العدد 4 - ثقافي | ||||||||||||||
يتصدر الصراع بين ثنائيات: الحاكم والمحكوم، القوى المتنفذة والشرائح الاجتماعية المغلوب على أمرها، والسلطة والشعب بمفهومهما العام أغلب موضوعات العروض المسرحية المشاركة في مهرجان المسرح الأردني الرابع العشر في دورته العربية السادسة (-14 26/ 11/ 2007)، فمن مجموع اثني عشر عرضاً، ثمة سبعة عروض طرحت مقاربات درامية متباينة لصراعات وتصادمات بين شخصيات مثقفة أو مقاومة من جهة، وأنماط عديدة من رموز السلطة من خلال تمثل وقائع وأحداث معاصرة وحكايات تراثية (متخيلة أو حقيقية)، من جهة أخرى، الأمر الذي يشير إلى انشغال شريحة كبيرة من المسرحيين العرب بهذا الصراع الأزلي بسبب هيمنته على الواقع السياسي والاجتماعي في العالم العربي. في سياق تمثّل أحداث معاصرة، يقدم عرض «البقشة» الإماراتي، تأليف إسماعيل عبد الله، وإخراج أحمد الأنصاري، خمسة أشخاص يجتمعون في مقهى حول «صرة» ملابس، وجدوها مرمية أمام الباب اعتقاداً منهم بوجود قنبلة في داخلها، وبعد مشاهد من التوتر والخوف والترقب التي يمتزج فيها الجد بالسخرية (الكوميديا السوداء)، يكتشف أحدهم أن «الصرة» ليس فيها إلاّ مجموعة بشوت (عباءات رجالية عربية) مختلفة الألوان، تشكل رمزاً للسلطة والنفوذ في المجتمع الإماراتي والخليجي بشكل عام، لأنه لا يرتديها سوى الرجال الحيتان أو «الكبارية». ومن خلال تلك البشوت التي تصنف إلى درجات «طبقية»، يشير العرض إلى صراع عميق في المجتمع بين الرئيس والمرؤوس في دوائر النفوذ التي تتبادل المواقع. ويروي العرض الجزائري «النهر المحول» المأخوذ عن رواية لرشيد ميموني، وإخراج حميدة آيت الحاج، قصة مقاوم جزائري كبير اسمه «محند العربي»، يصاب في معركة مع الاحتلال الفرنسي فيفقد وعيه، وبعد سنوات طويلة يستعيد وعيه ويقرر العودة إلى بلدته حيث يعيش أهله ليجد عالماً مختلفاً لا يعرف تفاصيله، وتقوده خطواته إلى ثلاثة أنصاب من الرخام نقشت عليها أسماء شهداء المقاومة، فيطلب من شخص يقابله صدفةً أن يقرأ له الأسماء المنقوشة، فيفاجأ بأن اسمه مدرج معها. من هنا تبدأ رحلة صراعه ومعاناته، وهو يحاول إقناع الجميع بأنه محند العربي، ويسعى إلى استرجاع هويتّه ولقاء أهله، لكن كل سلطات البلدة تهدده و تنصحه بالرجوع من حيث جاء، أي العودة إلى عالم النسيان لكي لا يؤثر في امتيازاتها ومصالحها التي حصلت عليها من جراء استشهاده. وهكذا يتأجج الصراع بينه وبين تلك السلطات من بداية العرض حتى نهايته. ويتناول العرض السوداني «الصدى والآخر»، تأليف دفع الله حامد وإخراج حاتم محمد علي، غواية السلطة ونرجسية الملك المتسلط، والصراع بين الخير والشر، وبين السلطة والفن من خلال توأم ملتصق: احدهما ملك طاغية محب لذاته بشكل نرجسي يرمز إلى الشر، والآخر فنان تشكيلي محب للشعب والفن والحياة يرمز إلى الخير. ويشعر الملك بعبء الفنان التشكيلي لأنه ينازعه على حب الفتاة حنان الجالك، فيلجأ الى عراف ليساعده في التخلص منه، ويثور الصراع بين سلطة القوة وسلطة الجمال التي تنتصر في النهاية. ويطرح العرض من خلال ذلك الصراع مجموعة أسئلة حول علاقة السلطة بالفن. وتتجاور في العرض السعودي «الرقص مع الطيور»، تأليف وإخراج شادي عاشور، مجموعة من المشاهد التي تجسد بالحركات والأداء الأكروباتي والرقص، مع قليل من الحوارات، سلوك بعض الحكام المستبدين، وتسلطهم على رقاب شعوبهم عبر لعبة مسرحية تفترض فضاء العرض مستشفى للأمراض النفسية تعاني فيه الشخصيات من انفصام