والداخلي، العجز المستمر بموازناتها وتجارتها الخارجية، ترهقها الضغوطات الداخلية والخارجية، تزدهر في ربوعها البطالة المزمنة والفقر وتآكل الدخول، وتتحكم بإيراداتها ومصادر تمويل أعمالها قوى اكبر منها، أن تلجا هذه إلى الوسائل ذاتها التي يلجأ إليها فرد مفلس قليل الحيلة، ببيع أرضه وبيته وأثاثه، ليتخلص من ثقل الضغوط المادية والنفسية الخارجة عن إرادته؟ الجواب، نعم كبيرة، فلكونها مرهقة، مفلسة ومثقلة بالهموم والديون وعاجزة عن التدبر والتفكر بأمره، تلجا حكومتنا اليوم، وبحجة الغلاء العالمي وضعف الإمكانيات وشح الموارد، وخضوعا لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين التي لا تنتهي، والتزاما بتحرير الأسواق والتخلص من دعم أساسيات الحياة، وفي ظل عجز حكومي دائم عن إحداث تنمية اقتصادية حقيقية وشاملة يجني ثمارها المواطنون بدون استثناء، إلى بيع منجزات وأصول ورموز البلاد. |
|
|||||||||||||