العدد 27 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمان
«مستوى درجة الماجستير العام 1972 أفضل من مستوى درجة الدكتوراه اليوم، هذا أمر يعرفه المسؤولون بلا استثناء». هكذا لخص أكاديمي لم يشأ أن يذكر اسمه، مستوى التعليم في الجامعات الأردنية الرسمية. بذلك اختصر أزمة التعليم الجامعي في الأردن. مع الإقرار الواسع بتراجع مستوى التعليم، هناك تأويلات شتى للمسألة.أستاذ الاقتصاد ووزير التنمية السياسية الأسبق، منذر الشرع يقول: «هناك تراجع في سوية مخرجات التعليم، ولهذا أسبابه الكثيرة، لكن ينبغي ألا يغيب عن الذهن أن التعليم لدينا، ما زال هو الأفضل في المنطقة. غير أننا ننشد المحافظة على نوعية التعليم وتطوير سوية الخريجين باستمرار». يعزو الشرع تراجع مستوى الخريجين للزيادة الهائلة في عدد الطلبة، بسبب الطلب الاجتماعي الكبير على التعليم، مع شيوع الإدراك العام بأن الناس لا يستطيعون تغيير مسار حياتهم بدون سلاح العلم. يبلغ عدد الطلبة في الجامعات الحكومية العشر لمستوى البكالوريوس فقط، للعام الدراسي 2007/2008، ما يزيد على 152 ألف طالب وطالبة. وإلى جانب هؤلاء، هناك نحو 16 ألف طالب دراسات عليا بين الدبلوم، والماجستير، والدكتوراه. يتفق استاذ الاقتصاد، أحمد العوران، مع الشرع، على أن عدد طلبة الجامعات كبير جداً ولا يتناسب مع البنية التحتية المتاحة، لأن «الطلب على المقاعد الجامعية أسرع من قدرة الجامعات الحكومية على توفير المستلزمات الدراسية، فإعداد الوسائل يأخذ دائماً وقتاً أطول». يلفت العوران الانتباه إلى «وجود نقص في الأساتذة المؤهلين، فالظروف الاقتصادية تدفع أساتذة في الجامعات الرسمية للمغادرة نحو الجامعات الخاصة أو إلى الخارج. وليس من السهل دائماً تعويض هذه الخسارة». يقر العوران بالافتقاد الى خريجي دراسات عليا من الجامعات مما يدلل على أزمة في مخرجات التعليم «يخلو السوق من العدد الكافي والمؤهلات المناسبة لسد النقص. لذلك نوفد طلبة متفوقين لاستكمال دراساتهم العليا في الخارج». يعترف الشرع، وهو نائب سابق لرئيس الجامعة الهاشمية، بضعف نوعية التعليم: «الجامعات لم تعد قادرة على مواصلة تقديم نوعية التعليم المطلوبة نفسها في ظل الضغط الناجم عن الأعداد الهائلة من الطلبة. الحفاظ على نوعية تعليم جيدة، بحاجة إلى أستاذ جيد.» وينبّه أنه دخل في سلك التعليم الجامعي في الفترة الماضية أساتذة غير مؤهلين بما يكفي. يعاين الشرع أزمة التعليم المركبة،التي تبدأ قبل التحاق الطالب بالجامعة «هناك خلل في المخرجات المدرسية بسبب منهج التلقين الذي يعطل الطاقات الكامنة لدى الطلبة، نحن بحاجة إلى أستاذ موجّه، يكون قادراً على استثارة ملكة البحث والتقصي لدى الطالب. يلقى هذا التشخيص قبولاً لدى أستاذ الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك، زيدان كفافي، «هناك ضعف عام في مدخلات التعليم الجامعي ممثلة بطلبة المدارس، وربما يكون هذا أكثر وضوحاً في العلوم الاجتماعية، والإنسانية، والإدارية. فما معنى أن يكون لدينا طلبة في اليرموك لا يعرفون أين يقع نهر اليرموك، أو أنهم يكتبون لغتهم العربية بكم كبير من الأخطاء الإملائية. ويدعو كفافي إلى إعادة النظر في المناهج المدرسية وفي أساليب التدريس لمواكبة التقدم في هذا المجال. تحول القبول في الجامعات الرسمية تدريجياً من التنافس المفتوح إلى القبول على أسس مناطقية، حرم الجامعات أن يكون لها رأي في قبول الطلبة الذين