العدد 1 - أردني
 

عمان، الزرقاء، جرش – يعكف متنفذّون ومترشحون للانتخابات النيابية على تجيير المال العام والخدمات الرسمية لأغراض انتخابية، مستغلّين حظوتهم لدى أجهزة الدولة، حسبما رصدت "السّجل" في أكثر من دائرة انتخابية.

تتراوح التجاوزات بين تعيين ناخبين محتملين أو محاسيبهم في مؤسسات رسمية، وتقديم مساعدات طارئة موسمية من خزينة الدولة، تقديم منح دراسية، لوائح حافلات، سيارات أجرة، إعفاءات طبية، على ما كشفته مصادر نيابية ومسؤولون سابقون.

حتى تأشيرات الحج ووعود بتأمين تأشيرات للولايات المتحدة تدخل في "بورصة شراء الذمم"، بحسب نواب سابقين، لا سيما في موسم الانتخابات التي تجرى مرة كل أربع سنوات.

يقدر حجم الهــدر في المـــال العام نتيجة هذه الممارسات، بعـشـــرات ملاييــن الدنانير. ولا تقف الأضرار عند حد الهدر المالي بل تتعداها إلى تعظـيم الخلل في أجهزة الدولة نتيجة التعييــن على قاعدة المحاباة والمحسـوبيـة، تضيــف المصادر نفسها.

النائب السابق والمرشح للانتخابات الحالية بسام حدادين (يساري) يرى أن الاستقواء بأذرع الدولة تفاقم في غمرة الانتخابات البلدية الأخيرة أواخر تموز/يوليو الماضي. حالة الاستقطاب الثنائي بين تيار الإسلام السياسي والدولة قوّى نفوذ "تيار البيروقراطية السياسية، بسبب دعم الحكومة في مواجهة حالة التمرد التي مثّلها الإخوان المسلمون"، حسبما يشخّص حدّادين، الذي دخل المجلس النيابي أربع دورات 1989_2003.

يرى حدّادين في "تيار البيروقراطية السياسية خصماً عنيداً للإصلاح السياسي" معتبراً أنه يسعى "لتوظيف الامتيازات والعطايا التي حصل عليها لخدمة نفوذ مريديه الشخصي والانتخابي".

يتحدث أيضاً عن مساعدات يقدّمها مترشحون للفقراء من أموال تصرف بشيكات مصدرها جهّات رسمية بأسماء وقوائم قدمها النواب للحكومة، واستفادت منها آلاف العائلات.

وتعتبر البرجوازية البيروقراطية وأدواتها وأزلامها الدولة «بقرة حلوب» تسعىلتوظيف إمكانياتها لتحقيق مكاسب وامتيازات"، بحسب حدادين. تجلّى ذلك من خلال "توزيع الامتيازات على المحاسيب والمقربين في دائرة النفوذ، وشكّل رموز هذه الشريحة السياسية طبقة سياسية تحت شعار (لي الحكم ولكم العطايا والامتيازات)".

عمال المياومة

وضع "عمال المياومة" من أبرز تجاوزات هذا التيار، وهي "تشكل عقبة كأداء" في وجه الحكومات، على ما يضيف حدادين. ويقول: "ساهمت أجهزة رسمية، وبطريقة هوجاء اتبعتها لامتصاص البطالة، قام بها متنفذون سعوا الى كسب التأييد الشعبي عن طريق آلاف عمال المياومة تعينوا بالواسطة والمحسوبية".

يصف رئيس لجنة عمال المياومة في المؤسسات الحكومية محمد السنيد عمال المياومة بأنهم "ضحية للسياسات الحكومية ولنواب ومرشحين سعوا لكسب تأييدهم وذويهم من أجل الوصول الى المجلس، في حين أن واجب الدولة هو توفير فرص العمل وتوزيعها بشكل عادل".

بينما يؤكد وجود 13 ألف عامل مياومة في مؤسسات الدولة الرسمية، لافتاً النظر إلى أن أصغر تجمع لهم في المحافظات يضم 500 عامل، ويرى السنيد أن هذه الفئة "خدعت" على يد نواب تخلوّا عنها عقب وصولهم إلى المجلس".

وعود في الهواء

يستذكر السنيد كيف أطلق "نواب سابقون وعوداً بحل مشكلة عمال المياومة في مدة زمنية أقصاها ستة أشهر من وصولهم الى البرلمان. إلا انهم تخلوا عنا".

ويدلل على مقاربة النواب السلبية من عمال المياومة بموقف "اللجنة المالية في مجلس النواب السابق التي حرمت عمّال المياومة من الزيادة التي أقرتها الحكومة في حينه".

ويوضح رئييس لجنة عمال المياومة "أن تجاوز مجلس النواب السابق على حقوق العمال وخصوصاً المصانة بموجب قانون العمل والضمان الاجتماعي دفعهم إلى تشكيل لجنة لمتابعة الانتخابات النيابية".