الشخصية «الشيزوفرينيا»، وبخاصة الشخصية الرئيسية التي مثلها أسامة خالد، فهي شخصية ازدواجية تمثل إحداهما السلطة المستبدة، وتعيش الثانية حالاً من الاضطراب الوجداني. ورغم غموض العرض، فإن بعض مشاهده تحاكي، على نحو سافر، حكاماً عرباً معاصرين، بصيغة ساخرة أحياناً، ومتجهمة أحياناً أخرى. وفي سياق تمثّل حكايات وشخصيات تراثية، يدور العرض التونسي «ومن العشق ما قتل»، نص محمد العوني، وإخراج حسن المؤذن، حول شخصية صفي الدين الحلبي، وهو ورّاق رحالة يقوده الترحال إلى زيارة موقع قديم عند مجمع النهرين، وقد بلغته عنه نتف من الحكايات والأخبار. وبعد أن يعبر به المكان مراكبي غريب الأطوار، يلاقي الوراق امرأة طاعنة في السن تناجي بقايا تمثال، وتنكشف هوية العجوز، فإذا بها ملكة مات زوجها الملك في حادث ملغز، وبعد أن يتزوجها أخوه تعشق نحاتاً من أصل رومي. يصنع النحات تمثالاً للراحل فإذا بالتمثال ينطق، وإذا بالموت يترصد العشيقين. ويتجلى الصراع في هذا العرض بين السلطة التي يمثلها الملك، والنحات العاشق الذي ينتمي إلى الطبقة المسحوقة من الشعب، وترتبط حكايته بعلاقة تناص مع حكاية وضاح اليمن المعروفة. ويعالج العرض القطري «ورقة حب منسية»، تأليف وإخراج حمد الرميحي، العلاقة الإشكالية، والصراع المحتدم بين مثقف معتزلي هو أبو حيان التوحيدي والسلطة التي يمثلها ابن عباد بسبب السجالات التي أثارتها كتاباته، ووصلت إلى حد اتهامه بالزندقة، فالتوحيدي يحمل جثته، وقد عاد حياً، مهاجراً من فضاء عربي إلى آخر بحثاً عن قبر يحتضنه، بادئاً بمصر، ثم بلاد الشام، ثم الخليج في مسار أشبه بالدوامة، ولكن السلطات في تلك البلاد تطرده لأن وجوده يقلقها ويعري مفاسدها، وفي الختام ينتهي به المطاف إلى مسقط رأسه في العراق، إلاّ أن ابن عباد يصر على عدم دفنه في أي بقعة من أرض السواد. وبهذه المقاربة يكون المؤلف والمخرج حمد الرميحي قد أسقطا دلالة الفعل الدرامي لعرضه على الصراع القائم الآن بين المثقف العربي المعاصر، صاحب الموقف التنويري، وكل أشكال السلطة التي تقمعه، وتستلب حريته في التعبير عن مواقفه المناهضة للاستبداد والفساد. ويوظف العرض الأردني «ملحمة فرج الله»، تأليف وإخراج خالد الطريفي، الموروث شبه المسرحي المعروف بـ «خيال الظل»، بأسلوب ساخر يمزج بين الأداء التمثيلي والغناء والرقص، للكشف عن الصراع بين سلطة مستبدة يمثلها سلطان عثماني وثلاث شخصيات خيرة من أبناء الشعب: أولاها شخصية فرج الله، الرجل الحكيم النقي، والرمز الإنساني الرافض للجور، والثانية والثالثة شخصيتا «قراقوز، وعيواظ» الطيبتان اللتان تختزنان الجانب المشرق في الحياة، وتفيضان بالمحبة والقيم النبيلة، وتنذران ذاتهما من أجل إشاعة الفرح في نفوس الناس ورسم البسمة على وجوههم من خلال عروض «خيال الظل» التي يقدمانها. ولكن السلطان يأمر، في فورة غضب ونزق، بقطع رأسيهما، ورميهما أمام الجمهور الذي اعتاد على الاستمتاع بعروضهما! وتتداخل حكاية هاتين الشخصيتين مع حكاية عازف الناي الذي يعشق ابنة السلطان فيكون عقابه قطع أصابعه، إلاّ أن الحكيم فرج الله يصنع له أصابع من قصب ليواصل عزفه، متحدياً السلطان الجائر. ويلتقي هذا العرض مع العرض التونسي والسوداني في أن العنصر الأساسي في الصراع بين قيم الخير وإرادة القوة والسلطة الغاشمة هو الفنان المعبر عن الجمال والحس الإنساني النبيل، والضمير الحي الذي ينحاز إلى العدل والحق والحرية. * ناقد عراقي في الأردن |
|
|||||||||||||