العدد 4 - ثقافي
 

الضحية .. فتاة بعمر الورد دخلت معترك الأنوثة قبل الآوان. الجاني.. تقاليد، أعراف وقوانين بطريركية. البيئة.. زوجة أب قاسية وتفكّك أسري.

الفتــاة «ل» تحــولـت إلـى قضيــة رقـم 4 / 2002. التصنيف: شروع بالقتل/ بدافع الشك في سلوك المجني عليها.

قبل أن تتزوج، كانت “ل” تعيش مع والدها وزوجته الثالثة بعد وفاة والدتها وقبلها زوجته الأولى. للضحية شقيقتان وشقيق. المستوى التعليمي الإعدادية .

في التفاصيل، زوجة الأب “كانت دائمة التشاجر مع الضحية وتتطلع للتخلص منها بأي وسيلة” ما دفعها للتفكير ب”الخلاص من أبيها وزوجته عن طريق الزواج بأي شخص يتقدم لها مهما كانت مواصفاته”.

حين تقدم لخطبتها “ميكانيكي” لا تعرفه وافقت على الفور دون أن تدري ما ينتظرها من مآس. تعرضت لمحاولة قتل على يد شقيقها بعد اعتمال “الشك” في صدر زوجها ولدى الجيران.

النتيجة امرأة ضائعة، طفلان بدون حنان وجنين، أسقط عنوّة.

هكذا تسرد الناجية من القتل تفاصيل رحلتها إلى الهاوية أمام باحث ضمن فريق وطني وضع دراسة حول جرائم قتل النساء في الأردن بين عامي 2000 - 2003.

نفّذ الدراسة على مدى سنة مركز المعلومات والبحوث في مؤسسة الملك الحسين بن طلال بالتعاون مع القضاء الأردني، الأمن العام، والطب الشرعي، وبدعم صندوق الامم المتحدة الإنمائي للمرأة UNIFEM .

كان لدى عائلة «ل» قاعدة مفادها «زوّج ولا تسأل» انسحبت أيضا على شقيقتي الضحية اللتين اقترنتا أيضاً بعمر 16 سنة.

قضية «ل» كانت بين سبع حالات مماثلة غالبيتهن لم يحالفهن الحظ بالبقاء على قيد الحياة.

في بداية زواجها سكنت “ل” مع أهل زوجها لمدة خمس سنوات تخللتها حالات حرد وهجران في بيت أهلها كلما “تعرضت للضرب” على يد زوجها.

على أن الحال لدى الأهل لم يكن أحسن من منزل الزوجية. تستذكر “ل” كيف كان يقول لها والدها: إنت زي الكندرة كل ما أحطّك بالحاوية بترجعيلي».

زوج الضحية «كان دائما سكراناً، ولا يسأل عني ولا يخرج معي، وكان يرجع إلى المنزل بعد منتصف الليل”.

مع حالة الإهمال الأسري، تعرف على الضحية أحد الجيران. ومع أن العلاقة لم تتعد “اتصالات هاتفية” إلا أنها وصلت إلى مسامع الزوج، فأعادها إلى أهلها.

الشروع بالقتل

حين عرف شقيق “ل” وزوجته بسبب عودتها إلى منزل والدها “أوسعاها ضرباً وطلقوّها من زوجها فيما تنازل أهلها عن كل شيء بما فيه طفل وطفلة”. وكانت ثورة الشك قد دفعت الزوج إلى إجهاض الجنين الثالث بعد أن أنكر أبوته.

تقر الضحية: «بعرف إني غلطانه باللي عملتو.. أنا مش متعلمه. صار اللي صار».

زوجة الأب حرضّت شقيق “ل” البالغ من العمر 18 عاماً على قتلها.

في البدء “حشروني في غرفة الضيوف وبدأ الجميع يقترحون علي طرقا لقتل نفسي. حتى خالتي اقترحت أن أطلب من أهلي مغادرة المنزل ثم أفتح أسطوانة الغاز. واقترح أخي أن اعلق رقبتي بحبل وأشنق حالي” .

