العدد 28 - اقليمي
 

عبدالسلام حسن

القدس- بعد ستين عاماً على قيام دولة إسرائيل، على أنقاض الشعب الفلسطيني وأرضه، تراوح التسوية السياسية المستندة الى حل الدولتين، مكانها وتصطدم بعقبة الاستيطان الذي جرد الدولة الفلسطينية المنشودة من معناها، وبذلك يعود الى الواجهة خيار الدولة الديمقراطية الواحدة، كخيار لتحقيق مصالحة تاريخية بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وتعكف مجموعة من الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين منذ نحو ستة أشهر على صياغة وثيقة تنادي بإقامة دولة ديمقراطية يعيش فيها الجميع على أساس من المساواة، واحترام الخصوصيات الثقافية والدينية مع ضمان حل قضية اللاجئين. وهناك مجموعة أخرى سبقتها بعقد اجتماعات لها في أوروبا بهذا الخصوص.

يشار الى أن استطلاعاً حديثاً للرأي أظهر أن أكثر من الثلثين في المجتمع الفلسطيني يؤيدون فكرة الدولة الواحدة، في ظل تعثر عملية السلام وصعوبة تحقيق حل الدولتين بسبب الاستيطان الذي قطع أوصال الضفة الغربية.

وكان القيادي الفتحاوي الأسير في سجون الاحتلال، مروان البرغوثي، وجه خلال احتفال أقيم بتل أبيب لمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس حركة «سلام الآن»، في 8 نيسان/أبريل الماضي، رسالة مفتوحة الى الإسرائيليين دعاهم فيها الى مصالحة تاريخية بما يكفل وجود دولتين فلسطينية وإسرائيلية. وقال: إنني مستعد وكذلك الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني لعقد مصالحة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية».

وسواء كان المطروح فلسطينياً، حل الدولتين أو الدولة الواحدة، فإن أية مصالحة تاريخية تتطلب قبولاً من إسرائيل، الطرف الأقوى بهذه المعادلة. فهل ما زالت المصالحة التاريخية ممكنة بعد كل هذه الصراعات والويلات، وتمسك الدولة العبريةبنهج التوسع والعدوان؟.

قيس عبدالكريم، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، رأى أن أغلبية الشعب الفلسطيني مستعدة للوصول الى تسوية للصراع تقوم على قاعدة الانسحاب جيشاً ومستوطنين الى حدود 67 وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، والقدس الشرقية عاصمتها وحل قضية اللاجئين على أساس القرار 194.

يذكر أن منظمة التحرير بقيادة الراحل ياسر عرفات، أبدت منذ وقت مبكر رغبتها في تسوية الصراع وتحقيق مصالحة تاريخية على أساس القرارات الدولية، وقد ذهبت الى مؤتمر مدريد في أوائل تسعينيات القرن الماضي وخاضت وتوصلت مع إسرائيل الى اتفاق سلام في أوسلو، لكن الأخيرة ظلت تماطل في تنفيذ التزاماتها حتى وصلت الأمور نقطة المواجهة في العام 2000.

ونوه عبدالكريم إلى أن هذه التسوية قد لا تكون مصالحة تاريخية كاملة، لأنها لا تستجيب لكامل حقوقه الوطنية والتاريخية، بل لتلك الحقوق التي تعترف بها المجموعة الدولية. لكنها يمكن أن تكون مدخلاً لإنشاء حالة من الاستقرار والتعايش وانهاء الصراع بجانبه العنفي، بما يقود الى حالة من المصالحة، على قاعدة المساواة القومية والاجتماعية ومعالجة أسباب الاضطهاد والقمع كافة.

وأوضح أن المصالحة التاريخية تأتي فقط في إطار الدولة ثنائية القومية ذات الطبيعة الديمقراطية، وهذا يتطلب مرحلة يتمتع فيها الشعب الفلسطيني بحقه في اقامه كيانه الوطني المستقل وسيادته على أرضه بما يجعله على قدم المساواة مع الإسرائيليين. وأي دمج قبل ذلك، ستكون حصيلته دولة تمييز عنصري على غرار النموذج الجنوب إفريقي.

تجد هذه المقاربة صدى لدى الجهة الأخرى، فالباحث الإسرائيلي، أمنون راز، اقترح في مقال مطول نشره على موقع «كيدما بوابة الشرق على إسرائيل» الإلكتروني «أن يتم النظر إلى مصطلح ثنائي القومية» بمنظار أوسع من النظر إليه كحل سياسي وحسب.

وقال: هذه القيم والمبادئ يمكن أن تكون حجر الزاوية لحل الدولتين أو حل الدولة الواحدة. وهي يجب أن ترتكز على مساواة قومية، ومدنية بين العرب، واليهود، وعلى مصالحة تاريخية مبنية على اعتراف إسرائيل بمسؤوليتها عن قضية اللاجئين وحقوقهم أساساً لأي حل مبني على الشراكة والعدل». 

العضو العربي السابق في الكنيست، هاشم محاميد، يعتقد بأن المصالحة التاريخية تنشأ على أساس اعتراف المعتدي بمسؤوليته عن نكبة الشعب الفلسطيني وما حل به من ويلات ومصائب وسلب لحقوقه وأرضه. ثم يبدأ الحديث حول احقاق هذه الحقوق، مع الأخذ بالاعتبار أنه لا يمكن القضاء على أي شعب من قبل شعب آخر.

محاميد أبدى تشاؤمه من إمكانية مصالحة على المدى القريب. «المصالحة غير ممكنة، لأن العنصرية تزداد يوماً بعد يوم في إسرائيل، وحتى ابراهام بورغ، رئيس الكنيست سابقاً ورئيس الوكالة اليهودية، فقد وصف إسرائيل بإنهاء اصبحت على حافة ما يشبه النازية.

