العدد 26 - كتاب | ||||||||||||||
منذ وقت مبكر تمكنت الدولة الإسرائيلية من صياغة أساطير خاصة بها، وعبرها اخترقت العقل والوجدان في الغرب وقامت بالتغطية على فظائعها، بما في ذلك جريمة نشوء الدولة. الأسطورة هنا هي مزيج من المبالغة المتعمدة والمعلومات المبتورة واستغلال وقائع صحيحة، ولا تعني بالضرورة الكذب المطلق والوهم وما ششاكل ذلك. وهي تفعل مفعول السحر في جمعها بين ما هو رمزي وما هو واقعي. الأساطير المقصودة ثلاث وهي : المحرقة النازية، والعداء للسامية، وإسرائيل واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. لنلاحظ هنا : المحرقة تحولت الى صناعة سياسية وإعلامية : تم احتكار الألم وتناسي ضحايا النازية من غير اليهود.تم التغاضي عن كون اليهود الضحايا من الأوروبيين، ولا يتبعون الدولة الإسرائيلية غير القائمة آنذاك.ثم جرى استغلال الأمر لإرهاب فكري يحظر بموجبه البحث في تفاصيل المحرقة، حتى من طرف من يقرون بارتكابها. في العداء للسامية جرى اعتبار اليهود، وهم متعددو الأعراق والقوميات في الأصل.. ساميين ويحتكرون السامية، علماً أن الفلسطينيين أنفسهم ساميون. في "واحة الديمقراطية" جرى اعتبار الاقتلاع والتطهير العرقي وتدمير القرى وأماكن العبادة والتمييز ضد غير اليهود، من الهنات الهينات القابلة للتسامح معها. هذه بعض مظاهر التحريف لوقائع صحيحة : فالمحرقة وقعت وتستحق كل إدانة، لا توظيفها للتغطية على فظائع لاحقة ارتكبتها المؤسسة الصهيونية. والعداء للسامية هو في الأصل عداء مجتمعات أوروبية لأوروبيين يهود. غير أن مزج جزئية واقعية تاريخية بمحمول ميثولوجي يفعل فعل السحر.رغم أن مثل هذا العداء يتم النفخ به، ورفعه كموضوع مستقل، فيما موضعه الحقيقي ضمن منظومة التمييز والعنصرية ضد كل الأقوام والأديان والثقافات، لا خارج هذه المنظومة أو فوقها. هناك حياة ومؤسسات ديمقراطية في إسرائيل، لا مراء في ذلك ومن السخف إنكارها، غير أنه يتم تسخيرها وظيفياً، لإنكار حق الضحايا، وهم شعب فلسطين، في الحرية وتقرير المصير وتصفية قضيتهم الوطنية: "سلبوا أرضنا ومنحونا بدلاً عنها ديمقراطية..ليأخذوا ديمقراطيتهم ويعيدوا لنا أرضنا" قال عزمي بشارة ساخراً ذات مرة. وقال في موضع آخر: الدولة الإسرائيلية ديمقراطية حيال اليهود، ويهودية إزاء العرب. من المهم وضع هذه الأساطيرتحت مجهر التحليل والنقد، ولعل الأكثر أهمية هو إثارة التساؤل التالي: لماذا لم تعمل النخب الفلسطينية والعربية على صياغة ما يشبه "الأساطير" تأسيساً على وقائع فعلية: من مجازر دير ياسين وقبية والسموع وصبرا وشاتيلا وجنين.الى النسب السامي للفلسطينيين، الى تصوير الحياة المزدهرة التي كانت قائمة قبل قيام الدولة الصهيونية، الى ترجمة واسعة للأدب والتراث الفلسطيني ولأعمال الرموز والشخصيات الفكرية. لماذا لم يتم بعد إقامة متحف للذاكرة الفلسطينية في أي مكان من العالم، وخاصة في أوروبا وأميركا الشمالية؟. |
|
|||||||||||||