العدد 28 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري كان قدر الأردن أن يوجد في منطقة فقيرة بالمياه تغطي الصحراء 92بالمئة من مساحته، ما لا يترك من المساحات الخضراء سوى شريط ضيق على حده الغربي. وكان قدره أن يجد مصادر مياهه الرئيسية في أحواض مائية حدودية يتشارك فيها مع سورية (في حوض نهر اليرموك) شمالا، ومع إسرائيل (في وادي الأردن) غربا، ومع السعودية (في حوض الديسي الجوفي) جنوبا. الأردن، لا شك، كان أحوج من غيره من هذه الدول لعقد تفاهمات واتفاقيات ومعاهدات تضمن حصته الآخذة بالتآكل؛ إما بفعل الجغرافيا، لأن هذه الأحواض تتركز في دول الجوار من حيث المنبع والمساحة، وإما بفعل المناخ وسنوات الجفاف المتواصلة، وإما بفعل الحركة السكانية والهجرات التي توالت على البلد منذ أربعينيات القرن الماضي. الأردن بالكاد يستطيع توفير 850 مليون متر مكعب من أصل بليون متر هي حاجته السنوية. هذه الحقيقة، دفعت الأردن إلى توقيع عدد من الاتفاقيات مع دول الجوار التي تقع فيها مصادر المياه التي يمكن للأردن من خلالها الحد من وطأة النقص في مصادر المياه. ففي 3/9/1987 وقع في عمان كل من زيد الرفاعي، رئيس الوزراء، مع نظيره السوري عبد الرؤوف الكسم اتفاقية استغلال مياه حوض اليرموك بين الأردن وسورية. من أبرز بنود هذه الاتفاقية أن يتكفل الأردن بإنشاء سد الوحدة لتخزين المياه المارة في نهر اليرموك بعد تأمين المياه لإملاء خزانات السدود السورية المقامة في تلك المنطقة، على أن يكون لسورية حق الحفاظ على كامل هذا المخزون من المياه. وأرفق بالاتفاقية جدول أشار إلى أن عدد السدود السورية في الحوض بلغ آنذاك 25 سدا بطاقة تخزينية تتعدى 155 مليون متر مكعب. كما نصت الاتفاقية على أن تحتفظ سورية بحق التصرف بمياه جميع الينابيع التي تتفجر في أراضيها في حوض اليرموك وروافده، باستثناء تلك التي تتفجر ما قبل السد تحت منسوب 250م. ونصت الاتفاقية أيضا على أن يتكفل الأردن بتكاليف الإنشاء والنفقات المترتبة على تعويض الاستملاكات كافة، في الجانبين الأردني والسوري. هذه المعاهدة ضمنت إنشاء سد الوحدة تذهب مياهه كلها للأردن مقابل أن تفيد سورية من كهرباء السد. لكن الأمور لم تسر على هذا النحو. أمين عام سلطة وادي الأردن موسى الجمعاني يقول إن الاتفاقية بهذه الصيغة "أعطت شرعية للسدود السورية القائمة آنذاك"، لافتا إلى أن عددها زاد في السنوات اللاحقة للاتفاقية حتى بلغ 42 سدا. هذه الطفرة في بناء السدود، بالإضافة إلى حفر حوالي 3500 بئر حولت الطريق الصحراوي من درعا إلى دمشق إلى طريق زراعي، ناهيك عن استمرار موسم الجفاف الذي دخل الآن سنته العاشرة تقريبا، كل هذه العوامل ساهمت في انخفاض منسوب الجريان من ناحية، والفيضان من ناحية أخرى، ما أثر سلبا على نسبة الفائض الوارد "المفترض" إلى سد الوحدة. وما زال السد عاجزا عن تخزين سوى كميات متواضعة من المياه لم تتجاوز العام الماضي 12.2 مليون متر مكعب، تشكل 11بالمئة فقط من سعته التخزينية الكاملة التي تصل 110 ملايين متر مكعب. وفي كل الأحوال، ظل مشروع سد الوحدة عرضة للتجاذبات السياسية بين الأردن وسورية. فبالرغم من إقرار إنشائه في 1987، لم يُباشر بإنشائه إلا في 2003. كما تعرضت مسيرته إلى نقص في التمويل. الدراسات الأولية تشير إلى إقامة السد بسعة 200 مليون متر مكعب