العدد 27 - كتاب
 

منذ سنة 2003، ومعظم وحدات الجهاز المصرفي الأردني تتجه نحو التوسع المتزايد في منح وصرف التسهيلات (القروض) المصرفية، التي تقدمها إلى شريحة أكثر شمولاً من المقترضين، أفراداً وشركات. وخلال السنوات الخمس الأخيرة، ارتفعت القروض المصرفية بقفزات واسعة من 5.3 بليون دينار إلى 11.2 بليوناً في نهاية سنة 2007، ثم إلى 11.8 بليون دينار في نهاية الربع الأول من العام، ولتتضخم قيمتها بأكثر من الضعف (بنسبة 112بالمئة)، أي بنسبة نمو تقارب 24 بالمئة سنوياً في المتوسط، وهي بالتأكيد أرقام ونسب عالية، وتتجاوز كثيراً نسب النمو السنوية في الناتج المحلي الإجمالي.

وبغض النظر عما إذا كانت رغبة غالبية وحدات الجهاز المصرفي في تحقيق معدلات ربحية قياسية عالية، و/أو تسهيل امتدادها وانتشارها من وراء توسعها في منح القروض الجديدة بالدينار، أو زيادة القروض القديمة لتصل نسبتها العامة إلى إجمالي الودائع لديها بالدينار إلى 96 بالمئة، فإن إفراطها هذا يحمل في طياته مخاطر ائتمانية أكبر من الممكن أن تصل إلى مستوى المشكلة الشبيهة بأزمة القروض العقارية الأميركية أو أكثر. إلى ذك، فإن مبالغة البنوك الأردنية في منح القروض المصرفية، وبالمستويات العالية المشار إليها، تتضمن أيضاً مخاطر لا يجوز التقليل من شأنها في مسار وتطور الاقتصاد الأردني، كما تتضمن تداعيات اجتماعية متعددة شديدة الصعوبة.

إن التوسع في إصدار النقد وتداوله، وفي منح القروض التي سرعان ما تتحول إلى نقود مصرفية، من شأنه رفع قيم ومعدلات عرض النقد (السيولة) في الاقتصاد، والمساهمة في تكثيف مستويات الطلب العام على سلع وخدمات إنتاجها، علما بأن عرضها لا يكفي لمواجهته، والنتيجة نشوء ضغوط تضخمية في الاقتصاد تؤدي إلى ارتفاعات سعرية وبنسبة عالية تتجاوز معدلات النمو المتحققة، ومعدلات الدخول وزياداتها، ومن ثم انطلاق أزمات الفقر والبطالة والاختلالات البنيوية في الاقتصاد والمجتمع.

ليس مفاجئاً حدوث ما سبق، مع تحقق زيادات سنوية في عرض النقد راوحت بين 11 بالمئة و 17 بالمئة خلال السنوات الخمس الماضية، ويبدو أن السياسة النقدية للبنك المركزي لم تنجح من خلال استخدام أدواتها النقدية غير المباشرة، والتوسع في إصدار شهادات الإيداع بالدينار، ورغم كلفتها المرتفعة، في الحد من السيولة العالية وتداعياتها، أو تهدئتها.

ليس توسع البنوك المتسارع في منح القروض بالكم، هو فقط ما كان وما يزال عاملاً في انطلاق شبح التضخم، بل هنالك أيضا نوعية القروض والجهات التي منحت لها، وتركزها في تمويل بعض فروع النشاط الاقتصادي الخدمي، وكذلك مشتريات الجهات الاستهلاكية. وكما تظهر توجهاتها وتفصيلاتها في الصفحة 26 من النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي سنة 2008 (جدول توزيع التسهيلات الائتمانية)، فإنها كانت سبباً إضافيا في تصاعد موجة التضخم «الغلاء أو الرقم لقياسي لأسعار الاستهلاك».

ولسبب أو لآخر، مقنع أو بعيد عن الإقناع، كان تدخل البنك المركزي في التأثير المباشر على القرارات الائتمانية للبنوك وتوزيعها في أضيق الحدود، إذ اقتصرت تقريباً، على عدم تخطي قروضها العقارية لسقف 20 بالمئة من ودائعها بالدينار، وهي نسبة تبقى عالية، قياساً بالمعدلات المتحققة، لما منح ويمنح للصناعة والزراعة وفروعها المنتجة.

كان تمسك البنك المركزي، وما يزال، بربط أو تثبيت سعر صرف الدينار بالدولار المتدهور في قيمته مقابل اليورو والعملات الأخرى بنسبة قاربت 50 بالمئة، سبباً رئيساً في استفحال ظاهرة الغلاء، ليس فقط بالنسبة للسلع والخدمات المستوردة من غير السوق الأميركي ومن يرتبط به، بل أيضاً بالنسبة لمدخلات الإنتاج المستوردة للصناعة والزراعة والبناء أيضاً.

ويبقى من الأهمية بمكان إجراء تغييرات جوهرية في القرارات والسياسات النقدية والمصرفية، للخروج من عنق زجاجة أزمة التضخم وتداعياتها، بدلاً من تبنيها والتغني بمآثرها، بالمشاركة مع الصندوق وغير الصندوق من مؤسسات الرأسمالية المالية المعولمة التي لا يهمها إلا مصالحها الذاتية وتطلعاتها إلى الهيمنة والسيطرة.

أحمد النمري:القروض المصرفية تزيد نسب التضخم
 
22-May-2008
 
العدد 27