العدد 27 - دولي
 

صلاح حزين

كثير من المراقبين كانوا يتوقعون نمو مشاعر الكراهية للعمال الأجانب، أو ما يعرف برهاب الأجانب، الذين ملأوا مناطق بأكملها في جنوب إفريقيا، لكن أحدا لم يكن يتخيل أن تتحول هذه المشاعر إلى هجمات انتقامية على هؤلاء العمال القادمين من بلدان مجاورة؛ موزمبيق، مالاوي وزيمبابوي في صورة رئيسية.

فعلى مدى أيام رهيبة في الأسبوع الماضي، هاجم مواطنون غاضبون من جنوب إفريقيا عمالا أجانب في ضواحي جوهانسبيرغ الفقيرة، حيث يعيش هؤلاء في ظروف حياة بائسة، وبدأوا حملة من القتل والضرب والسلب والنهب والتخريب، ما أسفر عن مقتل 24 شخصا وجرح مئات وهرب نحو عشرة آلاف شخص منهم، توجهوا إلى مراكز الشرطة والكنائس ومقرات الجمعيات الخيرية طلباً للنجاة من موجة العنف الجنونية التي اجتاحت مناطق محددة قريبة من العاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث تعيش الغالبية العظمى من العمال الوافدين.

رئيس جنوب إفريقيا ثابو مبيكي بدا أنه قوجيء بحجم العنف المستشري في البلاد، فألقى خطابا أكد فيه على إنسانية العمال الوافدين، وعلى أن بلدا في العالم لم يعد ممكنا له أن يكون جزيرة منعزلة عما حوله. ووعد بتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث، فيما عزت سلطات الأمن ارتكاب العنف إلى مجموعات من المجرمين والقتلة، وأنحت على هؤلاء باللائمة بما حدث. لكن بعض منظمات حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا حملت ثابو مبيكي نفسه المسؤولية ،لأنه لم يتنبه لحجم مشاعر الكراهية للعمال الأجانب بين مواطنيه، فلم يتخذ أي إجراءات استباقية لمنعها.

حديث مبيكي عن الجزر المنعزلة، لم يكن عفوياً، بل يحمل إشارة مهمة إلى أوضاع بلاده التي لم تحسم أمرها بما يتعلق بحدودها شبه المفتوحة أمام موجات من القادمين من البلدان المجاورة للعمل في جنوب إفريقيا، التي شهدت ازدهارا اقتصاديا ملحوظا خلال السنوات السابقة، فيما تراوح اقتصادات البلدان المجاورة مكانها، وبعضها يتراجع في صورة مريعة مقارنة مع جارتهم القوية الغنية.

وتشير أرقام رسمية دولية إلى ارتفاع ملحوظ في مؤشرات الاقتصاد الكلي في جنوب إفريقيا الذي يشهد استقرارا في منطقة مضطربة، فهي على مدى سنوات ماضية حققت نموا نسبته 5 في المئة، وهو رقم كبير، وخاصة إذا لم يرافقه تضخم متصاعد، كما هو الحال في جنوب إفريقيا التي حقق فيها التضخم انخفاضا، فيما ارتفعت مستويات الاستثمار الأجنبي في البلاد.

غير أن ما تحقق على مستوى الاقتصاد الكلي لم يكن كذلك على مستوى الاقتصاد القطاعي أو الجزئي، والنمو الكبير في الاقتصاد الجنوب إفريقي لم ينعكس على حياة الطبقات الفقيرة والمهمشة في البلاد، والتي تعاني الفقر والعجز، مثلما تعاني من انتشار مرض الإيدز الذي يعد مشكلة كبرى تواجه الحكومات المتعاقبة في البلاد.

وساهم الفساد المستشري في بعض أوساط رجال الأمن في تفاقم الوضع، فقد أوكلت إلى هؤلاء مهمة تهدئة الأجواء والحفاظ على الأمن في البلاد، فيما رأى مبيكي أن استدعاء الجيش للتدخل لم يكن ضرورياً، وأن رجال الأمن قادرون على ضبط الأمور وإعادتها إلى نصابها، في حين كانت أوساط أخرى في البلاد، فضلاً عن ممثلي منظمات حقوق الإنسان هناك تدعو إلى تدخل الجيش لإخماد موجة العنف التي لم تشهد البلاد مثيلا لها منذ أيام الحكم العنصري الذي انتهى قبل ما يقارب العقدين.

كان من الطبيعي إذن، أن تتجه أنظار مواطني الدول المجاورة، التي تعاني من أوضاع اقتصادية بائسة، إلى جنوب إفريقيا التي يحكمها اليوم المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي كان فيما مضى مطارداً من جانب نظام الحكم العنصري في جنوب السابق، حيث كان يجد له ملاذا في البلدان المجاورة، ما كان يعرضها لهجمات انتقامية من النظام العنصري آنذاك.

كل هذا جعل من الصعب على سلطات جنوب إفريقيا اليوم، أن تتبع سياسات العزل التي كانت تتبعها سلطات النظام العنصري السابق، والتي كانت تحيط حدودها مع الدول الإفريقية الشمالية بالأسلاك المكهربة، وتتخذ موقفا متشددا من دخول أي مواطن لدولة أجنبية للبلد الأغنى في إفريقيا.

ومن الواضح أن عدم حسم سلطات جنوب إفريقيا لمسألة السيادة الحدودية قد ساهم في تدفق ملايين العمال من الدول المجاورة، إذ يقدر عدد هؤلاء اليوم بما يزيد على خمسة ملايين عامل وافد، وهو رقم كبير بكل المقاييس، لكنه لا يمثل معضلة غير قابلة للحل، لكن الحل في حالة جنوب إفريقيا، بوضعها الذي شرحناه سابقا ليس بالأمر اليسير. في كل الأحول فإن الأحداث الأخيرة قد تسرع في اتخاذ هذا الحل. ولكن يبقى أن تتخذ السلطات هناك القرار المناسب في هذا الشأن؛ إما نموذج الدول الأوروبية التي تواجه مشكلة مماثلة تحلها من خلال ترسانة قوانين تخفف من الهجرة غير الشرعية وتضبط الشرعية، أو نموذج جديد تضعه هي لنفسها آخذة في الاعتبار جميع الحقائق التاريخية والجغرافية المناسبة. هذه الحقائق مجتمعة ساهمت في تنامي مشاعر العداء للأجانب في البلاد، وهو ما ترجم الى أعمال عنف دموية من قتل ونهب واغتصاب، طاول في بعض الأحيان بعض مواطني جنوب إفريقيا الذين اتهمهم المهاجمون بأنهم يسهلون للعمال الأجانب الحصول على فرص عمل هم محرومون منها.

رهاب الأجانب في جنوب إفريقيا “يثمر” مجازر
 
22-May-2008
 
العدد 27