العدد 27 - أردني | ||||||||||||||
السّجل - خاص "في السبعينيات كانت الجامعة الأردنية تبشر بمستوى تعليمي نوعي وجيّد. كانت معايير اختيار أعضاء هيئة التدريس أكاديمية في الدرجة الأولى، فلم يكن يعيّن إلا من تخرجوا من جامعات مميزة وغالباً أوروبية أو أميركية. وكان اختيار الطلبة يتم على أساس تنافسي تماما، ما أدى إلى وجود طلبة من نوعية جيدة، إضافة إلى وجود حركات نقابية وأحزاب سياسية كانت تشكل مصدراً للوعي الطلابي وتعزز والانتماءات الطلابية، فقد كان التنافس في معظمه فكرياً وعقائدياً بين الطلبة، ولم تظهر في ذلك الوقت الانتماءات الجزئية؛ العشائرية أو الجهوية." هكذا حاول إبراهيم عثمان، الأكاديمي وأستاذ علم الاجتماع الذي درّس في جامعات الكويت، الأمارات العربية المتحدة، الولايات المتحدة، والجامعات الأردنية أن يقيم مسيرة التعليم في الأردن بين الأمس واليوم. يؤرخ عثمان للتغيرات التي طرأت على طرفي العملية التعليمية؛ المدّرس والطالب قائلا إنه منذ بداية الثمانينيات أصبحت العشائرية والجهوية المعلم الأوضح في انتماءات الطلاب وعلاقاتهم، وبخاصة بعد بروز نظم اختيار الطلبة على أسس فئوية، ما أدى إلى وجود طلبة غير مؤهلين للتعليم الجامعي. ويلاحظ أن "التحيزات الجهوية والإقليمية أدت إلى فتح الباب أمام أعضاء هيئة تدريس غير مؤهلين للتعليم الجامعي، بالإضافة إلى الاستمرار في زيادة عدد الطلاب دون زيادة موازية لهذا العدد في أعضاء هيئة التدريس." يستذكر عثمان أن الحرم الجامعي في الجامعة الأردنية كان في السبعينيات مستقلاً عن التدخلات الخارجية، وأن الراحل الملك الحسين كان يحرص شخصياً على استقلالية الجامعة وعدم تدخل الأجهزة الأمنية في الحياة الجامعية إلى حد كبير، لكن منذ الثمانينيات تم اختراق الحرم الجامعي وزادت التدخلات الخارجية، ما أدى إلى إضعاف الحريات، سواء بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس أو للتجمعات الطلابية. وهو يعتقد أن ذلك كله قد "أثر على تشكيل اتحاد الطلاب، ما أفقده الاستقلالية، وسمح بتشكله على أسس جهوية وعشائرية، بعد أن كانت الأسس عقائدية وفكرية ومطلبية." الوجه الثاني لتدهور العملية التعليمية، بحسب عثمان، هو أن النظام التعليمي لا يمكن فصله وعزله عن الوضع العام للمجتمع العربي، "فقد ارتبط تراجع التعليم الجامعي بتراجع وتبعية النظم العربية القائمة، إضافة إلى أن التعليم والنظام التعليمي يرتبط عادة من حيث معناه ومفهومه بثقافة المجتمع." في المحصلة يرى عثمان أن هذا كله أسفر عن نتائج سلبية، فهو "أدى من الناحية الثقافية إلى النظر إلى التعليم وكأنه ينحصر في نقل المعلومة للطالب، دون التركيز على دور الطالب في العملية التعليمية، وبهذا أصبح التركيز على الذاكرة والنقل، دون الاهتمام بتنمية المهارات الفكرية والنقدية لدى الطلاب، وحصر دورهم في اختزان ما يتلقونه ثم اجترار هذا المخزون وقت الامتحان." المشكلة الأخرى في تدهور التعليم، كما يراها عثمان، هي ضعف مستوى مدخلات العملية التعليمية لخريجي المدارس، "حيث لم يأخذ النظام المدرسي بتطوير مناهجه لمواكبة التحديات المتجددة، إضافة إلى تركيزه على عملية التلقين، وإبراز سلطة المعلم والكتاب." أما الطرف الآخر؛ الإدارة الجامعية، فقد "كانت تتبع، في الغالب، نظاماً بيروقراطياً، لا يتناسب مع النظام التعليمي، يقتل الإبداع والمبادرات الفردية سواء على مستوى أعضاء هيئة التدريس أو الطلبة." وهو يرى أن "مسؤولية رئيس الجامعة لا توجه للعملية التعليمية وتطويرها، وإنما إرضاء لمسؤولين خارج الجامعة ممن لديهم السلطة في تعيينه واستمرار بقائه." في مثل هذا الوضع المتدهور للتعليم؛ سواء من حيث العملية التدريسية أو من حيث ضعف البحث العلمي، يرى عثمان أن الجامعات العربية عامة تحتاج إلى إعادة النظر في النظام التعليمي بمجمله، والعمل على مواكبته من حيث المهنية والمعرفة بالمستجدات العالمية، وربط ذلك بإمكانيات التقدم المعرفي من ناحية وتلبية الحاجات العلمية في المجتمع العربي من ناحية أخرى. ويختم عثمان حديثه بالدعوة إلى ضرورة "العودة إلى احترام استقلالية الجامعات واحترام حرية أعضاء هيئة التدريس والطلبة، بعدم التدخل لإعاقة تطوير العملية التعليمية في الجامعات." |
|
|||||||||||||