العدد 28 - أردني
 

حسين أبو رمّان

في الخطاب الملكي، الأحد الماضي بمناسبة الذكرى الثانية والستين لاستقلال المملكة، شدد الملك عبد الله الثاني على عدد من الرؤى ذات الصلة بالتنمية السياسية، مؤكداً أن "التنمية السياسية، وضمان الحريات الأساسية للمواطنين، ومؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز مشاركتهم في اتخاذ القرار، حق مكفول في الدستور، وهي متطلب رئيسي، لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة".

لم يكتف الملك بالتأكيد على هذه المبادىء، بل حدد شروطاً لترجمة المبادىء إلى وقائع، لا سيما "وجود بيئة تسودها قيم الحرية والتعددية والتسامح، واحترام الرأي، والرأي الآخر، وسيادة القانون وتكافؤ الفرص".

توجه الخطاب الملكي للرأي العام المحلي، وخاطب في المقام الأول المعنيين بالأمر: الحكومة، وأعضاء مجلس الأمة، والقضاة، أي ممثلي سلطات الدولة الثلاث. وإلى جانب هؤلاء الإعلام والأحزاب، وأصحاب القرار في المؤسسات العامة والخاصة.

وتأسيساً على أهمية التشريع كأساس ناظم للأداء العام، قال الملك بأوضح العبارات: «وجهت الحكومة، للتعاون مع مجلس الأمة، للعمل على إنجاز حزمة من التشريعات المرتبطة بالتنمية السياسية، وبخاصة تلك المتعلقة بحماية حقوق الطفل والمرأة، وتيسير الاجتماعات العامة، وتعزيز دور واستقلالية الجمعيات والهيئات الخيرية».

من بين هذه التشريعات، قانون الاجتماعات العامة الذي كان وزير الداخلية، عيد الفايز، أعلن مؤخراً أن مجلس الوزراء أقر مشروعاً معدلاً له، استثنى فيه «اجتماعات الأحزاب والفعاليات المهنية، والنقابية واجتماعات الجمعيات من الحصول على إذن مسبق من الحاكم الإداري أو المحافظ».

الفايز أوضح أن المشروع قصّر مدة رد الحاكم الإداري على طلب الحصول على المسيرات إلى 48 ساعة بدلاً من 72 ساعة، وأن الطلب يعدّ مقبولاً إذا لم يجب الحاكم الإداري بالإيجاب أو الرفض، واعداً أن الحكومة ستدرج مشروع القانون على جدول أعمال الجلسة الاستثنائية المقبلة لمجلس النواب.

وبرغم أن الوزير برر "ضرورة إبلاغ الحاكم الإداري والأجهزة الأمنية بالمسيرات لحمايتها ولأسباب أمنية"، فإن إحدى مواد المشروع أبقت على سلطة تقديرية مطلقة للحاكم الإداري برفض الطلب، الأمر الذي يلقي بالكرة في مرمى مجلس النواب لإعادة النظر في هذه المادة بغرض تقييد هذه السلطة المطلقة.

وانسجاماً مع الرؤية الملكية، فالسلطة التنفيذية مدعوة للعمل على توفير البيئة التشريعية والعملية المناسبة لتجديد الحياة السياسية والنهوض بها، وفي مقدمة ذلك سن قانون انتخاب جديد يسترشد بمخرجات الأجندة الوطنية، وقبل ذلك بمقاصد وفحوى الدستور، إصدار نظام تمويل الأحزاب السياسية، ضمان حق العاملين في القطاع العام بالانتماء الحزبي دون تبعات تلحق بهم، والانتقال إلى مرحلة جديدة لتشكيل حكومات سياسية تضم خبرات تكنوقراطية.

من شأن هذه التدابير الأساسية، إشاعة مناخ جديد وتفعيل التحول الديمقراطي كي يكون منتجاً بالفعل،ويترك أثراً ملموساً ونوعياً على الحياة العامة يتوج مسيرة الاستقلال الذي يستذكره المواطنون هذه الأيام.

