العدد 27 - اقليمي
 

عبدالسلام حسن

القدس-  بخطابه أمام الكنيست، وما تضمنه من نصوص توراتية، تفوق الرئيس الأميركي جورج بوش، بجدارة على حكام إسرائيل، ونقل إدارته من موقع "الحياد" الشكلي، في الصراع ، الى خندق الانحياز السافر للدولة العبرية أو " اليهودية"، كما يريدها أن تكون.

مضمون الخطاب ألقى بظلال قاتمة على أجواء اللقاءات التي عقدها بوش مع الرئيس محمود عباس وكذلك مع القيادتين المصرية والسعودية في منتدى شرم الشيخ.

عقد عباس على هامش المنتدى الاقتصادي، ثلاثة اجتماعات مع بوش في منتجع شرم الشيخ ،  حيث جدد الاخير تعهده بـ" العمل على تحقيق حل الدولة الفلسطينية، وأكد تفاؤله بفرص التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل انتهاء ولايته في كانون الثاني المقبل.

وخاطب بوش عباس: «أتعهد مجدداً أمامَكم بأن تساعد حكومتي في تحقيق الحلم الذي يراودك، وهذا الحلم هو حلم الإسرائيليين أيضاً بقيام دولتين تعيشان بسلام جنباً إلى جنب. إنني أفعل هذا لسببين: الأول لأن قلبي ينفطر لرؤية قدرات الفلسطينيين الواسعة تتبدد. والثاني لأنها الطريقة الوحيدة للحصول على سلام دائم».

لم تبدد هذه العبارات الغضب والقلق والانطباعات السلبية التي انتابت القيادة الفلسطينية وغيرها من القيادات العربية عقب خطابه التوراتي امام الكنيست الإسرائيلي.

وقال الرئيس عباس: "خطاب بوش أمام الكنيست أغضبنا ولم يرضنا وهذا هو موقفنا بمنتهى الصراحة، ولنا على الخطاب ملاحظات كثيرة"، منوها الى أنه أبلغ الرئيس الأميركي في اجتماعهما، بهذا الموقف، وأضاف: "طلبنا منه أن يكون الموقف الأميركي متوازناً".

بدا عباس متشائماً من الدور الأميركي المنحاز ومن إمكانيات الوصول الى نتيجة حتى نهاية العام وقال:" لا نريد من الأميركيين أن يتفاوضوا بالنيابة عنا، وانما الوقوف مع الشرعية بحد أدنى من الحيادية. وبالنسبة للإسرائيليين نحن نتفاوض معهم، ولكننا لا نريد أن نبيع أوهاما، ونقول إنه قد تم حل الأمور أو انها ستنتهي قريبا".

نفى الرئيس عباس التوصل الى تفاهمات مع الجانب الإسرائيلي. "لا يوجد أي تفاهمات مع الجانب الإسرائيلي، وإنما تبادل آراء، وهناك فرق بين الأمرين ..الملفات المطروحة في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي ما زالت مفتوحة".

 وأعلن عباس رفض تأجيل اية قضية على حساب قضية أخرى. وقال :" موضوع القدس مطروح على مائدة المفاوضات. لان القدس الشرقية هي عاصمة لدولة فلسطين المستقبلية ..لا تستطيع أميركا ولا غيرها أن تعطي ضوءا أخضر بالتخلي عنها، ولا أحد يستطيع أن يتنازل لأحد بالنيابة عن أحد، تلك مسألة مرفوضة تماما".

 ما قاله بوش في اطار "احتفاله" بالذكرى الستين لقيام إسرائيل ومن على منصة برلمانها، لم يتجاهل فقط النكبة والمأساة التي حلت بشعب فلسطين كنتيجة مباشرة لقيام هذه الدولة، بل اظهر طبيعة رؤيته بما يتعلق بالدولة الفلسطينية التي بشر، وترك مسألة الوصول اليها رهنا للمجهول.

دوف فايسغلاس مستشار شارون عقب على خطاب بوش في الكنيست بالقول:" من المشكوك فيه ان يكون بوسع زعيم إسرائيلي أن يحسن التعبير اكثر منه. بوش وصف بتعابير شديدة القوة التزام الولايات المتحدة والشعب الأميركي بإسرائيل وفعل هذا بوافر الحميمية والصداقة والدعم..".

وأضاف فايسغلاس في مقال له في صحيفة يديعوت: مع أن الرئيس بوش هو الآن في نهاية ولايته، لكن ينبغي عدم الاستخفاف بمعاني أقواله. في الثقافة السياسية الأميركية خطاب بوش هام ولا يلقى في سلة القمامة، بل يحفظ في إجمالي الارث السياسي الداخلي والخارجي ويبقى للأجيال".

