العدد 27 - حريات | ||||||||||||||
سامر خير أحمد شاع مصطلح «ثقافة العيب» في خطابنا السياسي والاجتماعي، منذ استعمله رئيس وزراء سابق في منتصف تسعينيات القرن العشرين، منتقداً عزوف الشباب الأردنيين عن العمل في مهن يدوية، بسبب نظرة المجتمع الدونية لها، تاركين إياها للعمالة الوافدة، ما يؤدي إلى البطالة في صفوف العمالة الأردنية، رغم توافر فرص عمل في تلك المهن. مع مرور السنوات، تبدّل الحال، إلى حد ما، وأقبل الأردنيون على تلك المهن، في ظل توالي تراجع الأحوال الاقتصادية. رغم ذلك، فإن الحديث عن «ثقافة العيب» ما يزال مستمراً، فهل من الصحيح أن العزوف عن المهن اليدوية مردّه وجود «ثقافة العيب» فعلاً؟ أم أن ذلك المصطلح قد استُحدث –في الحقيقة- من أجل إقناع الأردنيين بارتياد المهن الدنيا، لأن المهن العليا ليست متاحة للجميع؟! في مشهد كوميدي، كان الممثل الأردني المعروف، موسى حجازين، يتعرض بالنقد لمقولة «ثقافة العيب»، وما يتهم به الأردنيون من عزوف عن المهن اليدوية في بلدهم، وعدم ممانعتهم العمل فيها في الخارج، إذ قارن حجازين في مشهده بين الأجر الكبير الذي يحصل عليه العامل في تلك المهن في الخارج، والأجر القليل الذي يحصل عليه نظيره في بلدنا، ليقول ما مؤداه أن سبب العزوف عن تلك المهن هو تدني أجورها، وليس الشعور بالعيب تجاهها، إذ يصل أجر بعض تلك المهن عندنا، مثل العمل في محطة محروقات، أو مصنع في إحدى المدن الصناعية الكبرى، إلى نحو مئة دينار فقط، وهذا مبلغ ضئيل لا يفي بحاجات المعيشة. يقول إبراهيم الشيخ صالح (32 عاماً)، وهو موظف براتب يقل عن 150 ديناراً، إن الأجر الذي يحصل عليه العامل في الدول المتقدمة، يحدد وفق صعوبة العمل، لا وفق نظرة المجتمع إلى المهنة، لذلك فإن الأجور هناك مرتفعة، ما يدفع الناس للعمل بها. أما عندنا، فالأجور متدنية للمهن الصعبة، وعالية للمهن المريحة. لذلك، فهو، على سبيل المثال، مستعد للعمل في أي مهنة إذا كان أجرها 400 دينار مثلاً. ويؤكد صالح أن ثقافة العيب تلك غير موجودة، بدليل أن شباناً أردنيين يعملون دون خجل في مهن هي، برأيه، العيب نفسه، مثل البارات والنوادي الليلية، والسبب هو ارتفاع الدخول التي يحصلون عليها، فالأمر، إذاً، لا يرجع للقيم والثقافة، بل لمقدار الأجر. من ناحيته، يستغرب سليمان عبد الحافظ (37 عاماً) الذي عمل سابقاً «كاشير» في أحد المولات، كيف يمكن أن يكون في المجتمع ثقافة عيب، ما دام الشباب لا يمانعون في العمل بمهن يقوم الأجر فيها على «البقشيش»، بمن فيهم أبناء عشائر معروفة، مثل مهن صف السيارات في مواقف الفنادق والمطاعم الفارهة، أو صب القهوة في «لوبيات» فنادق الخمس نجوم، أو حتى العمل في محلات «الكوافير» النسائية والحصول على «البقشيش» من الفتيات والسيدات؟ ويقول إن الشباب يحكمون على المهنة من زاوية واحدة، هي مقدار ما توفره من أجر. أما ياسر أبو عطية (29 عاماً)، وهو سائق تكسي، فيؤكد وجود «ثقافة العيب»، ويضرب على ذلك مثلاً بأن أباه منعه قبل سنوات من العمل في مهنة «مندوب مبيعات» لأن المجتمع كان ينظر لها بدونية، حيث قال له: «إعمل ما تشاء ولكن لا تفضحني». لكنه يتساءل عما إذا كان المسؤولون الكبار يرضون لأولادهم أن يعملوا في تلك المهن التي ينظر المجتمع لها باعتبارها معيبة، ويقول إنهم يريدون تشجيع عامة الناس على العمل بها مقابل ترك المناصب والمهن المريحة وذات الدخول العالية لأولادهم، حتى صارت المناصب الحكومية تورث وكأنها جزء من ممتلكات المسؤول! زكريا صندوقة (35 عاماً)، وهو موظف حكومي، يوافقه على ذلك، ويطالب المسؤولين، من باب إثبات جديتهم في مكافحة «ثقافة العيب»، بأن يوظفوا أولادهم عمالاً في المصانع، أو في ورشات البناء، أو حتى عمالاً للنظافة، ويتساءل ساخراً: كيف يمكن أن يكون جميع أبناء المسؤولين أذكياء ومبرزين، بحيث يحصلون على بعثات دراسية في أميركا على حساب الخزينة لينالوا خلالها شهادات عليا، ثم يعودون لتولي المناصب بدعوى أنهم من خريجي الولايات المتحدة، وكأن حصولهم على شهادات ارتبط بتفوقهم، لا بالواسطة والمحسوبية. بل إن أبناء المسؤولين هؤلاء يتعاملون حينها مع الموظفين الآخرين من عامة الشعب على أنهم جهلة ومحدودو المعرفة، كونهم لم يطّلعوا على ثقافات الشعوب المتحضرة، مثلما اطلعوا هم، وبالتالي لا يحق لهم المطالبة بتولي وظائف عليا! ثمة اتجاه، إذاً، بين هؤلاء الشباب، للربط بين مقولة «ثقافة العيب»، وضعف «تكافؤ الفرص» بين المواطنين، وكأنهم يعتبرون أن تلك المقولة ابتدعها المسؤولون، بغرض دفع عامة الناس لقبول مهن لا يرضاها هؤلاء المسؤولون أنفسهم، لأبنائهم. هل هي، إذاً، ثقافة "التمييز في الفرص" التي تنتهك العدالة وحقوق المواطنة، وليست «ثقافة العيب»؟! أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة، المتخصص في قيم العمل، حسين محادين، يُعقّب على ذلك بتأكيده أن المجتمع الأردني ليس فيه «ثقافة عيب»، مستشهداً بالمقولة الشعبية الشهيرة «ما في عيب إلا العيب». ويرى أن مصطلح «ثقافة العيب» مصدره رغبة بعض أنشطة ومؤسسات القطاع الخاص في تبرير تدني الأجور وطول ساعات العمل فيها وضعف الامتيازات التي تقدمها والتهرب من تحسين ظروف العمل، وهو ما يؤدي إلى إبقاء الوضع على صورة سجال لغوي وفكري، من دون أن يثمر نتائج تجاه واقع البطالة، بدليل أن مؤتمرات البطالة التي عقدت في الفترة الأخيرة لم تكن تستضيف أصحاب العلاقة، وهم المتعطلون عن العمل، لمناقشتهم والاستماع لوجهة نظرهم. ويؤكد محادين، الذي يعتقد أن هذا المصطلح تسرّب للخطاب الرسمي بفعل سطوة الإعلام، أن جوهر مشكلة العزوف عن بعض المهن، يكمن في تدني أجورها، إلا أن هنالك أيضاً عوامل متعددة أخرى تفسر تلك المشكلة، مثل الواسطة، وغياب العدالة، وسوء توزيع المكتسبات الوطنية. لإبداء الرأي حول هذا الموضوع: www.al-sijill.com |
|
|||||||||||||