العدد 27 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

يحب اللونين الأسود والأبيض. وهو واثق من نفسه، ومنكب على التفاصيل لدرجة مرهقة، وسياسي حاذق يعرف متى ينتهي الممكن.. فلا يجاوزه.

تحدر من عائلة مثقفة، وإقطاعية بالمقاييس الفلسطينية، فجده كان يمتلك «خربتين كاملات» في «دورا» بجبال الخليل، ووالده عمل أستاذاً، وعرف بوصفه مثقفاً مقرباً، وصديقاً حميماً لعصبة التحرر الوطني الفلسطيني «التسمية الأولى للحزب الشيوعي». «كان مألوفاً في طفولتي أن أرى الوالد يقرأ شكسبير، وكارل ماركس، من ضمن الكتب الكثيرة التي احتوتها مكتبته».

ولد مروان دودين في العام 1936 في بئر السبع ، حيث كان أبوه يدرس. علم في مقتبل صباه، أن والده وقع إلى جانب 60 شخصية أخرى ضمت مسلمين ومسيحيين ويهوداً فلسطينيين على وثيقة «تطالب بأن يترك للشعب الفلسطيني حق تقرير مصيره دون تدخل من أحد، لا عصابات صهيونية ولا جيوش عربية ولا غيرهم، وأن يختار الشعب الفلسطيني بعربه ويهوده قيام دولته الواحدة المستقلة والديمقراطية.

يذكر أن توقيع والده على هذه الوثيقة «جر عليه هجوماً من قبل من أسماهم بالرعاع، على اعتبار أنه جبان ومنبطح» ويشير إلى أن هذا الموقف تحول الى خيار في سنوات الخمسينيات والستينيات، فكثيراً ما سمع من مثقفين قولهم لأبيه: «يا ريتنا يا أبو مروان ردينا عليك».

تقرب دودين في سنوات مراهقته برفقة رفيق النتشة «أول رئيس للمجلس التشريعي الفلسطيني» ، من حركة الإخوان المسلمين، لكن تأثيرات الشيخ عبد القديم زلوم، خليفة الشيخ النبهاني مؤسس حزب التحرير، والشيخ أسعد بيوض التميمي الذي درسه في مدرسة الخليل الثانوية، أدت به الى أن يصير تحريرياً.

حالته الأصولية لم تستمر طويلاً، فغداة الثامنة عشرة من عمره أخذ يقترب من الاشتراكية العلمية، بعيد أن قرأ أجزاء مهمة من «رأس المال» وشطرا من مؤلفات لينين.

حبه الأول كان بالمراسلة ومن بعيد، لواحدة من بنات الخليل اللواتي يتلوى السحر في أعطافهن.

حاز المترك العام 1953، وشد الرحال الى أرض الكنانة لإكمال التوجيهية المصرية، ومن ثم انتسب إلى جامعة القاهرة دارساً للأدب الإنجليزي. الجو الأدبي في المحروسة أخذ لبه، فارتاد المقاهي الأدبية كـ«ايزوبتش والفيشاوي» والتقى بالعديد من نجوم الأدب أمثال: صلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، ونجيب سرور، والشاعر السوداني تاج السر الحسن.

عمل في أثناء دراسته في مجلة «روز اليوسف» مترجماً بمعية لويس إدريس، وصلاح جاهين.

تلك الأجواء تدفعه للقول: «لولا لقمة العيش لانتهيت أديباً».

فور عودته إلى وطنه عين أستاذاً في دار المعلمين في العروب. وكان حين يسأل أحد البسطاء عن هذا الشاب الذي جاوز العشرين يذرع طرقات المدينة القديمة في الخليل، غير هياب، كان يجيبه آخر: اسكت هذا أستاذ بعلم الأساتذة!.

ترافق إلحاح ذويه عليه بإكمال نصف دينه مع إعجابه بمعلمة كانت تستقل الحافلة معه إلى حلحول». وصارت القسمة ورزق في العام 1961 بابنه البكر صخر.

ابتداءً من العام 1963 عمل في السعودية، وعاد إلى الأردن بعد حرب 1967 ، بعد تجربة مريرة سياسية الطابع. وعلى خلفية الهزيمة.