لقد شكل يوم الاستقلال نهاية رسمية للانتداب البريطاني على شرق الأردن بتاريخ 25 أيار/مايو من عام 1946. تحول ذلك اليوم الذي أعلنت فيه المملكة الأردنية الهاشمية، ونودي بالأمير عبدالله بن الحسين ملكاً، إلى عيد سنوي للبلاد.

ولأن الاستقلال، كما قال الملك عبدالله الثاني «مسيرة من الإنجازات الوطنية»، يتوقف الأردنيون أمام محطات فاصلة في هذه المسيرة. فدستور دولة الاستقلال (مطلع 1947)، تحول في عهد الملك طلال إلى دستور وحدة الضفتين (1952)، وهو الدستور الذي يعتز المواطنون جميعاً بالانتساب إليه، مظلة جامعة لكل أبناء وبنات الأردن وللأطياف السياسية بتلاوينها كافة.

الخمسينيات في تاريخ الأردن، مرحلة حاسمة في تكريس دعائم الاستقلال، بتعريب قيادة الجيش في مطلع آذار/ مارس 1956، ثم بإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية في آذار/مارس 1957.

فيما شهدت الستينيات مرحلة بناء وإرساء ركائز الدولة الحديثة، وكان لتأسيس الجامعة الأردنية العام 1962 معان كثيرة في دولة فتية أدركت أن الاستثمار الأكثر مردوداً اقتصادياً وإنسانياً هو الاستثمار في المواطن وفي المعرفة..

وفي الملف الإقليمي كانت حرب 1967 أكبرمن طاقة الأردن على احتوائها، فوقعت الضفة الغربية تحت الاحتلال، وتعطلت مشاريع تنمية طموحة. وبعد سنوات من تعطيل طاقاته بنتيجة انعكاسات هزيمة حزيران، استعاد الأردن في أواسط السبعينيات زخم توجهاته التنموية، مستفيداً من الفورة النفطية في منطقة الخليج.

أولى الأردن جهوداً كبيرة لاستعادة الضفة الغربية عبر تسوية سلمية تستند إلى قراري مجلس الأمن رقم 242 و338. هذه الجهود اصطدمت بالسلوك الإسرائيلي المتعنت والمخادع، وبطموح منظمة التحرير الفلسطينية المدعوم عربياً لتمثيل شعبها والتفاوض باسمه، ما قاد الأردن إلى إعلان فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية في تموز/يوليو 1987.

فك الارتباط، أفضى إلى تركيز الدولة الأردنية ومواطنيها على الشأن الداخلي، فحوّل الأردن أحداث معان (1989ربيع) ومصاعبه الداخلية إلى نقطة انطلاق نحو عودة الحياة البرلمانية، واعتماد ميثاق وطني عدّ بمثابة عقد اجتماعي جديد بين الحكم والشعب.

المرحلة الجدية تلك، هي مرحلة انفراج ديمقراطي والتحول البطيء أحيانا والمتعثر أحيانا أخرى نحو بناء دولة القانون والمؤسسات. مرحلة التحول الديمقراطي حمت الأردن الذي كان في عين العاصفة، وقدمت نموذجاً يحتذى بالتوازن المطلوب الذي أديرت به الأوضاع الداخلية، أما السياسة الخارجية فما زالت بحاجة لوضعها في منظور يستند الى أن العلاقة مع الغرب وبخاصة مع الولايات المتحدة، ينبغي ان لا تشكل قيداً على سياسة الأردن المستقلة في الملفات الإقليمية.

المسار الصاعد الذي شق طريقه منذ بداية التسعينيات ووجد تعبيره بإلغاء الأحكام العرفية، وشرعنة الأحزاب، وإطلاق حرية الرأي والتعبير والصحافة، راوح بين مدّ وجزر. من هنا يكتسب الخطاب الملكي أهميته، بإعطاء دفعة جديدة لهذا المسار، الذي تراجع في الآونة الأخيرة إلى الخلف أمام ضغوط الحياة الاقتصادية وتعقيدات الوضع الإقليمي.

الخطاب الملكي يضع التنمية السياسية على سُلّم الأولويات
 
29-May-2008
 
العدد 28