العدد 4 - ثقافي | ||||||||||||||
أمضت لويزا واه ثلاث سنوات في بحث وكتابة هذا الاستقصاء الحيوي الجريء حول المتاجرة بالبشر في أوروبا وآسيا. فزارت بعض المناطق مثل بوسنيا وكوسوفو ولندن والخليج، وتحدثت مع نساء خضعن للمتاجرة ومع السماسرة والقوادين الذين يحققون الأرباح الطائلة من تجارة الجنس والرقيق على المستوى العالمي. . بعد أكثر من عشرة أعوام على الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة، ما تزال النسوة تباع في الحانات وتُحتَجَز داخل شقق خاصة. وقد تمكنت الأمم المتحدة والناتو مؤخراً من كشف النقاب عن تورط جنودهما بهذا العمل القبيح. وسافرت المؤلفة إلى شمال ألبانيا حيث يُجبِر الفقر المدقع النساء على المتاجرة بأجسادهن. وتعتبر التجارة بالبشر من أسرع الجرائم المنظمة نموا في العالم. وقد ساهمت البطالة والفقر والعنف المحلي الشديد في تشجيع على الهجرة الجماعية نحو الغرب وباتجاه الدول الأوروبية . وفي مالدوفا، التقت بأولغا التي قصت، بغضب، تفاصيل حكايتها المحزنة. غير أن هذه التجارة لاتقتصر على منطقة البلقان . ففي سيسليا أمضت لويزا واه وقتاً مع نسوة من نيجيريا تاجرت بهن سيدات أخريات، وهاهن الضحايا الآن يقاتلن . وقامت المؤلفة بمحاولات شجاعة لاستيعاب وفهم هذه التجارة ولبحث الأسباب التي توفر تربة خصبة لنمو هذه الجريمة المنظمة على الرغم من الشعور العالمي والحملات العنيفة المناهضة لها وسجن العديد من الوسطاء فيها. كما أنها تسبر غور تجارة البشر في بريطانيا: ماذا يحدث للنسوة اللواتي يتم بيعهن ليعملن في صناعة الجنس، وللمهاجرات اللواتي وقعن في مصيدة الأشغال الشاقة، وفي النهاية تؤكد المؤلفة أن ثمة أملاً حقيقياً في التغيير على الرغم من كل المعوقات. و في مقالة بعنوان « الطريق إلى جهنم « نشرت في السكوتسمان The Scotsman البريطانية بتاريخ 2007/10/11، تحدثت لويزا واه عن كتابها “إنهم يبيعون أولغا”: “كان إعلاناً مقتضباً ذلك الذي جاء في صحيفة محلية” نساء وفتيات تحت سن 35 للعمل في الخارج برواتب جيدة”. وحمل هذا الإعلان رقماً هاتفياً للاستفسار، وهو ما فعلته أولغا مساء ذلك اليوم. أولغا، الأم غير المتزوجة، في الحادية والعشرين. وتسكن في عاصمة مالدوفيا – شيشنيا وتعمل عشر ساعات يومياً في سوق مكشوف لإعالة صغيرها. وكانت ظروفها في غاية التعاسة. لذا أخذت زمام المبادرة لتحسين وضعها. ورد على اتصالها رجل شارحاً تفاصيل هذا العرض، وهو أنها ستكلف برعاية متقاعدين لصالح شركة خاصة في ايطاليا وبراتب مغر يبلغ 1000 دولار (527 جنيهاً إسترلينياً) شهرياً. ولم تقف المغريات عند هذا الحد، بل عرض الرجل عليها استعداده لتزويدها بجواز سفر، ودفع تكاليف سفرها قائلا إن بإمكانها سداد ذلك بعد مباشرتها العمل. وطمعاً في تحقيق حلمها بحياة جيدة وجديدة أفضل من تلك التي تعيشها وابنها، فقد وافقت أولغا على أن تغادر مالدوفا وعلى وجه السرعة، إن لم يكن فوراً. وبعد أقل من شهر وجدت نفسها وقد حُددت إقامتها في بيت دعارة برفقة مجموعة من الفتيات من مالدوفا، ثم اقتيدت أولغا والنسوة، وقد انتابهن القلق والارتباك والحيرة عبر صربيا إلى الحدود الرومانية. وفي نهاية المطاف، وبعد دخول غابة مزروعة بالألغام وصلن إلى كوسوفو . وكما هو الحال بالنسبة لبقية النسوة، عُرِضَت أولغا للبيع على شخص يملك حانة محلية ويعمل قوادا في الوقت نفسه. وكان يأمرها بأن ترقص على المسرح وفي المساء يؤجرها لزبائنه من طالبي المتعة. وكان يضربها إذا ما سوّلت لها نفسها رفض الأوامر. وهكذا، اضطرت كغيرها من النسوة، إلى الإذعان. اخذوا أولغا إلى كوسوفو. وكان من السهولة بمكان أن ينتهي بها المطاف في اسكتلندا. فحسب بحوث حديثة قدمتها المنظمة العالمية للاجئين IOM فإن القراصنة ينقلون النساء مباشرة إلى الدول الأوروبية بدلاً من إتباع طرق متعرجة من خلال البلقان. ولا يعمل تجار الرقيق إلا بالتواطؤ مع بعض المسؤولين. فقد اقتيدت أولغا إلى كوسوفو من خلال شبكة اعتمدت على سلسلة كاملة من حراس حدود ومسؤولين حكوميين ورجال شرطة فاسدين. وتتم رشوة هؤلاء لتسهيل مرور النسوة خلال أوروبا الشرقية. وسيكون من المستحيل القضاء على هذه التجارة بغير التعامل الحازم مع شبكات الفساد تلك في دول مثل مالدوفا التي تقع الآلاف من فتياتها ضحية لهذه المصيدة. وسرعان ما تصبح النساء مرتبكات جسدياً ووحيدات نفسياً، ويتعلمن بسرعة فائقة ألا يثقن بمن يرتدي زياً رسمياً. وعلى حد تعبير أولغا: “في بعض الأحيان، كان أحد الرجال الذين اقضي الليلة معهم يتركني في حانة أخرى في الطرف الآخر من المدينة، وبعدها يعيدونني إلى الحانة الأصلية التي اعمل بها عادة، وفي الحانة الثانية كانت المرأة التي تعمل هناك تعلم برغبتي في الهروب، فخبأتني في الدولاب وأخبرتهم أني لم أحضر. وعندما غادر الرجل الذي ‘يملكني‘للبحث عني، تسللت هاربة”. وعند الاستفسار عن سبب أخذها هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر، سيما وأنها اتٌخذت بعد سنتين من احتجازها، أجابت: “اضطررت لذلك. فقد كان يوسعني ضرباً على الرأس مما تسبب في إيذاء عيني. ولو بقيت مدة أكثر تحت رحمته لفقدت البصر”. وأولغا معاقة الآن, وتعيش مع ابنها في شيشنيا، وتتقاضى معونة تقاعدية ضئيلة. وأولغا هي أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتني لكتابة “ إنهم يبيعون أولغا”. وقصتها توضح لِمَ يتوجب علينا أن نتوقف عن التركيز بالكتابة عن “رقيق الجنس”، ونبدأ بإظهار الأسباب الأساسية بأن النساء ما زلن يتعرضن للاتجار يهن في أوروبا. وفي عرض نقدي نشر في نيويورك بوك ريفيو NY Book Review) 11 أكتوبر 2007 )، تٌجادل كارولين مورهيد بأن العولمة والأسواق الحرة قد دفعتنا إلى زيادة حركة رؤوس الأموال والعمالة. وبينما فُتحت الحدود لغرض التجارة والمستثمرين والزوار القادمين من الدول الأغنى، فقد لا يحصل هؤلاء القادمون من الدول الفقيرة على حرية الحركة. وقد نجحت الموانع الشديدة وقوانين الهجرة ضد من يرغب في اللجوء، وبخاصة اللجوء الاقتصادي. وفي هذه الأوضاع التي يتضافر فيها الانهيار الاقتصادي والفقر والتمييز والحكومات الفاسدة والتقنيات الجديدة، فإن الاتجار بالبشر يزدهر بإضطراد. ولا يقتصر هذا على الجنس فقط، فإن غالبية من يتم المتاجرة بهم يدخلون في عداد العمالة الرخيصة في الزراعة والخدمات المنزلية وفي الصناعة، إلا أن صناعة الجنس تبقى المظهر الأكثر ضرراً. وأما التجار فلا يعرف عنهم إلا القليل، حيث إن الضحايا، الذين لا يحميهم القانون بدرجة كافية، يخشون التقدم بشهاداتهم وشكاواهم. هذه الشبكات هي الأكثر حنكة، وتسير جنبا إلى جنب مع الشبكات الأخرى التي تتعامل بالأسلحة والمخدرات، إلا أنها مختلفة متحركة وتمارس أنشطتها عبر العديد من الدول ناقلة ضحاياها كما تنقل القطعان على شكل مجموعات، ويساعدها في ذلك الفساد المتفشي بين قوات الشرطة ومسؤولي الحدود. وحسب كارولين مورهيد، فإن هذه المجموعات ومن هم على شاكلتها في أماكن أخرى مثل الفلبين والمغرب وأوكرانيا، غالباً ما يكون لها معرفون يخدعون النساء الساذجات بقبول عروض لأعمال مربحة ومحترمة في بلدان بعيدة. وعلى سبيل المثال، يلعب رجال العصابات البلغارية دوراً بالغ الأهمية في المتاجرة بالبشر. فهم يرسلون النساء جنوبا عبر اليونان إلى الاتحاد الأوروبي وإلى تركيا والشرق الأوسط في الجنوب الشرقي، وغربا إلى ألبانيا، وشمالاً إلى جمهورية الشيك وألمانيا. وقد نجد، مثلا، فتاة تنقلت في أسواق مالدوفيا وأوكرانيا وروسيا ومصر والخليج ولبنان قبل أن ينتهي بها المطاف في ماخور في تل أبيب. وَتخلُص كارولين مورهيد إلى القول إن معظم الوسطاء العاملين في هذه التجارة هم من النساء، وقد يدفع العوز المادي، الأصدقاء أفراد العائلة من عمات أو حتى آباء على التضحية بمن َيّدعون حبهم. |
|
|||||||||||||