العدد 26 - أردني | ||||||||||||||
خليل الخطيب في القمة العربية الأولى التي عقدت في القاهرة العام 1964، اتفق العرب على"تخويل أحمد الشقيري، ممثل فلسطين في الجامعة العربية، أن يتابع اتصالاته بالدول الأعضاء في الجامعة، وشعب فلسطين،حيثما وجد، ليبحث معهم الطريقة المثلى لتنظيم شعب فلسطين، وذلك تمهيداً لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بهذا التنظيم". وكانت هذه الصيغة هي الأساس الذي بنيت عليه منظمة التحرير الفلسطينية لتشكل التقاء في نقطة وسط بين الأردن، الذي كان آنذاك مكوناً من الضفة الغربية، التي تضم الأراضي الفلسطينية التي لم تحتلها إسرائيل خلال عامي 1948 و1949، وبين الدول العربية ممثلة بجامعة الدول العربية "التي لم تعترف معظم دولها بقرار وحدة الضفتين باعتباره قرار ضم من طرف واحد" كما يستذكر عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، لثلاث دورات بهجت أبو غربية. في 28/5/1964 عقد أول مجلس وطني فلسطيني جلسته الأولى في فندق كونتيننتال في القدس. وقد افتتح الراحل الملك الحسين بن طلال تلك الجلسة بخطاب شدد فيه على ضرورة تناسي الخلافات والتعاون من أجل تحرير فلسطين، و"دعم الفلسطينيين الذين قرروا تنظيم صفوفهم وفق مشيئتهم". وتابع الحسين: "أرجو أن يعلم الجميع أن إنشاء منظمة التحرير، والكيان الفلسطيني، لن يتعارض مع وحدة الضفتين التي ارتضيناها." وقطع على نفسه عهدا بأن "أبذل دمي في سبيل فلسطين". يفسر أبو غربية رعاية الملك المفاجئة لإعلان انطلاق المنظمة رغم معارضته فكرة وجودها بأن أحمد الشقيري، القيادي الفلسطيني، الذي كلفته جامعة الدول العربية بتنفيذ مقررات قمة القاهرة بتنظيم شعب فلسطين "كان "يؤكد في تصريحاته أن هدف المنظمة ينحصر في تحرير الأراضي المحتلة، ما اعتبره البعض التزاماً بعدم العمل داخل المخيمات الفلسطينية في الأردن." كما يستذكر أبو غربية. حضر جلسة الإعلان هذه مندوبون عن مصر، العراق، تونس، وسورية، ولبنان، والسودان، والكويت. كما حضرها أمين الجامعة العربية، عبد الخالق حسونة، ورئيس قسم فلسطين في الجامعة العربية، ويعقوب الخوري، وقاطعتها السعودية. لم تحظ منظمة التحرير الفلسطينية بتأييد مهم بين القوى الفلسطينية الفاعلة آنذاك، فباستثناء الاتحاد العام لطلبة فلسطين الذي اعتبر نفسه جزءاً من مؤسسات المنظمة، فإن الحركات الفدائية كحركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية لم تشارك في أنشطة المنظمة، وآثرت الابتعاد عنها، لأنها نظرت إليها بوصفها جهازاً بيروقراطياً يفتقد النفس الكفاحي. وكان هذا أيضاً، رأي الحركات السياسية التي كانت ترفع شعارات قومية مثل: القوميين العرب، والبعثيين وكذلك الشيوعيين، فقد وجد هؤلاء في المنظمة صيغة تفتقر إلى المستوى الكافي من النفس الكفاحي، بحسب وثائق استخبارية بريطانية نشرت تحت عنوان"منظمة التحرير الفلسطينية، والأحزاب والفصائل الفلسطينية". أما موقف الهيئة العربية العليا لفلسطين، بقيادة الحاج أمين الحسيني، فجاء صارماً وقاطعاً، حيث وجد فيها كياناً بديلاً للهيئة، ورغم محاولات الشقيري استرضاء الحسيني بأن عرض عليه