العدد 28 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري قبل أيام، قدمت سيدة عراقية اعتذاراً للشعب الأردني عما اعتقدت أنه سبب سوء حالهم هذه الأيام، وقالت "لقد زاحمناكم.. ندري بيكم.. والله أحسّ إنّهو لما أشتري الطماطا كأني آخذها من بين أيديكم." السيدة كانت في زيارة عابرة لأصدقاء لها في عمان قبل أن تغادر إلى غرفة من غرف بيتها الفاره في بغداد، خوفاً وهرباً من القصف، والتنكيل. وربما التقت فكرتها مع ما يحسه بعض الأردنيين من أن العراقيين هم السبب في ارتفاع أسعار العقارات أساساً، إلى جانب سلع أخرى. الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، إبراهيم سيف، نشر في حزيران/تموز من العام الماضي، بالتعاون مع باحث آخر هو ديفيد ديبارتولو، دراسة عن تأثير غزو العراق على اقتصاد الأردن. وكان من بين ما خلصت إليه الدراسة أن العراقيين الموجودين يشكلون جزءاً بسيطاً من جملة الأسباب التي أدت إلى تردي الأحوال الاقتصادية في البلاد. سيف، وديبارتولو يقولان إن "الحرب على العراق، بمعناها الواسع، هي التي سببت الارتفاع في معدلات التضخم في المملكة"، ويربطان ذلك بتوقف تدفق النفط العراقي المدعوم، واضطرار الحكومة الأردنية إلى شراء الوقود من السوق العالمية، بالإضافة إلى ما صاحب ارتفاع أسعار النفط عالمياً من ارتفاع في تكاليف استيراد المواد الغذائية وتدني قيمة صرف الدولار؛ وهذه عوامل لا يد فيها للعراقيين اللاجئين في الأردن. من الأرقام اللافتة في الدراسة ما ورد عن أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية (الخضار، والفاكهة، والحليب) يعود في جزء من مسبباته إلى ارتفاع الصادرات الأردنية من هذه المواد إلى العراق تحديداً. إذ إن الصادرات الغذائية إلى العراق ارتفعت من 22.1بالمئة من مجمل الصادرات الأردنية للعراق قبل الحرب إلى 40بالمئة ما بين عامي 2004 و2006. وينقل الرجلان عن خبراء أن غالبية هذه الصادرات كانت تذهب إلى الجيش الأميركي في العراق. وفيما يتعلق بارتفاع أسعار العقارات من شقق وأراضٍ، يقر سيف وديبارتولو بأن حجم الاستثمارات العراقية في هذا المجال ارتفع من 1.4 مليون دينار في العام 2000 إلى 100 مليون دينار في 2005 وهو ما يشكل 68بالمئة من مجمل معاملات غير الأردنيين في هذا المجال. مجمل هذه المعاملات (غير الأردنية) لا تشكل سوى 2.6بالمئة من المعاملات العقارية في المملكة بحسب أرقام 2005. وربما كان في هذا تقاطع مع دراسة أجرتها مؤسسة الأبحاث النرويجية المعروفة باسم (فافو) في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، التي أشارت إلى أن 25بالمئة فقط من العائلات العراقية تمتلك المساكن التي تقطن فيها، وأن هؤلاء ينتمون إلى طبقات عراقية ثرية في حين أن النسبة المتبقية أي نحو 75بالمئة هم من المستأجرين. يضاف إلى ذلك أن 1بالمئة فقط من الأسر العراقية الفقيرة تمتلك منزلاً في الأردن. الكاتب الاقتصادي، سلامة الدرعاوي، من صحيفة «العرب اليوم» يعتبر أن "العراقيين كانوا ورقة في يد الحكومة من جهة وفي يد التجار من جهة أخرى." ويشرح الدرعاوي أن "التجار والسماسرة روجوا لشائعات أن العراقيين أكلوا