حاولت “ل” الهروب من قمع ومخططات الأسرة، لكنها لم تنجح. شيّد والدها غرفة لها “تحت بيت الدرج ولم يكن أحد يسأل عنها. كانوا يقذفون لي فتات الأكل. وكنت دائماً أقرأ القرآن».

يوم ارتكاب الجريمة طلبت «زوجة أبي مني أن أنظّف الدرج ثم خرجت لتسأل عن أولادها في المدرسة”. في هذه الأثناء سمعت “ل” صوتاً في بيت الدرج، فاعتقدت بأنه أحد إخوتها. وكان صاحب الجلبة شقيق “ل” يحمل مشرطاً وطلب منها أن ترتدي ملابس “مرتبة” لأن والده يريد أن يرحل من الحي. ظنت “ل” أنه “بده يطلعني اشم هوا وأنه أبوي صار يسمح لي بالخروج”.

“ظننت بداية أن شقيقي سيأخذني إلى منزل شقيقتي في صويلح. لكنّني لاحظت بأن الطريق تتجه إلى مسار آخر فشعرت بالرعب”، تتابع “ل”. وكلما سألته أين الوجهة كان يرد: “اخرسي وامشي حتى وصلنا منطقة الاقمار الصناعية مقابل البقعة (أم الدنانير)”.

سألها الجاني إن كانت تعرف لماذا أحضرها لهذا المكان، فطلبت منه ان “يكف شره عنها”. فأجاب: “يا ريتني جبت أكل كان غديتك قبل ما تموتي”. ثم أنزلها في واد “وبدا يهلوس بكلام غير مفهوم حول من نصحوه بقتلها وكيف يقتلونها” .

دم الأخت مقابل طلاق زوجة الأب

الجاني بدأ بـ”ضربها على رأسها وعندها أغمي على الضحية. وحين استيقظت وجدت نفسها معلّقة على شجرة وبيده حجر”. صرخت بوجهه: “يكفي ذلك. إلا أنه قال لها إن إخوتها وأشقاءها اقترحوا عليه أن يقتلها كذلك والده قال له ان قتلت شقيقتك سأطلق زوجتي “.

“هكذا أنت تموتين ويتحسن الوضع .. لن أذهب قبل أن تموتي“، ثم قام بضربها بالمشرط على رقبتها لكنها لم تمت، فغطى وجهها وكتمت هي أنفاسها بصعوبة .

وهنا تركها وأخذ أداة الجريمة وذهب.. الضحية تقول «كان مغمى علي الا انني كنت اسمع كل كلامه الذي كان يخرف به».

الجاني توجه إلى المركز الأمني الموجود في المنطقة ليسلم نفسه، وأبلغ عن جريمته قائلاً “ أنا قتلت أختي وهي موجودة في المكان الفلاني”.

تحركت لأنقذ نفسي، تواصل الضحية سرد رواياتها، “ثم سمعت صوت لاسلكي فكان أفراد من البحث الجنائي وليس إسعاف لأن أخي أخبرهم إنه قتلني ، كانوا لابسين مدني وماسكين أخوي من رقبته ، سألوني أنت اسمك “ل” وهذا أخوك “ فاجبتهم إني هي، وهذا شقيقي لكنه ليس بعقله، ومش هو السبب باللي صار معي” .

وتتابع: «بعدها أغمي علي وصحيت بغرفة في المستشفى، وكان في شرطة بغرفتي، وفي أجهزة كثير وكانت اصابتي بليغة وكان الموضوع يتطلب تركيب “صفيرة” برقبتي مشان النفس، لكن الدكتور رفض لاني صغيرة في السن، وبقي صابر علي لمدة شهر وبعد هيك تحسنت، وصار صوتي منيح مقارنة بوضعي السابق” .

الضحية تكشف “ ابي بين انه برئ من الجريمة وزارني مرتين بالمستشفى، وكان يطلب مني ان اتنازل عن حقي الشخصي وفعلاً كتبت التنازل بيدي .. وكتبت على الورقة أنه أنا حكيت مع شاب مشان هيك أخوي قتلني».