من الماء بكلفة تناهز 225 مليون دينار، وهو ما جعل عملية الحصول على تمويل لتنفيذ المشروع عملية صعبة. ولكن دراسات لاحقة خفضت التكاليف إلى 140 مليون دينار، ثم ما لبث أن انخفض المبلغ إلى 85 مليون دينار، وذلك بعد تغييرات في مواصفات السد الذي اكتفي بأن يصل ارتفاعه إلى نحو 80 مترا، بعد أن كان ارتفاعه في الأصل يراوح ما بين 100 و140 مترا، وبأن تبلغ سعته 110 ملايين متر مكعب بدلا من 200 مليون. وبعد سلسلة التغييرات هذه أمكن للأردن تأمين تمويل تنفيذ المشروع من الصندوق العربي للإنماء والصندوق الإسلامي للتنمية ومقره جده، وصندوق أبو ظبي. الأردن وإسرائيل خُصص الملحق الثاني من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية الموقعة في تشرين الأول أكتوبر 1994، لتوزيع مياه نهر الأردن وحوض اليرموك بين الجانبين. المادة الأولى من المعاهدة تنص على أن لإسرائيل أن تضخ 12 مليون متر مكعب من مياه اليرموك في فترة الصيف الممتدة من 15 أيار/مايو حتى 15 تشرين الأول /أكتوبر من كل عام، على أن يحصل الأردن على باقي التدفق. كما أن لإسرائيل أن تضخ 13 مليون متر مكعب في فترة الشتاء الممتدة من 16 تشرين الأول /أكتوبر حتى 14 أيار/ مايو من كل عام، ويحصل الأردن على باقي التدفق. وفي الاتفاقية أيضا أنه يحق للأردن أن يقوم شتاء بتخزين 20 مليون متر مكعب من مياه فيضان نهر الأردن في طبريا على أن يستردها صيفا. يضاف إلى هذا بند يلزم إسرائيل بأن تزود الأردن بنحو 10 ملايين متر مكعب من المياه التي تمت تحليتها. لكن الأردن إلى الآن لم يحصل على مياه عذبة من بحيرة طبريا وذلك لعدم إتمام إسرائيل بناء محطة تحلية في المنطقة. ربما كان من أكثر بنود الاتفاقية جدلا ما جاء في فقرة أخرى هي الفقرة الثالثة المتعلقة بالمياه الإضافية، إذ نصت على أن «يتعاون الأردن وإسرائيل في إيجاد مصادر لتزويد الأردن بكميات إضافية مقدارها 50 مليون متر مكعب سنويا من المياه الصالحة للشرب.» إلياس سلامة، الخبير في الشؤون المائية والأستاذ في الجامعة الأردنية، يعتبر أن هذه الفقرة تحديداً «مبهمة»، وهو ما ظهر بجلاء عند التنفيذ عندما لم يُزود الأردن بهذه الكميات، لأنه لم يتم العثور على مصدر لتوريد هذه المياه. ويضيف أن «الملك الحسين قام آنذاك باتصالاته واستطاع إقناع إسرائيل بتزويد الأردن بنحو 30 مليون متر مكعب من المياه.» محمد ظافر العالم، وزير المياه السابق، يرى أن الاتفاق الأولي أشار إلى قيام إسرائيل بتزويد الأردن بهذه الكميات لمدة 3 سنوات؛ لكنه تمكن لاحقا من إضافة فقرة للاتفاق «بألا يتوقف ضخ 30 مليون متر مكعب إلا بعد تشغيل محطات لتحلية المياه، أو إيجاد مصدر بديل.» ويصبح مجموع ما يحصل منه الأردن من بحيرة طبريا فقط بموجب هذه الاتفاقية هو 55 مليون متر مكعب موزعة كالتالي- بحسب مصادر في سلطة وادي الأردن: 25 مليون م3 يتم التزود بها صيفا وشتاء، 10 ملايين م3 من المياه المحلاّة يتم التزود بها شتاء، 20 مليون م3 (من مخزون الأردن في طبريا) يتم التزود بها شتاء. إلا أن الأردن عجز في العامين الأخيرين عن تخزين المياه في طبريا. العام الماضي خزن الأردن 1.5 مليون متر مكعب فقط ما سيضطره إلى «اقتراض» الماء من إسرائيل. في العام 2006 أعلن وزير المياه آنذاك ظافر العالم أن إسرائيل أعطت الأردن «قرضا مائيا» مقداره 8 ملايين متر