تقتضي استراتيجية عمال المياومة "الوقوف إلى جانب المترشحين الذين يناصرون قضايا العمال، وبخاصة المترشحون العماليون في حين أن بعض المترشحين "أعلن أنه سيسعى الى إنهاء العمل بنظام المياومة".

وزير الصحة السابق عبد الرحيم ملحس وصف الاستقواء بالدولة بأنها "ظاهرة تلاحظ فقط في البلدان التي يشعر المواطن فيها أن اقرب الطرق، وأقصرها وأكثرها فعالية للوصول إلى اهدافه تكمن في تهديد منافسيه أو مخالفيه بأنه ابن الدولة". ويرى ملحس بأن هؤلاء "لا يفعلون ذلك لانتمائهم للوطن، ولكن لمجرد الاستقواء ببعض أجهزة الدولة التي يمكن أن تبعث الخوف في قلوب الآخرين."

هذه التصرفات "تعني أن هناك سوابق لتحيز الحكومات لمواطن ضد مواطن، بحسب ملحس الذي يرى أن "استعمال هذا الاستقواء يبعث ذكريات بشعة لتدخلات من شأنها أن تجعل بعض المنافسين يعيدون حساباتهم. يرافق ذلك سكوت أجهزة رسمية عندما ترى ذلك مناسباً او تشجيعها له بالسر والعلن".

ويرجع ملحس وجود مثل هذه الظاهرة إلى "شعور المواطن بأن حقوقه الأساسية أو الوصول اليها ليس مضموناً بالقانون الذي يساوي بين الناس جميعاً، لكن بالانتماء إلى الأقوى الذي هو فوق القانون، أو القادر على تفسيره كما يشاء ويرغب حسب الظرف والمناسبة." هذه الظاهرة، يضيف وزير الصحة الأسبق، "دليل على وجود جو من عدم النزاهة والاستعداد للانحياز من قبل بعض المؤسسات الحكومية التي ترى وتسمع ولكنها تسكت، وأحياناً تشجع".

لذلك فإن "مثل هذا التصرف والسكوت عنه تحطيم لمعاني المواطنة التي من أهم أسسها أن تقف جميع أجهزة الدولة على مسافة واحدة من جميع المواطنين، وهو تراجع ثقافي وحضاري، وأحد اعراض تخلفنا،" حسبما يرى ملحس. ويمضي إلى وصف الاستقواء بظاهرة غير قانونية وغير حضارية وغير مدنية" كما أنها " جزء لا يتجزأ من ثقافة سائدة، وكذلك ثقافة أنظمتنا العربية، التي ما تزال تعيش بأفكار تسمح للدولة أن تكون طرفاً ضد المواطنين، لا حكماً بينهم وقائداً نزيهاً لهم".

ويشدّد ملحس على ان "الاستقواء بالحكومات ظاهرة عامة ليست موسمية (أيام الانتخابات فقط) وهي مغروسة في ثقافة المواطن والسلطة معا". ولأنها "جزء من مظاهر وأسلحة الحملات الانتخابية، فإنها تضيف مع غيرها من المظاهر دليلا آخر على تدخل أجهزة رسمية لانتاج مجلس نيابي تتكرر فيه هذه الظاهرة، بتشجيع من الأجهزة ذاتها التي تتبع الدولة".

النائب السابق ابراهيم المشوخي، أحد أعضاء كتلة جبهة العمل الإسلامي الـ 17 في المجلس السابق، يرى أن "غياب معايير العدالة واستشراء الواسطة والمحسوبية، كرّس فكرة لدى الناخبين أن مهمة النائب هي توفير الخدمات، والتعيين، وتأمين تأشيرات الحج، بغض النظر عن مستوى أدائه في المجلس في مراقبة الحكومة أو إصدار التشريعات".

ويعتبر المشوخي أنه "ليس من السهل معالجة مثل هذه الاختلالات الا من خلال عملية جراحية تسهم في استئصال مثل هذه المسلكيات".

إلى ذلك يعتبر أن "مشروع الأقاليم كان سيساهم في القضاء على مثل هذه الظواهر من خلال إيجاد مؤسسات تقوم بتوفير الخدمات للمواطنين داخل الإقليم مما يتيح المجال أمام نائب الوطن للتفرغ للعمل في إصدار التشريعات والرقابة".

يذكر أن الملك عبد الله الثاني طرح قبل أربع سنوات فكرة تقسيم المملكة إلى أقاليم تنموية-اجتماعية-اقتصادية لتكون رديفة لهياكل الدولة في وضع خطط التنمية وتقسيم المغانم.

يرفض المشوخي الاتهمات بأن الحركة الإسلامية " عجزت عن طرح مشروع واضح للتعامل مع مثل هذه الظواهر"، ويقول إنها "تمكنت "من الغاء (كوتا تأشيرات الحج) التي كانت تتنافى مع أسس العدالة والشفافية" في الوقت الذي كان مئات المتنفذين يقومون" بتأمينها لمناصريهم بحجة انها تسهم في تأمين عدد كبير من أصوات الناخبين".