رئاسة المجلس الوطني، فإن رفض الهيئة بقي قائماً، بحسب الوثائق نفسها. وحصلت المنظمة على منبر إذاعي في مصر، وتشكلت كتائب جيش التحرير في سورية، والعراق. السعودية أبدت تحفظها على أساس أن هذا الكيان قد بني على أساس الاختيار وليس الانتخاب، فيما عبر لبنان عن موافقة مشروطة بعدم قيام المنظمة بتنظيم أي أعمال تدريب عسكري على أراضيه. علاقة المنظمة مع الأردن شابها الحذر والتوتر وعدم الثقة منذ البدء، وكثيراً ما كان ذلك بسبب التصريحات التي كان يطلقها المحامي الشهير ببلاغته أحمد الشقيري، كما ألمح إلى ذلك يحيى حمودة الرئيس التالي لمنظمة التحرير الفلسطينية في مقابلة مع صحيفة «عكاظ» السعودية بتاريخ 10/9/2006. وتشير الوثائق البريطانية إلى الحملة التي قادها الشقيري مطالباً الأردن بدخول جيش التحرير الفلسطيني إلى الأراضي المحتلة العام 1948 وتسليح القرى المتاخمة للحدود، وذلك بعد الهجوم الإسرائيلي على قرية السموع القريبة من الخليل في 13/11/1966 والقيام بأعمال قتل، وتدمير لمنازل القرية. الحملة التي قادها الشقيري دفعت الحكومة الأردنية سحب الاعتراف بالمنظمة في4/2/1967. ويستذكر حمودة حواراً مع الشقيري أجراه هو وعبد الخالق يغمور، وبهجت أبو غربية، ونمر المصري حول تصريحاته النارية التي اعتبروها مضرة بالقضية، معتبراً أن هذا الحوار كان "المقدمة الأولى لاستقالة الشقيري". لكن "هزيمة 1967 والمذكرة التي بعثتها حركة فتح للجامعة العربية تشكو فيها من تصريحات وهمية عن عمليات فدائية يذيعها الشقيري من إذاعة المنظمة، وقرار اللجنة التنفيذية بمطالبته بالاستقالة"، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير و"دفعت الشقيري للاستقالة." يؤكد حمودة، وتسلم حمودة نفسه رئاسة المنظمة، وهو بقي في منصبه هذا حتى العام 1969 حين تسلمتها المنظمات الفدائية التي كانت حققت شعبية كاسحة بين الفلسطينيين، وبخاصة بعد معركة الكرامة في 1968. يصف أبو غربية مرحلة ما بعد يحيى حمودة بأنها مرحلة "الاستيلاء على المنظمة من قبل حركة فتح". ففي تموز 1967 انضمت فتح للمنظمة، وتم الاتفاق على أن يكون عدد أعضاء المجلس الوطني مئة نصفهم من الفصائل الفدائية والنصف الآخر من المستقلين. "تأكدت لنا نوايا فتح بالسيطرة على المنظمة عندما جاءنا أبو إياد في العام 1968 بعد معركة الكرامة تحديداً مطالباً بحل المجلس الوطني وتشكيل مجلس جديد، ورغم أن هذا المطلب لم يكن مبرراً، إلا أنه لقي قبولاً نظراً للشعبية التي حصلت عليها فتح بوصفها قائدة العمل العسكري وبطلة معركة الكرامة."يقول أبو غربية. وهكذا تقرر تشكيل المجلس الجديد وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة بعد ستة أشهر كانت كافية لفتح لتحشد قواها وتحقق الأغلبية داخل المجلس، ومن ثم داخل اللجنة التنفيذية التي انتخب عرفات رئيساً لها". عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، إسحق الخطيب، يرى أن ما حصل "لا يجوز تسميته عملية استيلاء، فالتحليل الموضوعي لما حصل يؤكد أن فتح تمكنت من الحصول على الأغلبية بجدارة وهذا حقها لأنها تمكنت من تقديم بديل كفاحي يتجاوب مع أماني