مكعب. العالم يضيف أن الأردن سدد هذا «القرض» في العالم التالي. لكن حازم الناصر يقول إن مفهوم «الاقتراض والمديونية» غير وارد، إذ إن «إسرائيل ملزمة بموجب الاتفاقية بتزويد الأردن بهذه الكميات» وبخاصة في سنوات الجفاف. ويحمل الناصر على الحكومة الأردنية السابقة ويقول «إن حكومة معروف البخيت (من خلال مفهوم الدين المائي) وضعت سابقة أمام الإسرائيليين ستتسبب في معاناة الأردن وقتا طويلا.» كما يعتبر محمد بني هاني، الخبير في الشؤون المائية، أنه «بقليل من الصبر كان بإمكان الأردن أن يحصل على حقوق مائية أفضل»، معتبرا أن ما حصّله الأردن في اتفاقية السلام كان أقل بكثير مما كان يجب أن يحصل عليه. ويضيف أن «إسرائيل ثبتت حقوقها بالأرقام، أما الحقوق الأردنية فكان يشار إليها ب‘الباقي‘». بني هاني يشير إلى مثلب آخر يتمثل في عدم النص على نوعية المياه التي يتم ضخها من طبريا، إذ يتم الضخ من جنوب البحيرة حيث المياه فيها أقل عذوبة من المياه في شمال البحيرة، بحسب بني هاني. لكن الناصر يقول إن «إسرائيل تضخ من بوابة دجانية وهي البوابة نفسها التي تضخ لإسرائيل نفسها.» الاتفاق بين الأردن والسعودية يشترك الأردن مع السعودية في حوض الديسي الذي يقع ثلثه في الأردن وثلثاه الآخران في السعودية. الديسي هو حوض من المياه الجوفية العذبة يتوقع أن يوفر مياه الشرب للأردن لفترة زمنية تصل 100 عام قبل أن يستنفد. مذكرة التفاهم التي بدأ العمل عليها في 2007 استكملت في العام الجاري 2008. وتحدد المذكرة كميات المياه المسحوبة من الآبار على الجانبين إضافة إلى عدد الآبار المنوى تشغيلها. يأتي هذا في ظل استغلال السعودية للحوض عبر قيامها سنويا بسحب حوالي بليون متر مكعب من مياه الحوض. بإنجاز مشروع جر مياه الديسي إلى عمان، سيكون بمقدور العاصمة أن تنعم بـنحو 100 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب لعشرات السنين.
**
المديونية المائية تاريخيا، كان تعبير المديونية المائية يعني تلك الأموال المستحقة لشركات المياه على المواطنين الذين لم يتمكنوا، لسبب أو لآخر، من تسديد فواتير المياه المتراكمة عليهم. ولكن تفاقم مشكلة المياه على مستوى العالم، ومع تداخل مصادر المياه وسبل جريانها، خلق حاجة لعقد اتفاقات مائية بين بلدان تشترك في أحواض مائية أو في أنهار أو غير ذلك لتنظيم العلاقات المائية بين هذه الدول. وفي هذه الحالة تترتب المديونية المائية على الدولة التي تخل باتفاقياتها المائية مع دولة أخرى، كأن تحصل على كميات من الماء في ظروف الجفاف لتسددها في مواسم مطرية أفضل، لكنها تعجز عن ذلك. وما بين عامي 1944 و1994 وقعت الولايات المتحدة والمكسيك عددا من الاتفاقيات لتقاسم مصادر المياه بين البلدين، كان أبرزها تلك الموقعة بين الولايات المتحدة والمكسيك عام 1994 والتي تنص على التزام المكسيك بتحويل 350 ألف قدم/فدان سنويا للولايات المتحدة، باستثناء مواسم الجفاف غير العادي. وهذه واحدة من عدد من الاتفاقات بين البلدين اللذين يشتركان في حدود طويلة وفي مصادر مياه أبرزها مياه حوض ريو غراندي. وقد ترتب على عجز المكسيك عن الوفاء بالتزاماتها المائية تجاه الولايات المتحدة في مديونية مائية مكسيكية مستحقة لأميركا جعلت المكسيك تضع خطة وطنية لتسديد مديونيتها المائية المستحقة للولايات المتحدة. |
|
|||||||||||||