البلد"، واتخذوا منهم ذريعة من ناحية لرفع أسعار المواد الغذائية المرتفعة أصلاً بحكم التعرفة العالمية، ومن ناحية أخرى لرفع أسعار الشقق، والأراضي؛ ويقولون للأردنيين "إذا ما بدك تشتري بهذا السعر العراقيين بيشتروا". في الجانب الآخر، يقول الدرعاوي إن "مسؤولين حكوميين بالغوا في تقدير أرقام العراقيين اللاجئين إلى الأردن بهدف الحصول على مزيد من المساعدات الدولية." التقديرات الرسمية الأولية كانت تشير إلى وجود حوالي مليون عراقي في الأردن، إلا أن إحصاء دراسة فافو حدد عدد العراقيين في الأردن ما بين 400 إلى 500 ألف نسمة. وبكل الأحوال، يعتبر الدرعاوي أن من حق الحكومة أن تطلب هذه المساعدات لأن العراقيين "يشكلون بالفعل ضغوطاً على البنى التحتية والخدمية في المملكة". دراسة سيف ووديبارتولو أشارت إلى أن الأردن أنفق 13.5 مليون دينار على تعليم الطلبة العراقيين في المدارس الحكومية للعام الدراسي 2006-2007، وأنفق 5 ملايين في العام التالي. يضاف إلى ذلك أن العراقيين يفيدون من الخدمات الصحية التي تدعمها الحكومة. ويشير الرجلان إلى أن الأردن حصل العام 2003 على 1.1 بليون دولار من الولايات المتحدة كمساعدات مرتبطة بالحرب على العراق، وهي ليست موجهة تحديداً لمعالجة أثر الهجرة من العراق إلى الأردن. ومرة أخرى في 2007، منحت واشنطن الأردن مساعدة بقيمة 10 ملايين دولار "للمجتمعات الأردنية المتأثرة من تدفق العراقيين،" بحسب ما جاء في الدراسة التي تشير أيضاً إلى أن المملكة تحصل على موارد من تدريب الشرطة العراقية على أراضيها. لكن جواد العناني، نائب رئيس الوزراء الأسبق، يعتقد أن الأردن يستحق ما لا يقل عن بليوني دولار لتعويضه عن استضافة العراقيين. يقول "أعتقد أن الأردن لم يأخذ للآن ما يستحقه من مساعدات (في هذا المجال) التي قد تصل في أحسن الأحوال إلى 500 مليون دولار."لكن هنالك من يبالغ في وصف الأثر الإيجابي للعراقيين في الأردن. يعتبر سيف وديبارتولو أن الاستثمار العراقي الذي استفاد من قوانين تشجيع الاستثمار في الأردن زاد فعلاً في الفترة من 2004 إلى 2006، وارتفع إلى 148 مليون دينار مشكلاً 14.5بالمئة من مجمل الاستثمارات العربية في الأردن، لكن هذه الاستثمارات بدورها لم تشكل سوى 5بالمئة من مجمل الاستثمارات في المملكة. إلا أن سيف وديبارتولو يشيران إلى نمو لافت في قطاع تجارة التجزئة، والفنادق، والمطاعم الذي يرفد صافي الناتج المحلي بما نسبته 11بالمئة. هذا القطاع، بعد الحرب وبفضل تدفق العراقيين، نما بنسبة 7.3بالمئة. وفي هذا الإطار يلفت الدرعاوي إلى أن قطاع البنوك تحديداً استفاد كثيراً من الودائع والحوالات التي صدّرها العراقيون من الأردن. رجل الأعمال العراقي، ثائر الدليمي، الذي أمضى في الأردن حتى الآن 30 عاماً يرى أن حركة رجال الأعمال تحديداً في الأردن كانت مفيداً جداً لرفد قطاعات البنوك والنقل والتأمين، ويقول:"كرجال أعمال عراقيين نفتح اعتماداتنا لدى بنوك أردنية، ونؤمن لدى شركات تأمين أردنية، وكذلك نستخدم شركات نقل أردنية لنقل البضائع إلى العراق، وفي هذا كله تشغيل لهذه القطاعات". لكن الدليمي يلفت إلى أن بعض المعوقات التي تفرض