عشرات الشكاوى تقدم حول تجاوزات وتعيينات بالجملة يسعى إليها مترشحون لانتخابات المجلس النيابي الخامس عشر من أجل كسب مناصرين محتملين. أحد المترشحين في محافظة جرش قدم مذكرة لرئاسة الوزراء طالب فيها بفتح تحقيق في ظروف تعيين العشرات من أبناء دائرة انتخابية في جامعات ومواقع مهمة متهماً الحكومة بالتستر على مرشح منافس "يحظى بالدعم الرسمي".

بحسب شكوى المترشح، قدّم رئيس إحدى الجامعات الحكومية خمسة مقاعد جامعية لصديقه المرشح منحة لأبناء دائرته الانتخابية، بالإضافة الى تعيين العشرات من أبناء الدائرة نفسها. مرشح آخر تمكن من توفير عشرات المقاعد الجامعية والمنح الدراسية من صناديق الطلبة.

مترشحو ما يسمى "الضوء الأخضر" لا يفصحون عن الجهة التي منحتهم ذلك الضوء، والذي يمكنهم من تقديم منح دراسية، خدمات التعيين والعلاج على حساب الدولة فضلاً عن وظائف في المؤسسات والدوائر الحكومية.

يرى سياسيون أن هذه التصرفات "تدخل رسمي لصالح ذلك المرشح" ويطالبون الحكومة بـ وقف تلك الوسائل التي من شأنها تقوية مترشح على حساب آخر مع تغييب مبدأ العدالة.

أبرز المترشحين الذين يلجأون الى استخدام هذه الأساليب هم نواب سابقون تمكنوا من توطيد علاقاتهم بمؤسسات الدولة، حسبما يؤكد نائب مسيحي سابق، تمكن "من تأمين تأشيرات حج وعمرة، من وزارة الأوقاف لمناصريه المسلمين في دائرته الانتخابية".

الحكومة تنفي

رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت وصف خلال جلسة حوارية بمشاركة 200 طالب جامعي في مدينة الحسين للشباب مصطلح "مرشح دولة" بأنه "تكتيك مكشوف للجميع، ونوع من أنواع الضغط النفسي على الناخبين". وأكد البخيت أيضاً أن الدولة "لا علاقة لها بهذا الموضوع" مشيرا إلى أنها "تقف على مسافة واحدة، من جميع المرشحين والناخبين على حد سواء".

وزير الدخلية عيد الفايز أعلن من جانبه "استعداد الحكومة للتحقيق في أي شكوى ترد من اي من المواطنين، حول وجود تجاوزات أو رشاوى او شراء أصوات".

المادة 20 من قانون الانتخاب المؤقت تحظر على أي مرشح أن يقدم من خلال الدعاية الانتخابية هدايا او تبرعات او مساعدات نقدية او عينية او غير ذلك من المنافع او يعد بتقديمها لشخص طبيعي او معنوي، سواء كان ذلك بصورة مباشرة او بوساطة الغير، كما يحظر على أي شخص أن يطلب مثل تلك الهدايا او التبرعات او الوعد بها من أي مرشح.

وتجرّم هذه المادة كل من يقدم على تلك الخطوة من المرشحين المفترضين او الناخبين الذين يطلبون هدايا او غير ذلك وتضعهم عرضة للمسؤولية القانونية والجزائية. ومن تثبت إدانته يحكم بالسجن بين شهر وسنة.

دخول متنفذين كطرف في الصراع بين المترشحين يُصعب مهمة المترشح المستقل في ظل تنامي شعور عام لدى جمهور الناخبين بمدى حساسية انحياز الحكومة لطرف على حساب آخر، وتحصيل مكاسب مالية او معنوية الى بعض أبناء دائرته الانتخابية، بحسب رأي استاذ العلوم السياسية في جامعة آل لبيت هاني أخو رشيدة.

ويرى أخو رشيدة أن "الأعطيات النقدية، علاج على حساب الدولة، خطوط الباصات، تأشيرات الحجاج تجعل المواطن يعتقد جازماً أن المرشح يركض وراء مصالحه والمكاسب المأمولة عند نجاحه".

الكـاتب الصحــافي باسم سكّجـهـا يرجع بعض هذه التجــاوزات إلى "حــالـة من انعدام الثقة بالأحزاب، الحكومات والقوانين". يعزّز هذه النظرة التشاؤمية، بحسب توصيف سكجّها، إقدام مجلس النواب السابق على حذف بند في تشريع حكومي ضمن قانون هيئة مكــافحـة الفســاد كان من المفترض أن ينص على "تجريم الواسطـة والمحسوبيـة".

هل هناك حقاً ضوء أخضر لنجاح بعض المترشحين؟ - منصور المعلا
 
08-Nov-2007
 
العدد 1