العدد 28 - أردني
 

حسين أبو رمان

يعيش الأردن تحت خط الفقر المائي، ويبذل جهوداً جبارة وأموالاً طائلة لتوفير الحد الأدنى من احتياجاته المائية. لكن "الطلب أكبر دائماً من العرض"، والنتيجة عجز مائي كبير ومتنامٍ بسبب سوء الإدارة المائية، استنزاف دول جوار للأحواض المائية الإقليمية المشتركة، وضعف الموارد المالية، وشح مياه الأمطار لمواسم متتالية. ثلاثة قطاعات رئيسية تستخدم المياه في الأردن، هي: البلديات، والصناعة، والزراعة. يستهلك قطاع البلديات الذي يشتمل على مياه الشرب والاستخدامات المنزلية والبلدية 290 مليون متر مكعب سنوياً (30 بالمئة) من مجمل الاستهلاك البالغ قرابة ألف مليون م3 من المياه، مقابل 40 مليون م3 للصناعة (4 بالمئة)، و66 بالمئة للزراعة (66 بالمئة) من ضمنها 70 مليون م3 مصدرها المياه العادمة المعالجة، بحسب ورقة عمل للخبير المائي إلياس سلامة.

الموارد المائية المتاحة من المصادر السطحية، الجوفية المتجددة، والمعالجة لا تغطي سوى نسبة من الطلب، بذلك يبلغ العجز المائي السنوي 400 مليون متر مكعب حسب وزير المياه والري السابق، محمد ظافر العالم. هذا العجز متنام بسبب الزيادة السنوية المرتفعة في عدد السكان (2.8 بالمئة)، الاحتيـــاجــات التنمويــة، والهجرات الإقليمية.

برزت في الأثناء ظاهرة التصرف بآبار كمُلكية خاصة، ما أدى لاستنزاف جائر للمياه الجوفية. الخبير المائي دريد محاسنة، أوضح أن الأردن يملك 12 حوضاً للمياه الجوفية، هبط عددها إلى ستة أحواض أو أقل نتيجة خراب الاستنزاف الذي تعرضت له.

أمام صعوبة الأوضاع المائية، تشكلت مؤخراً لجنة ملكية للنهوض بقطاع المياه في المملكة برئاسة الأمير فيصل بن الحسين، لمراجعة وتحديث الاستراتيجية الوطنية للمياه. وهو ما يملي التوقف عند التحدي المائي.

يرتبط التحدي المائي بجانبين، الأول يتعلق بسوء إدارة الموارد المائية، ويعبر عن "نفسه" بارتفاع نسبة الفاقد من المياه والضخ الجائر للمياه الجوفية. والثاني يتعلق باستنزاف تتعرض له الأحواض الإقليمية المشتركة مع سورية، وإسرائيل. والنتيجة أن الأردن المصنف بين أفقر عشرة بلدان في المياه، مهدد بمزيد من المصاعب، إذ من المنتظر هبوط متوسط الاستهلاك السنوي للفرد من 140 متراً مكعباً سنوياً في الوقت الحالي إلى 90 م3 العام 2025 حسب تقديرات وزارة المياه والري.

بسبب موارده المائية والمالية الشحيحة، على الأردن أن ينشط على جميع الجبهات، بدءاً بمعالجة مشكلة الفاقد من المياه الذي يتسم بارتفاع معدلاته، ومواصلة مشاريع الحصاد المائي، وبناء سدود إضافية وإقامة مختلف أشكال الحفائر والسدود الترابية، والتوسع في استخدام المياه العادمة المعالجة في الأغراض الزراعية، مروراً بإدارة العلاقات السياسية الخارجية بما يحفظ حقوقنا المائية في الأحواض الإقليمية، لا سيما في حوضي اليرموك، والأردن. وانتهاء بمشاريع المياه الكبرى ذات الجدوى العالية، التي تلزمها أموال طائلة ليست متوافرة دائماً.

تنفيذ بعض هذه المشاريع والسياسات يقع في دائرة الإمكان، ويتطلب وضع سياسات تنموية لوقف نزيف الهجرة إلى المدن، وإيلاء عناية خاصة بمشاريع تثبّت المواطنين في أماكن إقامتهم القريبة من مصادر المياه، والتصدي بنجاعة لمشكلة الفاقد.