وضع الضحية بعد الجريمة

تقول الضحية “ عندما جاء وقت الشهادة بالمحكمة قال لي أبي .. إذا قلت إنك زنيتي بيطلع إخوكي رأساً ولا كأنه صار اشي، هاي فورة غضب منشان الشرف»..

حكيت لأبي “لو أخوي انعدم أنا ما رح أحكي إلا الحقيقة وما رح احكي هاي الكلمة .. أبوي كان يلف على عماتي ويحكي لهم بنتي زنت وها هو اعترافها بجيبتي، الله يسامحه على كل شي».

فيما بعد، تقول الضحية، تعرف جدي على رجل يبحث عن زوجة جديدة، وهو كبير بالسن لا يرى الا بعين واحدة ولا يعمل، فقير الحال، متقاعد براتب 75 دينارا.

الضحية وافقت على الزواج منه بمقدم 500 دينار ولم تر المهر ابدا ،«ذهبت الى منزله بالبيجامه، تحممت في بيته ... شعرت اني كالختيار كبير السن كل يوم يأخذه أحد لمكان معين لا أحد يحبه ولا احد يرغب برعايته».

ولدى سؤال الضحية من قبل الباحث عن لجوئها الى أية مؤسسة تحميها او تقدم لها الدعم أكدت “لم أجد من يدعمني لا من قريب ولا من غريب».

الأخ حكم بالسجن خمس سنين بجناية حمل وحيازة أداة حادة وجرم بجناية الشروع بالقتل العمد . وحددت المحكمة الدافع بـ “الشك في سلوك المجني عليها».

دراسة: 754 قضية شرف %50 من ضحاياها نساء متزوجات اكثرها في عمان

أشارت مقابلات الضحايا الناجيات، بحسب دراسة «جرائم قتل النساء في الأردن بين عامي 2000 - 2003» أو تلك التي أجريت مع أسر الضحايا الى أن الشك قد يبدأ إما بشائعة من قبل أهل الحي أو من قبل أحد أفراد الأسرة والذي قد يكون في بعض الحالات «زوجة الأب أو زوجة الأخ» ليتطور الى حالة اتهام للضحية يشارك فيها مجتمع الأسرة «الحي وأفراده» لا تنتهي إلاّ بقتل الضحية وغسل العار عن الجميع، بشكل علني أمامهم، إذاً هو قتل جسدي ومعنوي يمارس بشكل جماعي ضد الضحية .

وفقاً لبيانات القضاء فقد بلغ مجموع قضايا القتل والشروع فيه 754 قضية خلال الأعوام (2000 - 2003) منها 97 قضية ضد النساء، أي ما نسبته 12،9 من مجموع قضايا القتل والشروع فيه في المحكمة على مدار 4 أعوام.

أما نسبة البقاء على قيد الحياة في جرائم القتل والشروع فيه الواقعة على المرأة، فإنها متدنية حيث تموت ( 70.2 % ) أنثى وتنجو ( 29.8 %) ضحية .

وتوزعت الجرائم وفقاً للدافع ليتصدرها الشكوك في سوء سلوك المجني عليها 25 قضية ما نسبته 25.8%، العنف الأسري (مشاجرات عائلية) 25 قضية ما نسبته 25.8% ثبوت الزنا 15 قضية ثبوت الدعارة 6 قضايا، خلافات مادية 6 قضايا، السرقة 5 قضايا أخرى 14 قضية .

وسجلت في العاصمة عمان أعلى الأرقام الاحصائية لجرائم القتل والشروع بالقتل ضد النساء حيث بلغت في عمان 36 قضية، إربد 17 قضية، البلقاء 13 قضية، الزرقاء 11 قضية، العقبة 5 قضايا، الكرك 4 قضايا، الطفيلة 3 قضايا، معان قضيتيتن وكذلك جرش وعجلون، أما المفرق ومادبا فقد وقعت قضية واحدة في كلتا المحافظتين.