على دخول العراقيين من تأشيرات وإقامات قد يضر "بسلاسة" العمل ما بين بغداد وعمان. عراقي آخر، فضل عدم ذكر اسمه، أشار إلى أن بعض رجال الأعمال يقومون حالياً بإغلاق مصانعهم تمهيداً لهجرة ثانية من الأردن إلى أوروبا أو أستراليا أو دبي، بسبب القيود التي تفرض على الإقامة. ويقول "مثل هذه الإجراءات مبررة خاصة بعد تفجيرات عمان العام 2005." لكنه في الوقت نفسه يتمنى لو أن هناك ثمة "تسهيلاً" على بعض العراقيين الذين يعتبرون من الكفاءات المتميزة التي يجب الإفادة منها. في هذا الإطار، يقول الدرعاوي إن الأردن لم يحسن الاستفادة من مئات العراقيين ذوي الكفاءات التعليمية التي لجأت إلى الأردن؛ فانتهى المطاف بمعظمهم في جامعات غربية احتضنتهم. محمد نصير، المستشار الثقافي في السفارة العراقية، يشير إلى أن ثمة 600 عراقي من حملة الدرجات العليا موجودون حالياً في الأردن، يعمل معظمهم في الجامعات الخاصة. إلا أن أرقاماً بأعدادهم لا تتوافر إلى الآن، وبخاصة أن كثيراً منهم يعملون بموجب عقود شخصية. البعض يقول إن هذه العقود كثيراً ما تنتقص من حقوق الأساتذة العراقيين خاصة ما يتعلق بالرواتب، لكننا في « ے» لم نتمكن من التحقق من ذلك. حالة مشابهة تحدث في القطاع الطبي. أمين سر نقابة الأطباء، باسم الكسواني، يشير إلى وجود ما لا يقل عن 500 طبيب عراقي في المملكة، 188 منهم فقط مسجلون في نقابة الأطباء – النقابة الوحيدة التي تسمح بتسجيل العراقيين. أما الباقون فيعملون بشكل غير قانوني. ويشرح الكسواني أن "هؤلاء يعملون بأجور متدنية." ويضيف أن "معظمهم يتخذون من الأردن محطة وليس مستقراً". وكما الأطباء والأكاديميون، وفد إلى الأردن المئات من الفنانين، والأدباء، والمثقفين، والكُتّاب، والصحفيين، والمترجمين العراقيين. معظم هؤلاء غادروا الأردن فيما بعد، وبقي عدد قليل منهم إلى الآن. أحضر هؤلاء معهم رؤى ثقافية متجددة، وتراثاً ثقافياً عريقاً، وزخماً ثقافياً وفنياً كان أكبر من أن يستوعبه بلد صغير مثل الأردن، فقد كان هناك فنانون كبار في مضمار الفن التشكيلي، ورسامو كاريكاتير مثل ومسرحيون كبار ونقاد ومبدعون ومعماريون، فضلاً عن أعداد كبيرة من الصحفيين والكُتّاب والأكاديميين والمترجمين. وقد شكل الشعراء حالة خاصة، ففي وقت واحد كان يقيم في عمان ثلاثة من أكبر شعراء العراق والعالم العربي هم: سعدي يوسف، وعبد الوهاب البياتي، وحسب الشيخ جعفر. الفنانون التشكيليون أقاموا المعارض التشكيلية في غاليريات عمان مثل: الأورفلي وغيرها. وأصدروا المؤلفات من الأردن وعنه. ياسين نصيّر، الناقد العراقي المعروف، كتب "الرؤية بعين الطائر – عن المكان في الأردن"، محمد الجزائري الناقد المعروف كتب عن الفن التشكيلي الأردني، وعبد الستار ناصر، وزوجته هدية حسين، كتبا عن العقبة، والبتراء ووادي رم، في "عبقرية المكان." لكن حازم مبيضين، الخبير في الشأن العراقي، يبدي استغرابه من أن الحركة الثقافية في الأردن عجزت عن الاستفادة من كل هذه الخبرات الثقافية والإبداعية. «لو حدث ذلك، فريما حال دون تحول الأردن بالنسبة لهم إلى مجرد «محطة» يمرون بها مرورهم مرور الكرام، كما يقول. |
|
|||||||||||||