 واعتبر محاميد أن الوضع القائم لا يسمح بذلك ولا بأقل منه ، ويقصد ما يسعى إليه رئيس السلطة محمود عباس ، وهو إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع. حتى هذا لا يعترفون به. أي مصالحة يجب أن تأخذ بالحسبان اصلاح هذا الغبن التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين.

جذور فكرة الدولة ثنائية القومية

 تعود جذور فكرة الدولة ثنائية القومية في إسرئيل الى عهد الانتداب البريطاني، وقد تبنتها مجموعات، معظمها من الفئات غير الصهيونية (الحزب الشيوعي الفلسطيني) والقليل منها من اليسار الماركسي الصهيوني. لكن هاتين الحركتين تخلتا عن الفكرة بعد إقامة دولة إسرائيل وتحدثتا عن «دولتين لشعبين».

وبعد فشل تفاهمات أوسلو واندلاع الانتفاضة الثانية ووصول الأطراف إلى طريق مسدود، عادت فكرة «الدولة الثنائية القومية» لتجد لها مكاناً في نطاق الجدل العام في المجتمع الإسرائيلي.

حاييم هنغبي، مؤسس حركة «متسبين» الراديكالية، ومن مؤسسي القائمة التقدمية للسلام، وميرون بنبنستي نائب رئيس البلدية الإسرائيلية في القدس، وصلا الى نتيجة مفادها أن الحل يكمن في إقامة دولة ديمقراطية واحدة للشعبين من النهر إلى البحر، ما يعني بالضرورة طرح فكرة «دولتين لشعبين» جانباً.

يقول بنبنستي إن بناء المستوطنات واستمرار الاستيلاء على الأراضي في المناطق المحتلة خلق واقعاً جديداً غير قابل للتغيير.

بينما يرى الكاتب والمؤرخ الفلسطيني، فيصل حوراني، أن إسرائيل غير مهيأة لتوفير ما تتطلبه التسوية المتوازنة التي تنشئ مصالحة. وهي غير مهيأة لأي حل من أي نوع. لا الدولة الفلسطينية المستقلة ولا الدولة الواحدة التي يتعايش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون.

وقال حوراني إن كل حديث عن مصالحة لا تمكن شعب فلسطين من تقرير مصيره بحرية ليس سوى «رغو كلام». فالمطامع التي جلبت لهذا الشعب الكوارث بات عمرها يحسب بالقرون، والعمل العدواني الذي وضع المطامع في قيد التحقق متصل دون توقف منذ تسعين سنة على الأقل. أصحاب المطامع الصهيونيون والإسرائيليون والاستعماريون من كل بلد لم يتورعوا عن ارتكاب أي جريمة جماعية أو فردية لمنع الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بحرية. وهؤلاء لم يكفوا في أي لحظة عن ارتكاب جرائم جديدة.

وأضاف: ما جرى خارج هذا السياق، المعلن منه والمكتوم، لم ولن ينشئ مصالحة، لأن العداء لا ينتزع إذا اختار طرف عربي أو غيره الاستسلام للأمر الواقع مقابل ترضيات مجتزأة لا تعيد لشعب فلسطين أرضاً ينشئ عليها حياة مستقلة وحقوقا حرم منها جيلاً بعد جيل، وأملاكاً جرى نهبها بقوة العدوان السافر.

ورأى أنه ما دام العدوان مستمراً ومتصاعداً، فإن الوضع مرشح لشيء واحد: ان يشتد العداء وتتوالى تداعياته.

وتجد فكرة الدولة ثنائية القومية معارضة شديدة في إسرائيل، حتى من قبل علمانيين ويساريين من أمثال الكاتب الإسرائيلي الشهير أ. ب يهوشوع، الذي قال في مقابلة له في 16 شباط 2008 مع صحيفة هآرتس: هذه مسألة يجب منعها لأنها صيغة للقضاء على الدولة الإسرائيلية». ويعلل ذلك بالقول: نحن شعبان مختلفان تماما في الدين والثقافة واللغة. لدينا كيانان تفصل بينهما فجوة اقتصادية هائلة. كلاهما مرتبطان بالخارج. الفلسطينيون مرتبطون بالعالم العربي ونحن بالعالم اليهودي والدولة الثنائية هي صيغة للقضاء على الدولة الإسرائيلية.

ويعارض فكرة الدولة ثنائية القومية أيضاً زعيم «كتلة السلام» أوري أفنيري الذي كتب مقالا في تموز 2003 تحت عنوان «وعاش الذئب مع الحمل»، قال فيه: «من الغريب بعض الشيء أن تظهر هذه النبوءة المثالية مرة أخرى وفي هذه الأيام بالذات بعد أن كانت قد فشلت فشلاً تاماً في جميع أنحاء العالم، الاتحاد السوفييتي متعدد القوميات تفكك، يوغسلافيا، وصربيا، تفككت، مقدونيا على كف عفريت، كندا تتأرجح، قبرص صاحبة الدستور ثنائي القومية أصبحت ذكرى، والقائمة طويلة..».

أما الكاتب اليساري، ديفيد شاحام، فيصف الفكرة بأنها ثمرة فجة لم ينضج السياق التاريخي بعد لطرحها، و إثارتها الآن تشكل عائقاً أمام حل محتمل وذلك لأنها تسكب زيتا على الموقدة وترسخ سيطرة أحد الشعبين على الآخر.

تحذيرات فلسطينية وإسرائيلية: الدولة الديمقراطية الواحدة.. مستحيلة
 
29-May-2008
 
العدد 28