تتولى تدريسهم. هذا التحول كرّس الاستسلام للأمر الواقع. فحينما تبين مثلاً أن هنالك ضعفاً متكرراً في نتائج الثانوية العامة في بعض المدارس، تم انتهاج سياسة تقوم على منح هذه المدارس حصة محفوظة من المقاعد في الجامعات الحكومية بصفتها «المدارس الأقل حظاً». يرى أكاديميون أن هذه المدارس ليست أقل حظاً، بل أقل رعاية، وهذا وضع بحاجة إلى معالجة. الاستمرار في تخصيص مقاعد جامعية لهذه المدارس، لأكثر من فترة انتقالية، يلحق ضرراً بطلبة هذه المدارس جميعا، لأنه يكرس تدني الخدمة التعليمية المقدمة إليهم مقابل إرضائهم بعدد من المقاعد الجامعية. يتضافر ما سبق مع ضعف العمل الطلابي الناجم عن القوانين التي تنظم عملية تمثيلهم، والضعف العام في وعيهم السياسي وعدم اهتمامهم بالجوانب الفكرية، مما يولد نزوعاً إلى العنف والشغب على خلفيات غير سياسية أو أيديولوجية، كما قد يحدث في جامعات في بلدان أخرى، بل على خلفيات عشائرية وجهوية وعائلية، وهو ما شكل في الآونة الأخيرة ظاهرة مفزعة. أمام هذه المعضلات تقترح الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2005-2010، معايير جديدة للقبول في الجامعات، وهي معايير شددت عليها الأجندة الوطنية 2006-2015،لا سيما جعل سياسيات القبول عادلة وتنافسية وموجهة نحو احتياجات اقتصاد المعرفة، ما يتطلب تخصيص المقاعد الجامعية استناداً إلى التوقعات الدقيقة حول العرض والطلب. كما أكدت الأجندة على ضرورة شمول معايير القبول (بنسب معينة) كلاً من معدل التوجيهي، وعلامات المباحث ذات العلاقة بالتخصص الذي يرغب الطالب بدراسته في الجامعة، ونتائج الطالب المدرسية في المرحلة الثانوية، مع معايير أخرى ترتبط بكل تخصص، تحددها الجامعات واهتمامات الطلبة ورغباتهم. والتساؤل المثار: متى سيتم تطبيق هذه المعايير؟. هناك أبعاد أساسية ذات صلة بالقبول لا يتم أخذها بعين الاعتبار. عالم الآثار زيدان كفافي يؤكد على ضرورة عدم فتح أبواب البرامج والتخصصات دونما مراعاة للطلب على هذه التخصصات في السوق. «الطالب يبدأ التفكير بمصيره بعد التخرج بسبب غياب المواءمة». ينتقد الأكاديمي منذر الشرع، غياب التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي وبين مؤسسات القطاع الخاص، ويعزو هذا الغياب لسياسات القبول «التي لا تقررها احتياجات السوق، بل القيم الاجتماعية، وهذا سبب رئيسي من أسباب البطالة المتفشية بين الخريجين». يستشهد على ذلك بالأرقام، موضحاً أن زهاء 40 بالمئة من البطالة هي بطالة حملة شهادات عليا: بكالوريوس ( 19 بالمئة)، دبلوم عال (11 بالمئة)، ماجستير (6 بالمئة)، ودكتوراه (3 بالمئة). الأجندة الوطنية تؤكد أن المناهج الجامعية تواجه جملة من التحديات، في مقدمتها عدم المواءمة بين العرض والطلب، وأن أصحاب العمل غالباً ما يعربون عن عدم رضاهم عن المهارات الفنية التطبيقية والمهارات الشخصية ومهارات التواصل لدى الخريجين. كما أن المناهج وأساليب التعليم التقليدية، بحسب الأجندة، لا تعزز مهارات التفكير النقدي ومهارات التواصل. أستاذ الاقتصاد أحمد العوران، يرى أن هنالك شكوى، مفتعلة أحياناً، من جانب بعض مؤسسات القطاع الخاص من مستوى الخريجين، لأنها تتهرب من مسؤولياتها في إعدادهم بما يتناسب واحتياجاتها؛ فالجامعات تؤمن التأهيل لطلبتها بالحدود الدنيا الضرورية، وليس على النحو الذي تريده هذه الشركة أو تلك، لأن هذا من وظيفة الشركة نفسها. منذر الشرع ينبه أيضاً إلى