وتكشف الدراسة أن محكمة الجنايات الكبرى لم تصدر إلى عام 2005 أي حكم قطعي في جرائم القتل والشروع فيه الواقعة على المرأة، علماً أنها أصدرت عام 2000 11 قراراً قطعياً، وعام 2001 30 قراراً، وعام 2002 22 قراراً، أما عام 2003 فقد أصدرت 28 قراراً في حين أصدرت العام الماضي قراراً واحداً ولم تشر الدراسة الى أي قرار صدر خلال العام الحالي، من مجموع 97 قضية سجلت ضد النساء.

الحالة الاجتماعية والتعليمية والمهنية للضحايا

تكشف الدراسة عن صعوبة الحصول على بيانات حول الحالة التعليمية للضحايا من ملفات القضاء، وهذا ما تؤكده البيانات حيث كانت الحالة التعليمية للضحايا في جرائم القتل والشروع في القتل: متعلمة 29 ضحية، غير متعلمة 8، أما لا ينطبق (يقصد ضحايا القتل والشروع فيه ضمن الفئة العمرية أقل من 10 سنوات ممن لم يلتحقن بالمدارس) فكان 6 ضحايا، في حين كان عدد غير مبين 61 ضحية أي ما مجموعه 104 ضحية من أصل 97 قضية .

أما الحالة المهنية للضحايا، فبينت الدراسة أن النسبة الأعلى من ضحايا جرائم القتل والشروع فيه هن من غير العاملات وربّات المنزل، حيث شكلن ما نسبته 58.7 % في حين شكلت العاملات ما نسبته 16.3 % من مجموع الضحايا، وفي المقابل انخفضت نسبة اللواتي كن على مقاعد الدراسة لتبلغ 5.8 % .

أما مهن الضحايا فكانت: مزارعة 4 ضحايا، عاملة تنظيف / آذنة في مدرسة 3، غير مبين طبيعة المهنة 3، مساعد صيدلي 1، سكرتيرة 2، بائعة متجولة 1، كوافيرة 1، عاملة على بسطة 1، عاملة في مطعم 1، وبلغ مجموع الضحايا من صاحبات المهن 17 ضحية .

مكان وقوع الجريمة

بيّنت نتائج الدراسة أن 71.1 % من جرائم القتل والشروع فيه الواقعة على المرأة ترتكب في المحيط المكاني لإقامة المجني عليها .

أما العلاقة التي تربط الجاني بالضحية، فكانت على النحو التالي: الجرائم التي ارتكبها الأخ 51 قضية، الزوج 17 قضية، أحد الأقارب العم الخال ابن العم ابن الخال 16 قضية، لا يوجد علاقة ( الجار، السارق .. ) 12 قضية، الأب 10 قضايا، المعارف والأصدقاء (صديق الزوج، صديق الأم، صديـق الضحية) 7 قضـايـا وبلغ المجـموع الكلي للجناة 113.

جرائم القتل الواقعة على الطفــــلة الأنثى والشروع فيه تشــــير البيانات الى وقــــوع حـالات قتل وشـــروع فيــه على الطفلـــة الأنثى من عمـــــر يوم الى 18 سنة بنسبة بلغت 19.2 % حيـــث بلغـــت نسـبــــة الأطفــال الإناث اللواتي تعرضن للقتل والشـــروع فيــه نتيجـــة للمشــاجرات العائلية والعنف الأسري 35 % يليها دافع الشكوك في سلوك المحني عليها بنسبة 20 % ومن ثم دافع الخلافات المادية وعدم افتضاح أمر الاغتصاب بنسبة 10 % لكل منهما .

وأشارت الدراسة الى أعمار الضحايا التي سجلت أقل من 10 سنوات 7 قضايا، 10 - 14 سنة 3 قضايا، 15 - 17 سنة 10 قضايا، 18 - 22 سنة 20 قضية، 23 - 27 سنة 21 قضية،28 - 32 سنة 14 قضية 38 - 42 سنة 6 قضايا، فما فوق 43 سنة 11 قضية

وكان مجموع الضحايا من المتزوجات حسب الدراسة، هي الأكثر، إذ بلغت 50 قضية، عزباء 30 قضية،مطلقة 15 قضية، أرملة قضيتين، لا ينطبق 7 قضايا .

ضحايا الشك.. أسر مفككة – ليندا معايعة
 
29-Nov-2007
 
العدد 4