القيادي الفتحاوي المقدسي ومستشار رئيس الوزراء لشؤون القدس، حاتم عبدالقادر وصف خطاب بوش بانه وعد بلفور آخر لإسرائيل." بعد خطاب بوش أصبح واضحا ان الطريق الاميركي تجاه التسوية اصبح مسدوداً.

واعتبر عبدالقادر خطاب بوش نقطة مفصلية للتوقف عن المراهنة على السياسة الاميركية. وقال" على  الفلسطينيين في وقت مبكر البحث عن خيارات اخرى غير خيار الدولة الفلسطينية،  لأن الدولة بالمفهوم الاميركي الإسرائيلي يراد منها تحقيق الأهداف الامنية لإسرائيل وليس التطلعات السياسية للشعب الفلسطيني".

بوش كال المديح لدولة إسرائيل باعتبارها واحة الديمقراطية في المنطقة، وتحدث عن حق الشعب اليهودي في "أرض الميعاد"، وعن الإسرائيليين كورثة ابراهيم وموسى. واشاد بالمعجزة التي حققتها في مختلف الحقول والمجالات العلمية. ووضع 300 مليون اميركي جنودا تحت تصرفها في الحرب على الشر والارهاب..

رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات انتقد خطاب بوش، واعتبره "مخيّبا للآمال" وقال: "نعتقد أنه أضاع فرصة وكان يفترض أن يقول إنّ هناك مأساة ونكبة وكارثة لشعب فلسطين الذي لا يبعد أمتاراً عن هذا المكان".

وأكد أنه "لا يمكن الحديث عن الأمن والاستقرار في المنطقة بدون إنهاء الاحتلال ونكبة الشعب الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية".

اما اسماعيل هنية رئيس "حكومة غزة" فقد هاجم بشدة خطاب بوش ، واعتبره "يعكس عداء للشعوب العربية، وتجاهلاً مقصودً لمعاناة الشعب الفلسطيني والكوارث التي يعانيها بفعل السياسة الأميركية المنحازة للاحتلال".

حيدر عوض الله رئيس تحرير مجلة "الطريق" رأى ان الخطاب "لم يحمل جديدا على صعيد السياسة الأميركية سوى أنه كان المظهر الأكثر وضوحا ورعونة وفجاجة في الدعم المطلق لإسرائيل، التي تعتبر ذخراً استراتيجياً ومخلباً متقدماً للولايات المتحدة في المنطقة".

وقال " الخطاب يعبر عن حال بوش وهلوساته الأيديولوجية ، وهو استمرار للتسطيح في تقسيم العالم الى معسكرين أخياراً وأشراراً. بوش يرى في إسرائيل، طفولة الولايات المتحدة عندما اقامت امبراطوريتها على جثث واشلاء الهنود الحمر".

ورغم ان الخطاب لم يكن مفاجئا ، لكنه ترك إحساساً بالإحباط لدى القيادة الفلسطينية ومن خلفها قيادات عربية اخرى، تتعامل مع رؤية بوش بخصوص الدولة المستقلة والتسوية، كمرجعية لها في المفاوضات الجارية مع إسرائيل، التي يفترض بها ان تصل الى نتيجة قبل مغادرته البيت الابيض.

لكن جميل مجدلاوي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية  رأى أن بوش "لم يضف شيئا جوهريا في التصور الأميركي للدولة الفلسطينية في إطار خريطة الطريق والتحفظات الإسرائيلية التي نقلها اليه شارون. هذه التحفظات التي تقول لا للعودة لحدود 5 حزيران وحق العودة والانسحاب من القدس وازالة المستوطنات الكبرى.

وقال: ما أضافه بوش في خطابه هو الحميمية المبالغ فيها والنصوص التوراتية التي استشهد بها.وأكد ان المفاوضات لن تتمخض عن اية استجابة للحد الادنى من حقوقنا أو اهدافنا في أكثر صيغها تواضعاً. واي حديث عن الانتظار حتى نهاية العام يمكن ان تقدمه ، مخادعة ضارة للجماهير،  تدفعهم الى مواقع الانتظار السلبي، في الوقت الذي يفرض فيه العدو وقائعه التوسعية على الارض.  واعتبر عوض الله ان الفلسطينيين ورغم عوامل الضعف التي تعتريهم يمتلكون ورقة ان يقولوا :لا . ولا يوجد اية قيادة فلسطينية تقبل باقل من دولة ذات سيادة وقابلة للحياة بما فيها القدس.

وقال على الفلسطينيين ان يناوروا بحكمة وذكاء في الصراع مع الإسرائيليين.. واضاف: "مفاوضات دون عناصر قوة واقصد المقاومة الشعبية هي مضيعة للوقت في وقت يوغل فيه الطرف الآخر في فرض وقائع على الارض".

بخطابه التوراتي أمام الكنيست الإسرائيلي : بوش ينزع ورقة الأخيرة عن “حيادية”
 
22-May-2008
 
العدد 27