الخبير المائي محاسنة، يرى أن اهتراء الشبكات القديمة في العاصمة، والسطو على مياه الشرب لأغراض الاستخدام المنزلي أو البيع أو الزراعة دون مقابل، يمثلان أهم أسباب ارتفاع نسبة الفاقد من المياه بما يتجاوز نصف كميات المياه المخصصة للشرب. ويضيف "برغم المبالغ الكبيرة التي أنفقتها سلطة المياه ما رفع مديونيتها إلى 350 مليون دينار، فلم تنجح سوى في خفض نسبة الفاقد من 55 بالمئة عام 2000 إلى 45 بالمئة حالياً".

أما في بناء السدود، فلم تكن حظوظ الأردن كبيرة. يمثل حوض اليرموك أحد أهم المصادر المائية. فقد أقام الأردن "سد الوحدة" على نهر اليرموك أحد أكبر السدود الأردنية بسعة 110 ملايين م3، لكن السد الذي بدأ تشغيله العام 2004، يحتجز حالياً، حسب تقديرات الخبير المائي، محمد ظافر العالم، نحو 12 مليون م3 من المياه فقط.

الأردن أقام هذا السد لتنظيم حصوله على حصة من مياه نهر اليرموك تبلغ زهاء 200 مليون م3 سنوياً، إلا أنه يواجه مشكلة مع الشقيقة سورية، بسبب توسعها في بناء السدود المسموح بها من 25 إلى 40 سداً، إضافة للحفر الجائر للآبار، بحسب تصريح لرئيس وزراء الأردن السابق، معروف البخيت، في تموز/يوليو 2006. ومن سنة إلى أخرى ينتظر الأردنيون الرحمة الإلهية بموسم مطري استثنائي يغطي على المشكلة.

عدم حصول الأردن على حصته من مياه اليرموك، يحرمه من الاستفادة من اتفاقيته المائية مع إسرائيل، التي تتيح للأردن أن يخزن 20 مليون م3 من مياه الفيضانات شتاء في بحيرة طبريا، لاستردادها صيفاً. الخبير المائي، محمد ظافر العالم، يوضح أنه لم يكن هناك فوائض مائية لتخزينها في طبريا خلال العامين الأخيرين. إسرائيل وافقت على تزويد الأردن بحسب العالم، بثمانية ملايين متر مكعب من المياه في العام الماضي، ويتوقع أن يطلب الأردن ضعف هذه الكمية صيف هذا العام.

كان الأردن وقّع مع سورية العام 1987 في حكومة زيد الرفاعي، اتفاقية لاستثمار مياه نهر اليرموك. الاتفاقية حددت إلتزامات الطرفين والامتيازات التي تعود لكليهما من بناء سد الوحدة. وحددت شروطاً إضافية تتعلق بعدد السدود المسموح للجانب السوري إقامتها في أراضيه، والمساحات والمحاصيل المسموح بزراعتها.

الترتيبات المائية مع إسرائيل تواجه صعوبات في التطبيق وعدم مراعاة الجانب الإسرائيلي لجوانب ذات صلة بنظافة المياه، والبيئة. إسرائيل تذرعت أيضاً بجوانب شكلية كي لا تزود الأردن بخمسين مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، نصت عليها معاهدة وادي عربة، ولزم تدخلات على أعلى المستويات كي تلتزم إسرائيل بتزويد الأردن بثلاثين مليون متر مكعب من المياه بحسب ظافر العالم، إلى حين إقامة محطة لتحلية المياه أو أي مصدر بديل يؤمن تزويد الأردن بالحصة المتفق عليها كاملة التي تستلزم تعاون الأردن مع إسرائيل على توفير مصادرها.

يتمتع القطاع الزراعي بأعلى حصة من مصادر المياه، والتي تبلغ حوالي ثلثي استخدامات المياه لعام 2007. وبرغم الإجراءات المبذولة من أجل أكثر التقنيات كفاءة في الري، فإن كفاءة الاستهلاك في مياه الري ما زالت متدنية، مع غياب النمط الزراعي، وإنتاج محاصيل ذات استهلاك عالٍ للمياه.

