العدد 26 - أردني
 

سامي مهنا*

تفرض السلطات الأسرائيلية الخدمة العسكرية قسرًا على أبناء الطائفة العربية الدرزية، على أن رفض التجنيد يزداد يومًا بعد يوم، ويتحوّل إلى ظاهرة تقلق المؤسسة الاسرائيليلة نظرًا لخلفيات الرفض وأبعاده السياسية والقومية. لجنة الخارجية والأمن في الكنيست اضطرت لبحث الموضوع لأول مرة في تاريخها قبل سنوات كأحد المواضيع «الشديدة الخطورة» التي تواجهها. ما زال هذا البحث قائمًا ومرفقًا بمخططات لتحجيم ظاهرة الرفض، ترافقها مخطّطات لإلحاق باقي المكونات العربية داخل إسرائيل في صفوف جيش الاحتلال، وقد بدأت المؤسسة بإخراج مشروع الخدمة المدنية والوطنية لجميع العرب في الداخل إلى حيّز التنفيذ.

الأطر التثقيفية المناهضة للتجنيد مثل حركة "ميثاق المعروفيين الأحرار" "ولجنة المبادرة الدرزية" "وحركة المبادرة المستقلّة" تتعرض لتحريض وضغوط غير مسبوقة من قبل الدوائر الصهيونية.

اللافت أنّ هنالك تغّيرٌاً وانعطافاً فكرياً ملموساً في صفوف الطائفة العربية الدرزية، بعد فشل مؤامرة «التدريز» وسلخ أبناء الطائفة عن انتمائهم الوطني والقومي تلقى الفشل ، ومع تراجع ملموس في صدقية وقوّة ما سمّي «بالحلف» بين أبناء الطائفة العربية الدرزية وبين المؤسّسة الصهيونية. هذا التغيير ينعكس على قضية خدمة أبناء الطائفة في الجيش الإسرائيلي، ويزيد من عدد الرافضين من منطلقات وطنية وقومية وضميرية.

بلغ عدد الدروز في فلسطين العام 1948 نحو 14 ألف نسمة، و يقارب العدد حالياً المائة ألف نسمة. يتوزّعون على 18 قرية اثنتان في جبل الكرمل و16 قرية في الجليل.

شارك الدروز في فلسطين مشاركة فعّالة في النضال ضد الاستيطان اليهودي وكانوا جزءاً من ثورة عز الدين القسام. خلال حرب 1948 شارك الدروز في جيش الإنقاذ بفوج من جبل الدروز وسرية من هضبة الجولان، كما شارك كثيرون من دروز فلسطين في تلك الحرب، وتمركزت مجموعاتهم في الجليل، فتركز فوج بقيادة شكيب وهاب في شفا عمرو، وسرية بقيادة الملازم مفيد غصن في يركا. سقط للدروز عدد من الشهداء في مواقع مهمة مثل اللّيّات وحرفيش ويانوح وجدّين. فيما سقط 16 شهيداً في معركتي الهواشي والكساير.

في العام 1956 قرّرت وزارة الحرب(الدفاع) استثناء الدروز من قرار إعفاء العرب من الخدمة العسكرية، مع جملة إجراءات هدفت إلى إخضاعهم منها مصادرة 75% من أراضيهم وربطهم بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي، فكانت مواردهم تقتصر على الوظائف الحكومية والعمل في الخدمة العسكرية.

الأرشيفات الإسرائيلية نفسها تنبىء أنّه كان هناك رفض للخدمة العسكرية ، بدأ مبكراً لكنّه قٌمع بقوّة وشراسة. أوّل المعارضين لقانون التجنيد الإجباري هو الشيخ فرهود فرهود الذي أصدر أول عريضة ضد التجنيد الإجباري في العام 1956وقع عليها 42 شخصية من دروز قرية الرامة، ورفعت إلى رئيس دولة إسرائيل آ ذاك إسحق بن تسفي بتاريخ 5-3-1956 ، ثم توالت العرائض وتزايد عدد الموقعين عليها.