عمل في شركة «عالية» الخطوط الجوية الملكية الأردنية بضع سنين، ترقى خلالها عدة ترقيات استثنائية لفت من خلالها أنظار رئيس مجلس إدارة عالية ولي العهد السابق الأمير الحسن، الذي رشحه مديراً للإذاعة العام 1971 وهو المنصب الإعلامي الأكثر أهمية آنذاك، ولم تكن ذيول أحداث أيلول قد انتهت. وقدمه الى وزير الإعلام عدنان أبو عودة.. فوافق.

جاء دودين وزيراً للثقافة والإعلام في حكومة زيد الرفاعي 1973 ثم وزيراً لشؤون رئاسة الوزراء. لكن مشواره مع الوزارة لم يكتمل، فقد تم تخفيض عدد الوزراء من أصول فلسطينية ،بسبب مقررات قمة الرباط باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

عين في العام 1978 سفيراً في رومانيا نظراً للاعتقاد الذي ساد بأن الرئيس الروماني تشاوشيسكو لعب دوراً في ترتيب زيارة الرئيس المصري السادات للقدس. لكنه اعتبرها بمثابة إبعاد له، فقال عبارته: «أنا أصلًا بديش أظل في البلد لأنها مليانة عباقرة». عاد وزيراً للزراعة في حكومة مضر بدران 1980 ، «وزير قلم قايم» لمدة 43 شهراً.

وحين شكل الرفاعي حكومته في العام 1986 جاء وزيراً لشؤون الأرض المحتلة، ومن ثم وزيراً للعمل 1989 .

مرة أخرى أثرت التطورات في الجانب الفلسطيني على سيرته الوظيفية، فعندما أعلن المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر 1988 نيته إقامة حكومة في المنفى تم إلغاء وزارة شؤون الأرض المحتلة، لكن الرفاعي أصر على إبقاء دودين في الحكومة وعينه وزيراً للعمل.

«هناك اثنان يحق لهما أن يرأساني: علي غندور «رئيس عالية الأسبق» و«زيد الرفاعي» يقول دودين.

باعتباره وزيراً للعمل ورئيساً لمجلس إدارة الضمان الاجتماعي بحكم منصبه اشترى أسهماً في صحيفتي «الرأي» و«الدستور»، «الذي يعد الآن قراراً موفقاً، لكن قراره أيامها كان عرضة لهجوم مـن يسميهم بـ «الثوريين» الذين أبدوا حرصاً على استقلالية الصحيفتين، وقالوا: «إن حكومة الرفاعي تسعى للسيطرة على الصحافة» بحسب رأيه.

يطل عبر سيرته الوظيفية في الحكومة ،تساؤل مشروع حول كيف استطاع أن يكون مقنعاً لكل من زيد ومضر بدان، اللذين كانا يحرصان على أن يأتي كل منهما غداة تشكيله لحكومة بأشخاص مقربين منه. يجادل هو« الاثنان كانا يحباني، وقد زاملت مضر في وزارة الرفاعي الأولى، وهذا سر المحبة والود بيننا». ويضيف«لست من أزلام احد.. ».

حين دارت عجلة السلام مع إسرائيل عقب مؤتمر مدريد كان من ضمن الوفد الأردني للمفاوضات الثنائية التي جرت في واشنطن العام 1993 ،وترأس بعدها الوفد الأردني للمفاوضات متعددة الأطراف «مجموعة اللاجئين» .

ثم عين نهاية التسعينيات عضواً في مجلس الأعيان .

أما خصومه فيقسون عليه، «ولا يتورعون عن وصفه بالانتهازي والمتنكر لفلسطينيته»، فيما يعتبر أنه « ليس انتهازياً ولكن أعداء النجاح يزاودون عليه» ، ويشرح «أنا أردني بموجب قانون الجنسية الذي أقره البرلمان المشترك العام 1950، مؤمناً بمقولة أن الشعب الأردني فلسطيني حينما تتعرض فلسطين للخطر والشعب الفلسطيني لا يقبل للأردن إلا المنعة والخير والازدهار، وأن الوحدة الوطنية هي الأبقى والأكثر جدوى لجميع الأطراف».

كلما مضت الأيام يزداد قناعة بالبيان الذي وقعه والده: «يا ترى لو أننا تجنبنا كل هذه «الطعة» التي صارت، كيف سيكون حالنا الآن»؟.

شخصية سياسية رأست وزاملت دودين في محطات مهمة من مشواره السياسي قالت حين سألناها عنه: معلش بديش اعلق..!

مروان دودين: ضل الطريق الى الأدب فاحترف السياسة
 
22-May-2008
 
العدد 27