يوضح الخبير المائي محاسنة أن «مياه الري تباع للمزارعين بثمانية قروش لكل م3، بينما يدفع المواطن في عمان 35-40 قرشاً لكل م3، ما يشير إلى أن 65 بالمئة من قيمة الصادرات الزراعية يعتمد على الماء، كما لو أن الأردن يصدر ماء في قالب خضراوات، والنتيجة أن عائد الاستثمار على الزراعة هو في حدود 10-15 بالمئة فقط».

تعزو الأجندة الوطنية (2006-2015) مشكلة كفاءة الاستهلاك في مياه الري إلى خلل كبير في تسعيرة المياه المستخدمة في قطاع الزراعة، فالتكلفة الحقيقية المرتبطة بإنتاج المياه وتوزيعها لا تتعدى 5 بالمئة من التكلفة الإجمالية، بحسب الأجندة التي تستخلص أن التسعيرة لا تساعد على الاستخدام الأمثل للمصادر المائية، مطالبة الحكومة بـ «رفع تعرفة المياه المستخدمة في الزراعة، إضافة إلى السعي لتحسين انتاجية المحاصيل لزيادة العائد الاقتصادي من خلال تقديم الدعم الفني والمالي للمزارعين».

جر مياه من حوض الديسي إلى عمّان، يمثل أحد أكبر المشاريع المائية التي يعول عليها لتزويد العاصمة بنحو مئة مليون م3 من المياه الصالحة للشرب سنوياً بحلول العام 2012 ولعشرات السنين المقبلة. يكلف هذا المشروع 650 مليون دولار.

أجرت الحكومة في أواسط كانون الثاني/يناير الماضي مفاوضات مع الائتلاف الدولي الذي تقوده شركة «جاما» التركية لتحسين شروط العقد بما فيها تسعيرة المتر المكعب من المياه الواصلة إلى العاصمة (ے العدد 10، 17 كانون الثاني/يناير 08)، التي ستهبط إلى حوالي 84-90 قرشاً، دون احتساب تكلفة التنقية والتوزيع التي تبلغ ما بين 20 – 27 قرشاً للمتر المكعب، بحسب خبير في المياه والبيئة لا يرغب في ذكر اسمه.

التحدي الرئيسي الذي يواجه حوض الديسي ذي المياه الجوفية غير المتجددة، هو الاستهلاك السعودي لمياه الحوض الذي تتفق تقديرات عدة على أنه يتراوح ما بين 800-1200 مليون م3 سنوياً.

قناة البحرين (البحر الأحمر- البحر الميت)، تعدّ من أهم وأكبر المشاريع الاستراتيجية التي يتطلع الأردن لتنفيذها بتعاون ثلاثي مع إسرائيل، والسلطة الفلسطينية لسد العجز المائي لديه.

تنفيذ قناة البحرين يوفر زهاء 600 مليون م3 سنوياً من المياه المحلاة. وينتج الكهرباء اللازمة لتحلية المياه، وكميات أخرى لتشغيل المصانع في المنطقة. المشروع مكلف جداً، وتقدر تكلفة تنفيذه 10- 15 مليار دولار تقريباً.

لا تمثل القناة أولوية لإسرائيل رغم أن لها مصلحة فيها. كان هناك أيضاً سوء فهم مصري للمشروع في المرحلة الأولى، مصر اعتقدت أنه منافس لقناة السويس وهو ليس كذلك. أما السلطة الفلسطينية فانضمت بتأييد أردني منذ العام 2000 إلى المشروع الذي يوفر لها ما بين 150- 250 مليون م3 سنوياً، في وقت تسيطر فيه إسرائيل على حوالي 75 بالمئة من الأحواض المائية في الضفة الغربية. وهناك الآن شركتان تقومان بدراسة جدوى المشروع وآثاره البيئية، ويفترض أن تنتهيا من عملهما في غضون 18 شهراً.

تشكيل اللجنة الملكية للنهوض بقطاع المياه، مؤشر على وضع مائي حرج وتحديات مائية صعبة، ما يتطلب إدارة سليمة لملف المياه، وفي مقدمة ذلك المعالجة السريعة لمشكلة الفاقد، انتهاج سياسة زراعية واقعية من حيث النمط الزراعي والتسعيرة تراعي محدودية الموارد المائية، ووقف استنزاف مواردنا من المياه الإقليمية.

للنجاة من الفقر المائي وحتى لا يعطش الأردن: نحو إدارة كفؤة للمياه وضمان الحقوق مع دول الجوار
 
29-May-2008
 
العدد 28