أن الجامعات تواجه ما أسماه مشكلة المشاكل وهي التمويل، «مصادر التمويل الرئيسية هي الرسوم الجامعية. حصة الجامعات من الرسوم الجمركية والتي تقدر بحوالي 4 بالمئة من قيمة المستوردات (نظام رقم 13 لسنة 1984)، وحصة الجامعات من الرسوم الإضافية التي فرضت خصيصاً للإسهام في تمويل الجامعات (قانون رقم 4 لسنة 1985). ازدياد عدد الجامعات الرسمية، منذ إقرار تلك الرسوم، أدى إلى تراجع حصصها المالية، والأمر نفسه ينطبق على تأثير بعض الاتفاقيات الدولية السلبي على العوائد الجمركية، إلا أن الشرع يعتقد أن «الزيادة في المستوردات تعوض النقص في مردود الرسوم الجمركية، وأن مجموع الحصص المرصودة للجامعات ينبغي أن تكون كافية لتغطية احتياجات الجامعات دونما لجوء إلى رفع الرسوم الدراسية أو اللجوء إلى طرق التفافية للحصول على التمويل؛ مثل اللجوء إلى طرح برامج الدراسات المسائية والموازية». الأجندة تشير إلى أن الاعتماد الكبير على الإيرادات المتأتية من التوسع في البرامج الموازية والمسائية واستقطاب عدد أكبر من الطلاب غير الأردنيين، يؤدي إلى انتهاج سياسات قبول لا تنسجم مع معايير الاعتماد وضبط الجودة. وتستخلص الأجندة الوطنية أن نظام القبول الموازي الذي يمثل 21 بالمئة من المقاعد الجامعية، ونظام حصص القبول للفئات المختلفة، يهدد نوعية التعليم. في توظيف الكفاءات الإدارية في الجامعات، انتقد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية عبد المهدي السودي في مقال نشره مؤخراً، ما أسماها الطريقة الدارجة في تعبئة الشواغر الإدارية والأكاديمية في الجامعات الأردنية، معتبراً أنها بعيدة كل البعد عما هو متبع في الجامعات الراقية، والذي يستند إلى التنافس وتكافؤ الفرص،. أما في الجامعات الأردنية، فيقوم رئيس الجامعة باختيار نوابه وعمدائه بحسب رغبته ومزاجه، ويقوم العمداء بدورهم باختيار رؤساء الأقسام بالأسلوب نفسه، الأمر الذي يفرّخ شبكة أكاديمية وإدارية في الجامعة ليست مبنية بالضرورة على أسس موضوعية، إذ قد تتدخل فيها الواسطة والعلاقات والمصالح الشخصية بدلا من الكفاءة والتميز. ولذا يعد هذا النموذج في التعيينات طارداً للعلماء والمبدعين"، بحسب ما يرى السودي. ويعزو السودي تدني مستوى الخريجين إلى عدم وجود خطط دراسية تفصيلية وموصوفة لكل محاضرة من المحاضرات، وعدم التزام الأساتذة جميعا بتدعيم هذه الخطط بقراءات معينة ومادة علمية حديثة. أستاذ الآثار كفافي، يشدد على أهمية البيئة التعليمية كعنصر أساسي من عناصر تحسين مخرجات التعليم الجامعي، ويؤكد أن بعض الطلبة يتخرجون دون أن يقوم أحدهم بزيارة واحدة للمكتبة. وحينمايقرر أساتذة كراسة للطلبة، تصبح هي مرجع الطلبة الوحيد. وتساءل: "بماذا نختلف في هذه الحالة عن المدرسة؟ أليست الجامعة هي المكان الذي يطور فيه الطالب حصيلته المعرفية، ويتعلم إعداد البحوث؟ الطلبة باتوا يهتمون بالعلامة والعلامة فقط، حتى أن بعض الطلبة يسأل عن الأستاذ قبل أن يختار متطلباً جامعياً." بات إصلاح التعليم الجامعي أمراً ملحاً، ولا سيما إصلاح نظام القبول، وضبط المواءمة بين مخرجات التعليم الجامعي واحتياجات سوق العمل، وتحديث أساليب التعليم وتطويرها، وتمكين الجامعات من الحصول على الحصص المالية المقررة لها بموجب أنظمة وقوانين نافذة، وتعزيز استقلالية الجامعات بما يوفر لها الحرية الأكاديمية والقدرة على الارتقاء بمخرجاتها وبدورها في البحث العلمي. |
|
|||||||||||||