العدد 27 - حريات
 

السّجل - خاص

ظاهرة ملفتة تشهدها الحياة السياسية والعامة في بلدنا، مفادها أن الاختلاف في وجهات النظر تجاه قضية ما، يتجاوز الرد على الرأي بالرأي، إذ يصل أحياناً إلى اتهام الآخر، صاحب الرأي المختلف، في نواياه، وفي مدى إخلاصه وولائه لوطنه، وصولاً إلى الطعن بجنسيته الأردنية.

هذه الظاهرة، طفت على السطح في الأسابيع الأخيرة، مع تعدد وجهات النظر تجاه إعلان الحكومة نيتها بيع أراضٍ حكومية في غرب عمان (دابوق، المدينة الطبية،..إلخ)، إذ انقلب النقاش أحياناً من حوار حول جدوى البيع من عدمه، إلى اتهامات وجهها عادة الطرف الرافض للبيع إلى الطرف المؤيد، تتصل بالإخلاص الوطني، والانتماء، وحب الوطن!

يقول المحامي عاصم ربابعة، مدير مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان، إن المشكلة في هذا التجاوز على موضوع النقاش الأصلي، إلى النوايا، تكمن في غياب ثقافة التسامح في المجتمع، ثم غياب المناخ الديمقراطي واستمرار حالة الأحكام العرفية في النفوس بشكل أو بآخر. ويقول إن حالة الصراع المستمرة بين العرب والاحتلال الإسرائيلي، وبينهم وبين السياسات الغربية الداعمة للاحتلال، تركت أثراً كبيراً على كل اختلاف سياسي يقع بيننا، إذ كثيراً ما يتجه أحد طرفي الاختلاف إلى اتهام الآخر بتعاطيه مع "العدو" أو تمرير مخططاته ورغباته، وعند هذا الحد –يقول ربابعة- يتحول أي نقاش إلى عملية اتهامات للنوايا، واشتباه بوجود علاقات خارجية يرتبط بها "الآخر" المختلف، أما موضوع الخلاف نفسه فيتوارى خلف هذه الشكوك.

"ثقافة التخوين" هذه، شهدت نموذجاً جديداً، حين ثارت النائب ناريمان الروسان ضد ما كتبه الصحفي عمر كلاب في أحد المواقع الإلكترونية، مدافعاً عن رئيس الديوان الملكي، باسم عوض الله، في موضوع الاتهامات التي أطلقتها الروسان ضده خلال الاجتماع بين رئيس الوزراء والنواب، الأسبوع قبل الماضي، بالوقوف وراء قضية بيوعات الأراضي الحكومية. وقد أثار هذا الموضوع حوارات كثيرة ولفت الانتباه له فيما اعتبره البعض انزلاقاً للهويات الفرعية.

فالنائب الروسان، لم تناقش ما كتبه كلاب، بل أعلنت نيتها تقديم مذكرة لوزير الداخلية، تسأله فيها عن كيفية حصول كلاب على الجنسية الأردنية، قبل ثلاث سنوات، وهو من أبناء غزة، معتبرة أن هناك من أبناء غزة من هم أحق منه بالجنسية، مثل سيدات غزّيات يعشن ظروفاً صعبة، قصدن مكتبها غير مرة، وهنّ بأمس الحاجة للحصول على الجنسية، على حد قولها، وهو ما يُفهم منه التشكيك بنوايا الصحفي كلاب، وانتمائه الوطني، حتى أن موقف النائب الروسان اعتُبر بمثابة الاستقواء وسوء استعمال المنصب وارهاب فكري ضد حرية المواطن في كتابة ما يريد فضلاً عن كونها قمعاً لحرياته كصحفي.

موسى المعايطة، مدير مركز البديل للدراسات، وأمين عام حزب اليسار الديمقراطي (المُنحلّ)، يدعو لمحاكمة النهج السياسي في القضايا المختلف عليها، وليس محاكمة شخوص المختلفين، ويقول إن ظاهرة التخوين هذه، انتشرت سابقاً في ظل الأنظمة الدكتاتورية والشمولية، مثل نظام ستالين في الاتحاد السوفييتي، فكانت وسيلة للتخلص من المعارضين، عبر اتهامهم بالخيانة الوطنية.

ويضيف المعايطة، أن هذا السلوك ليس حكراً على الأنظمة الدكتاتورية، بل يمتد أيضاً للمجتمعات غير المعتادة على الديمقراطية، وقد عرف مجتمعنا هذا الأمر في فترة الأحكام العرفية قبل العام 1989، وها هو يعود الآن، بسبــب تراجع الآمال الديمقراطية، لا بل إن قيادات الأحزاب السياسية المعارضة نفسها كانت تمارس هذا السلوك، حين يظهر من داخلها صوت يعارضها أو يختلف معها، إذ تسارع لفصله من الحزب واتهامـــه بالتواطؤ والخيانة. ويقـــول المعايطة إن مرد "ثقافة التخوين" في الخلاف السياسي، هو استسهـــال اللـــجوء إلى الاتهامات، حين لا يمتلك أحد طرفي الخلاف أو كلاهمــا حجة متماسكة يدافع بها عن رأيه، وهذا ما يدل على أن معظم الخــــلافات لا تصدر عن قناعات حقيقية، وإنما عــــن مواقــف مسبقة، وشخصية، ومحاولات للإســــاءة إلى الآخر المختلف، أو سعي لحشد التأييد عبر استثارة عواطف الناس.

ويؤكد المعايطة أنه ضد نهج بيع أملاك الدولة، لكنه رغم ذلك لا ينعت الطرف المؤيد للبيع بالخيانة، بل ينتقد موقفه، ويقول إن اتجاه البعض لاتهام الآخرين في نواياهم، بما في ذلك موقف النائب الروسان تجاه ما كتبه الصحفي كلاب، وهو ممن يختلفون معه، سببه غياب قيم المواطنة الحقيقية، التي تضمن لكل مواطن أن يقول ما يشاء، ويتخذ الموقف السياسي الذي يريد، من دون أن يلاقي تهديداً في مواطنته، وفي حقوقه التي اكتسبها في ضوء تلك المواطنة.

ثقافة التخوين: استسهال الاتهام والطعن بالجنسية
 
22-May-2008
 
العدد 27