العدد 27 - أردني
 

سليمان البزور

بالرغم من أن التشريعات الخاصة بالجامعات الرسمية أعطت هذه الجامعات هامشاً من الاستقلالية، فإن التساؤل عن استقلالية حقيقية لهذه الجامعات يبقى قائماً، وبخاصة في ظل تعدد المرجعيات وسياسات القبول الجامعي التي تثار حولها أكثر من علامة استفهام، والافتقار إلى مجالس أمناء فاعلة.

إن الانتقاص من استقلالية الجامعات يفقد المؤسسات التعليمية الأكثر أهمية في البلاد دورها في أن تكون مراكز للإشعاع الفكري والإبداعي الذي ينعكس على المجتمع، وبدلا من ذلك تصبح هي نفسها عرضة لتأثيرات المجتمع في مسيرة خاطئة لاتجاه البوصلة التعليمية والتنويرية.

وربما كانت هذه الحقائق هي التي دفعت الجهات الرسمية إلى عقد "خلوة التعليم العالي في الأردن" في أيار/مايو 2007، بمشاركة الأطياف ذات العلاقة بقطاع التعليم العالي في الأردن، وذلك في محاولة للوقوف على مختلف التحديات التي يواجهها التعليم. ولم يكن غريبا أن خرجت الخلوة باستراتيجية تدعو إلى تعزيز تكاملية السياسات، الاستراتيجيات والإجراءات ذات العلاقة بقطاع التعليم، وتشدد على ضرورة ضمان استقلالية الجامعات مالياً وإداريا، وتفعيل دور مجالس الأمناء فيها.

رئيس جامعة اليرموك السابق د. محمد سعيد الصباريني يقر بتراجع استقلالية الجامعات، لاسيما في السنوات العشر الأخيرة، "من المفترض أن تكون الجامعات مستقلة إلى حد ما، إلا أن وزارة التعليم العالي، في السنوات الأخيرة، أصبحت تضطلع بدور أكبر في الجامعات فلم تعد الجامعات تتخذ قراراتها بنفسها." يقول الصباريني. وهو يرى أنه لا بد للجامعات من أخذ قراراتها ذاتياً، كما يجب منح الجامعات الثقة بوصفها مؤسسات مستقلة.

بموجب قوانين الجامعات الأردنية المتعاقبة يشكل مجلس أمناء لكل جامعة، يتألف من رئيس وسبعة أعضاء يعينون بإرادة ملكية. يتولى المجلس رسم السياسات العامة للجامعة، إقرار الخطة السنوية لمشاريع الجامعة الإنمائية، ويضع أسس مراقبة جودة التعليم في الجامعة. إلا أن ذلك لم يساهم في تحقيق تغييرات جذرية في بنية التعليم العالي في الأردن، وبخاصة في نوعية التعليم، ولم يشفع للجامعات التحرك بهامش أوسع من الاستقلالية.

في المقابل تعددت المرجعيات التي تدخل في صلب عمل الجامعات الرسمية، بدءاً من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، التي كانت شاهداً على حالة التخبط الحكومي حين ألغيت في العام 1998، فجرى إنشاء مجلس اعتماد مؤسسات التعليم العالي في العام ذاته بهدف نصت عليه المادة 6 من القانون6 لعام 1998 هو "رفع مستوى وكفاءة التعليم العالي في المملكة".

لكن الوزارة ما لبثت أن أعيدت في العام 2001، مع الإبقاء على مجلس الاعتماد. وفي العام 2007 أنشئت هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي لتحل مكان مجلس الاعتماد، وهدفت الهيئة بموجب المادة 4 من قانون رقم 20 المتعلق بتشكيلها إلى "تحسين نوعية التعليم العالي في الجامعات ومؤسسات البحث العلمي."

تندرج في باب استقلالية الجامعات الحريات الأكاديمية ومدى تدخل جهات من خارج أسوار الجامعة في الأكاديميين والعمل الأكاديمي والطلبة ونشاطاتهم، وهو ما يحدث بدرجات متفاوتة، ما أثار استياء مؤسسات مجتمع مدني وقوى سياسية.

ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2007، نظم مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان ندوة شارك فيها أكاديميون وممثلو مؤسسات مجتمع مدني. وقد خلصت الندوة إلى أن تحديد أعضاء هيئة التدريس بمقررات ومساقات تدريسية محددة وقديمة يشكل خطراً كبيراً على نوعية التعليم. وفي مطلع العام 2004 طالبت أحزاب المعارضة في مذكرة رفعت لرئيس الوزراء آنذاك فيصل الفايز، بوقف ما أسمته "التدخل الأمني في الجامعات الأردنية"، من حيث تعيين أعضاء هيئات التدريس، وترقيتهم، في الجامعات الأردنية ومن حيث سياسات قبول الطلبة في الجامعات التي اعتبرتها غير عادلة، وتتناقض مع مبدأ المساواة بين الأردنيين.

يرفض منسق حملة "ذبحتونا" فاخر دعاس فكرة الاستقلال المالي للجامعات الحكومية، ويعلل ذلك بأنه "في حال أعطيت الجامعات الحكومية استقلالية مالية، فإنها ستصبح أقرب إلى الجامعات الخاصة." إلا أنه يشدد على ضرورة إعادة النظر في أنظمة التأديب في الجامعات الحكومية. "التعيينات وأنظمة التأديب تأتي من فوق، ولا بد من تغييرها لتصبح نابعة من داخل أسوار الجامعات وتتماشى مع رؤية الجامعات." يقول دعاس. ويضرب مثالاً: "حين كان عدنان بدران رئيسا للوزراء قال صراحة إنه ضد سياسات التعيين، إلا أن شيئا في هذا الشأن لم يتغير."

في السياق نفسه، أورد التقرير السنوي لحقوق الإنسان في الأردن، الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية أن الحكومة الأردنية تحد من الحرية الأكاديمية. وقال التقرير إن بعض الأكاديميين تلقوا تهديدات بالطرد من الجامعات التي يعملون فيها، وأن بعضهم صرف فعلاً بسبب أرائه السياسية.

على إثر أحداث شغب تكررت في جامعات أردنية رسمية وخاصة: اليرموك، الأردنية، مؤتة، إربد الأهلية، الإسراء، بدت الفرصة مواتية لمجلس التعليم العالي من أجل إقرار نظام تأديب، فأقر المجلس نظام عقوبات جديدا للجامعات الأردنية للحد مما أسماه ظاهرة العنف الجامعي، وأطلق عليه اسم "النظام العام لتأديب الطلبة في مؤسسات التعليم العالي"، قبل ذلك، كان قد أقر نظام تأديب في الجامعة الأردنية في شهر حزيران/يونيو 2007 تحت ذريعة مواجهة العنف في الجامعات الأردنية.

تقول المادة "السادسة من نظام التأديب الجديد "علي الرغم مما ورد في أي نظام لتأديب الطلبة في المؤسسات التعليمية، إذا كان أحد الفاعلين أو المشاركين أو المنتسبين أو المحرضين على العنف في إحدى المؤسسات التعليمية مسجلا في مؤسسة تعليمية أخرى، فان سلوكه هذا يعتبر مخالفة تأديبية وفقا لنظام تأديب الطلبة النافذ في مؤسسته ويعتبر كأنه ارتكب هذه المخالفة في صرح المؤسسة التعليمية المسجل فيها".

وبحسب النظام "إذا كانت العقوبة التأديبية التي تم توقيعها على الطالب نتيجة لأعمال العنف الجماعي تصل إلى الإنذار النهائي أو عقوبة أشد، فعلى المؤسسة التعليمية تزويد الوزير بالقرارات التأديبية الخاصة بهذا الشأن، وذلك خلال أسبوعين من تاريخ اكتساب هذه القرارات الدرجة القطعية".

الجامعات الحكومية: قليل من الاستقلالية، كثير من القيود
 
22-May-2008
 
العدد 27