في العام 1971 أصدر بياناً دعا فيه إلى إلغاء التجنيد وتضافر الهمم، لتنظيم مسيرة ضد مخططات السلطات الإسرائيلية الرامية لفصل الدروز عن أبناء شعبهم، ودعا إلى تأسيس لجنة المبادرة الدرزية. وتلاقى مع مجموعة أطلقت على نفسها "مجموعة الشباب الأحرار" ضمتّ الشاعر سميح القاسم وآخرين وأسس وترأس لجنة المبادرة العربية الدرزية عام 1972. ما زالت لجنة المبادرة الدرزية فعالّة حتى اليوم، وقد نشأت بالإضافة إليها "حركة المبادرة المستقلّة"، و"حركة ميثاق المعروفيين الأحرار" التي أسهها النائب الحالي في حزب التجمع الوطني الديمقراطي سعيد نفاع مع مجموعة من بينها كاتب هذه السطور، وبدأت انطلاقاتها في مؤتمر التواصل القومي في عمّان الذي ضمّ شخصيات منها وليد جنبلاط وقيادة الحزب التقدّمي الاشتراكي اللبناني، حيث دعا المؤتمر إلى تصعيد النضال ضد قانون الخدمة الإلزامية المفروضة قسرًا على أبناء الطائفة الدرزية، ومحاربة التجند عند باقي الطوائف العربية في إسرائيل. تجدر الإشارة إلى ظاهرة تجند طوعي فردي من باقي المكونات العربية في إسرائيل ،لا سيّما بين البدو إضافة إلى التجنيد الإجباري المفروض على المسلمين الشركس.

عملت المؤسسة الصهيونية منذ الخمسينيّات على فصل الدروز داخل إسرائيل عن ابناء شعبهم وأمّتهم، ومحاولة اقتلاع جذورهم الحضارية ومحو ذاكرتهم التاريخية.

في العام 1961 صدر قرار بفصل المحاكم الشرعية الدرزية عن المحاكم الشرعية الإسلامية، وشكّلت الحكومة الإسرائيلية مجلساً خاصاً بالطائفة.

في العام 1962 بدأت الدوائر الإسرائيلية بتغيير مسمى الهوية على البطاقات الرسمية من عربي إلى درزي وتغيير أعياد الدروز، وفصل المنهاج التدريسي الدرزي عن المناهج العربية، وإدخال مواضيع منهجية مُختلقة كموضوع «التراث الدرزي» «وتاريخ الدروز» اللذان استهدفا تضليل الطالب في مراحله التعليمية الأولى، وزرع فكرة وهمية مفادها أن تاريخ وتراث الدروز يختلفان عن تاريخ وتراث باقي العرب في محيطه الشرق أوسطيّ. هكذا فإن الشبان من أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل يُعانون أزمة هوّية بشكلٍ حاد وخطير.

الدروز حتّى اللحظة مضطهدون من المؤسّسة الحاكمة، التي لم تمنح الطائفة العربية الدرزية حقوقًا مميّزة عن باقي الأقلية العربية في البلاد، حتّى أن الإحصائيات والدراسات تشير إلى أنّ الدروز في إسرائيل عامّةً متخلّفون عن باقي الأقلية العربية في جوانب مدنية عدّة.

ولم ينجُ أبناء الطائفة الدرزية من عمليات مصادرة وسلب أراضيهم من قبل الدولة، ومحاولات الاستيلاء على الاراضي ما زالت مستمرّة حتّى اللحظة، وقضية محاولة الاستيلاء على الأراضي في منطقة الكرمل متواصلة.

وأثبت وقائع عديدة أن الدولة الاسرائيلية وأذرعها العسكرية تتعامل مع الطائفة الدرزية بعدوانية لا تقل عن عدائها في التعامل مع باقي الأقلية العربية الفلسطينية ، وأحداث قرية البقيعة في 30.10.2007 ما زالت ماثلة في الأذهان ،حين اقتحمت قوّة هائلة تصل إلى المئات من أفراد القوى الخاصّة في الشرطة والجيش وأطلقوا الرصاص الحي وقنابل الغاز على المواطنين ما أسفر عن عشرات الجرحى، أثر كسر لاقطة هوائية ليهودي في مستوطنةٍ محاذية للقرية.

بهذا فإن وضع الطائفة الدرزية في اسرائيل أسوأ من وضع باقي الأقليّة الفلسطينية، وذلك للاضطهاد الثقافي وممارسات تقويض هويتهم الثقافية والحضارية، وتحويلهم إلى أداة عسكرية/ إعلامية تلقي عليها المؤسسة العسكرية الاحتلالية مسؤولياتها وموبقاتها قدر ما تستطيع، وتلقيها في خندق مواجهٍ وتقاتلٍ مع أبناء شعبهم، إضافة إلى الاضطهاد المدني وعنصرية الدولة حيال مواطنيها العرب ومن ضمنهم الدروز.

*كاتب وناشط سياسي.الجليل قيادي في "التجمع الوطني"

“التدريز” لقي بعض النجاح ومقاومته بدأت باكراً
 
15-May-2008
 
العدد 26