العدد 4 - ثقافي
 

تصادف هذه الأيام ذكرى رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وبهذه المناسبة، افتتح الرئيس محمود عباس مقراً ونصباً في رام الله، وهو نوع من متحف ضم متعلقات الرئيس الراحل الشخصية والسياسية. كما أحيا الفلسطينيون في الضفة والقطاع هذه الذكرى - وفي غزة تدفق مئات الآلاف إلى احتفال مماثل واصطدموا بميليشيا حماس - ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى.

والمعنى الأعمق الذي استخلصه المراقبون لمجموع هذه الأنشطة، هو أن «الوطنية الفلسطينية» التي جسّدها الزعيم الراحل ما تزال قوية وراسخة.

وبالتوازي مع ذلك، تحدث كثيرون عن الزعيم الراحل، ومنهم أرملته السيدة سهى الطويل، وقد نشرت «الحياة» اللندنية حديثاً معها قالت فيه إنها ستواصل السعي لنقل جثمان الرئيس الراحل من رام الله إلى القدس، كما كان يرغب دائماً.

واحتلت واقعة وفاة عرفات أو بالأحرى واقعة اغتياله وتسميمه وفق إجماع المراقبين والمهتمين، مكاناً بارزاً في أوساط الرأي العام وأجهزة الإعلام حيث تم فتح ملف الواقعة.

وكان من أبرز مظاهر هذا الاهتمام، الحديث المفصل الطويل الذي أدلى به الصحفي الفلسطيني ماهر عثمان الذي يعمل في صحيفة «الحياة» اللندنية لفضائية ANB المتخصصة بالشأن السياسي والإخباري، وقدمه المذيع التلفزيوني محمد قواص، فقد لمسنا من خلال الحديث، أن ماهر عثمان كان وثيق الصلة بالراحل عرفات، وأن واقعة الاغتيال تمثل هاجساً شخصياً قوياً له. وقد اتضح من حديثه المسهب أنه تابع ويتابع أدق تفاصيل هذه القضية التي لم تنجلِ غوامضها كلها بعد. فتحدث عن المقدمات السياسية التي سبقت الاغتيال، مورداً تصريحات شارون التي قال فيها إن عرفات عدو إرهابي يقيم تحالفاً إرهابياً ضد إسرائيل، وإنه بات يشكل عقبة أمام جهود السلام، محرضاً الفلسطينيين على إقصائه - كما أن شارون استطاع في تلك المرحلة أن يستميل الرئيس بوش إلى صفه، وأن يوافق - ولو ضمناً - على رفع الخط الأحمر عن عرفات لاغتياله. وصاحب ذلك ضغوط إسرائيلية وأميركية قادت إلى استحداث منصب في السلطة الفلسطينية لم يكن موجوداً هو منصب رئيس الوزراء عيّن فيه محمود عباس. وبواسطة هذه الإضافة أُخذت من عرفات - وإلى حدّ ملموس، ورقتا الأمن والمالية.

ويصل ماهر عثمان أخيراً إلى تفاصيل واقعة الاغتيال، فقد انهار عرفات في المقاطعة بعد أربع سنوات من تناوله طعام العشاء الخفيف الذي كان يشاركه فيه عدد كظبير من العاملين في المقاطعة ومن الزوار.

وفي الأيام التالية، حضرت وفود طبية من مصر وتونس والأردن تضم أطباء متخصصين على مستوى عالٍ من الكفاءة. دون أن يستطيعوا تحديد نوع المرض الذي يشكو منه عرفات، ولكنهم أكدوا أن صفائح الدم تتعرض للتكسر، الأمر الذي قاد لاحقاً إلى نزيف حاد في الدماغ وإلى غيبوبة من الدرجة الرابعة. وكان عرفات عند ذلك قد وصل إلى أحد مستشفيات باريس..

الأطباء الفرنسيون الذين عملوا بأخلاقيات وبمهنية عاليتين، كما يقول ماهر عثمان، عجزوا بدورهم عن معرفة سبب تكسر صفائح الدم، وأما فرضية وجود تسمم، فلم يستطيعوا تأكيدها أيضاً، لأن السم المفترض في جسم عرفات لم يكن من السموم المسجلة لديهم. وبالنسبة للجانب الفلسطيني، فإن ماهر عثمان يلقي بعض الأسئلة التي تحمل بعض الشكوك وبخاصة عن عدم تشريح جثة عرفات، حيث قيل إن التشريح لا يليق بمكانته، فضلاً عن أنه محرّم في الإسلام. ويؤكد ماهر عثمان أنه حيثما يوجد اشتباه بجريمة، فإن الإسلام لا يحرّم التشريح. أما بالنسبة للجنة التي شكلت في رام الله، فيقول الصحفي بأن جهظودها كانت قاصرة، ولم تستطع أن تضيف جديداً، بل كررت ما جـاء فـي تقـرير الأطبـاء الفرنسيين.

ويرى هذا الصحفي أن الفرصة ما تزال قائمة لمعرفة الحقيقة فيما لو تم تقديم شيء ما من جسد عرفات - حتى ولو كان شعرة، كما أخبره بعض الأطباء الإنجليز الذين تحدث معهم في الأمر.

وهكذا يتضح بعد مرور ثلاث سنوات على وفاة أبو عمار أن سبب وفاته لم يعرف بعد، كما لم يعرف اسم المرض الذي أصيب به - ولا اسم السمّ الذي استخدم، هذا على افتراض أنه مات مسموماً.

وهناك من ما يزال يتابع هذه القضية، ولو من باب التوظيف السياسي، مثل حماس التي عادت تطالب بفتح الملف مجدداً، موحية أن الرجل قد تم تسميمه من مقربين إليه.

لكن الحقيقة أن الإجابات النهائية عن جميع الأسئلة المتعلقة بتسميم الرجل وموته ما تزال معلقة حتى الآن، وربما تنكشف الحقيقة ذات يوم، ور بما لن تنكشف..

هواجس صحفي في لندن إزاء اغتيال عرفات – رسمي أبو علي
 
29-Nov-2007
 
العدد 4