العدد 5 - أردني
 

“ترسيخ الوعي بالثقافة الديمقراطية وتطوير الحياة الحزبية لتمكين المواطن من المشاركة الحقيقية في صنع القرار”، عبارة تصدرت خطاب العرش أمام مجلس الأمة الخامس عشر. وهي تؤكد ما جاء في كتاب تكليف حكومة نادر الذهبي والذي أشار إلى تأكيد العزم على الاستمرار في برامج الإصلاح السياسي، وتعزيز المشاركة، وتنمية الحياة الحزبية والاستنارة بوثيقتي الأجندة الوطنية وكلنا الأردن.

ليبرالية نص كم!

وأمام الأولوية التي يحتلها الشأن الاقتصادي والاجتماعي باعتباره كما جاء في كتاب التكليف عنوان المرحلة، يتساءل مراقبون عن مدى الاهتمام الذي ستوليه الحكومة لملف التنمية والإصلاح السياسي. ويميل محللون إلى الاعتقاد أن الإصلاح السياسي لن يحظى سوى بمكانة هامشية.

ويستشهد هؤلاء على ذلك ليس فقط على ما اصطلح عليه بالتركيبة الليبرالية للحكومة، وهي “ليبرالية” تقتصر على أي حال على المجال الاقتصادي، ولا تمتد بالضرورة إلى الشأن السياسي، وإنما كذلك في إشغال وزير التنمية السياسية بحقيبة إضافية هي حقيبة الشؤون القانونية، وهي أقرب إلى تخصصه واهتماماته، رغم أن هناك تساؤلات حول مبرر وجود هذه الحقيبة أصلاً.

الأداء الجيد لا يتجزأ

الوزراء الذين يقبلون مع رئيسهم أن يشكلوا حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، عليهم، وفق خبراء في القانون الدستوري، أن يتحملوا المسؤولية كاملة عن ترجمة خطاب العرش إلى سياسات قابلة للتطبيق. وبهذا المعنى، فإن الحكومة معنية أن تعطي الأولوية حقاً لتوجيهات الخظاب الملكي في السعي لتحسين مستوى معيشة المواطن وتوفير أسباب الحياة الكريمة لكل أسرة أردنية. لكن ذلك لا يعفي الحكومة من واجبها في دفع مسيرة الإصلاح السياسي المتعثرة.

تناغم الأقطاب

يتفق كثير من المراقبين على أن حكومة نادر الذهبي تتمتع بمزية قلَّ نظيرها، وهي التناغم مع القطبين الآخرين في قمة هرم صناعة القرار الأردني، المخابرات والديوان الملكي. هذا التناغم ينبغي أن يوظف لإعادة الاعتبار لمكانة الحكومة، صاحبة الولاية في السلطة التنفيذية، حتى تستطيع أن تمارس دورها، وأن تحاسب على أدائها. ذلك أنه إذا لم يقع مثل هذا التناغم على المستوى الفعلي، بقيادة الحكومة، فإن هذا يربك عملها، فيفلت زمام الأمور من بين أيديها. وعندها لن تنجح في النهوض بالمهام الاقتصادية والاجتماعية، أو في تحريك ركود ملف الإصلاح السياسي.

التزام صريح

أما بما يخص عملية الإصلاح السياسي، فإن الرأي العام والنخب السياسية تتطلع إلى التزام صريح بالعمل على تطوير قانون الانتخاب وفق نقاط التقاطع التي انطوت عليها الأجندة الوطنية بما يتعلق بنظام الانتخاب المختلط الذي يجمع بين التصويت لمرشح في الدائرة “و/أو” التصويت لقائمة سياسية وفق مبدأ التمثيل النسبي. وبطبيعة الحال، فالمرء يدرك أنّ الحكومة ليس لديها تصور جاهز للصيغة المناسبة، ولذا لا بديل عن تشكيل لجنة متخصصة لتعمل على إعداد النظام الانتخابي المنشود الذي يمكن أن يحوز على أوسع توافق وطني.

تمويل الأحزاب

يبقى أن المحك العملي لالتزام الحكومة بمواصلة مسيرة الإصلاح، ولو في الحدود الدنيا، هو أن تباشر دون تأخير في وضع خطتها لتنمية الحياة الحزبية على خلفية قانون الأحزاب السياسية رقم 19 لسنة 2007 والذي أعدّ وأقرّ في عهد حكومة معروف البخيت، برغم تحفظات قسم كبير من الأحزاب على هذا القانون. فالقانون دخل حيز التنفيذ ولا مناص من أن تكيف الأحزاب وضعها معه من حيث عدد المؤسسين ومناطق إقامتهم (500 عضو، من 5 محافظات على الأقل وبنسبة 10 بالمئة من المؤسسين لكل محافظة).

غير أن قانون الأحزاب يشتمل على توجه جوهري يتعلق بتمويل الأحزاب السياسية. فالمادة 19 من القانون تنص على “تخصيص بند في الموازنة العامة للدولة للمساهمة في تمويل الأحزاب من أموال الخزينة وفقاً لأسس وشروط تحدد حالات المنح أو الحرمان وآليات ووسائل الصرف بمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية”. وبما أن شهر كانون الأول من كل عام هو الشهر الذي ينبغي أن تقدم فيه الحكومة مشروع قانون الموازنة العامة، لذا يتعين على الحكومة إصدار النظام المشار إليه في المادة 19 من قانون الأحزاب دون تأخير من أجل تضمين الموازنة العامة بنداً خاصاً بتمويل الأحزاب، فهذا أوانه. ونقول ذلك الآن حتى لا تتذرع الحكومة لاحقاً بأنه فاتها إدراج بند تمويل الأحزاب ضمن الموازنة، وبالتالي تبرر التهرب من هذا الالتزام إلى حين تقديم موازنة عام 2009 مثلاً.

عقبة كأداء

إن الأحزاب في وضع لا تحـــسد عليه، وتكفـــي الإشارة إلى أنه باستثــناء حـــزب جبهة العــمل الإسلامي، لم يتـــقدم أي حـــزب للانتـــخابــات بشـــكل صريح، وفي معظم الحالات فإن العـقبة الكـــأداء التي تحول دون ذلك هي نقــص التمويل اللازم. وتجدر الإشارة إلى أن تمـــويل الأحزاب، كــــما هو معمــول به في البلدان الديمقراطية أو ذات الأنظـــمة الانتـــقالية نحو الديمقراطية، إنما يشـــتمل على تمويـــل حملات الأحزاب في الانتـــخابات البرلمانية والبلدية.

الحكومة أمام استحقاق إصدار نظام تمويل الأحزاب – حسين أبو رمان
 
06-Dec-2007
 
العدد 5