الشعب". وينبه الخطيب إلى أنه " لولا فتح ونهجها الكفاحي لما بقيت المنظمة على قيد الحياة، ولكان مصيرها مصير العديد من المؤسسات المنبثقة عن الجامعة العربية". ولئن كانت السيطرة على المجلس الوطني قد كفلت لفتح السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية، بحسب حمودة، فإن قمة الرباط 1974 قد كفلت لها السيطرة على المصير الفلسطيني، الأمر الذي رفضه الملك الحسين حينها رغم الإجماع العربي المستند إلى زعامة مصر الخارجة من حرب أكتوبر 1973 بانتصار، بحسب أبو غربية. لكن انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى في نهاية العام 1987 غيرت الكثير من المعادلات،إذ بلغ حجم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني أقصى درجاته، ورأى العالم، ربما للمرة الأولى، مشاهد تظهر حقيقة الاحتلال الإسرائيلي؛ الشعب الفلسطيني في الداخل يؤكد التفافه حول منظمة التحرير الفلسطينية. في هذه الأثناء حدثت تطورات على صعيد القضية الفلسطينية، إذ إن حواراً غير مباشر بين منظمة التحرير، والولايات المتحدة جعل الأخيرة تشترط اعتراف المنظمة بالقرار 242 لبدء حوار معها. وقد تم ذلك في دورة المجلس الوطني الفلسطيني في تونس في العام 1988 التي اعترفت بالقرار المذكور مع تحفظ من جانب بعض القوى الساسية الفلسطينية. حدث كل ذلك في ظل تضامن غير مسبوق عربياً، ودولياً مع الشعب الفلسطيني. في خضم هذه الأحداث أجرى الراحل الملك الحسين، سلسلة من اللقاءات الشعبية المفتوحة مع العشائر الأردنية، والشخصيات العامة، ومؤسسات المجتمع المدني الأردني في رمضان "أيار" 1988 وذلك تمهيداً لقرار فك الارتباط. وخلال هذه اللقاءات أوضح الملك أن الوحدة بين الضفتين هي وحدة "مؤقتة ومشروطة" بموجب قرار الجامعة العربية الصادر في حزيران 1950 الذي ينص على أن الأردن "يحتفظ بهذا الجزء وديعة". الباحث الفلسطيني، مهدي عبد الهادي عبد الهادي، لا يعيد قرار فك الارتباط لذي اتخذه الملك في ذلك الوقت إلى قرارات قمة الرباط فقط، ولكنه يلفت إلى "رسائل سلبية تلقاها الملك من الشعب الفلسطيني في الضفة والمخيمات الفلسطينية في الأردن، ورسائل عربية أعقبت انطلاقة الانتفاضة في كانون الأول 1987". لكن عبد الهادي الذي أعد دراسة تحت عنوان "الانفصال الأردني: أسبابه وآثاره" صدرت عن الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية العام 1988، لا يغفل الرسائل الإسرائيلية الخطيرة التي تلقاها الملك من خلال صعود اليمين الإسرائيلي في الانتخابات وما كان يتداوله أقطابه من الحديث عن الأردن كوطن بديل للفلسطينيين طوعاً أو قسراً. ويتفق مع ما ذهب إليه عبد الهادي المؤرخ، والبروفسور في جامعة أوكسفورد، آفي شلايم، الذي يرى أن الانتفاضة "أدت إلى اعتراف الولايات المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وطرحت مبادرة سياسية لحل القضية عرفت حينها بمبادرة شولتز". ويورد شلايم، في كتابه حواراً بين الملك الراحل، ومستشاره السياسي آنذاك، عدنان أبو عودة، فلسطيني الأصل، تظهر أن الأخير أشار على الملك بفك الارتباط من زاوية "لا بد مما ليس منه بد". |
|
|||||||||||||