العدد 4 - ثقافي | ||||||||||||||
أسابيع قليلة تفصل أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين عن الانتقال إلى «بيتهم» الجديد في حيّ راقٍ بمنطقة الشميساني بعد إقامة دامت أكثر من ثلاثين عاماً -هي عمر الرابطة- في أحضان «اللويبدة»، المنطقة التي يعنّ للمثقفين وصفها بـ«حارسة الثقافة» وموئلها، والبقعة التي تجسد روحَ عمان وتاريخها وأصالتها. وقد استتبع قرار الرحيل هذا تداعيات ومفاعيل ما تزال حاضرة بكثافة في لقاءات الكتاب ومجالسهم وكتاباتهم الصحفية أيضاً، فالأمر يتعدى كونه انتقالاً إلى مكان أوسع، والمقر الذي سيغادره الكتّاب ليس جدراناً وقاعات وحسب، وإنما هو شريك في ذكريات قارّة في وجدان هؤلاء الذين احتضنهم واحتضنوه، وشهدوا إغلاقه بالشمع الأحمر منتصف الثمانينيات (زمن الأحكام العرفية)، ودافعوا عن “استقلاليته” بضراوة.. وهو بالإضافة إلى ذلك، مكان يعرفه القاصي والداني، واتخذ بمرور الزمن أبعاداً ودلالات رمزية تجعل من قرار “فك الارتباط” عنه قراراً صعباً. وعليه، يرى مثقفون أن قرار الرحيل هذا ربما يكون أكثر قرارات الإدارة الجديدة للرابطة جرأةً على الإطلاق، لذا يحظى بنقاش وافر في أوساط المثقفين، وربما سيلقي بظلاله على نقاشات المؤتمر السنوي للهيئة العامة في حزيران المقبل. ومما يُذكر في هذا السياق ما دعاه الكاتب ناهض حتر “تداعيات مؤسفة” على جبل اللويبدة بسبب قرار الرحيل، متوقعاً في عموده اليومي في صحيفة “العرب اليوم” أن “يسيل لعاب الهيئات الثقافية الأخرى التي تتجمع في اللويبدة الآن للرحيل عن ياسمينه”، عادّاً قرار الرحيل “ضربة لروح عمّان، لا تأتي هذه المرة من رجال الأعمال والليبراليين الجدد، بل من الكتّاب ومن رابطتهم”. وهو ما رأى فيه معتدلون في الرابطة ردَّ فعل قاسياً على قرار كان سيُتَّخذ في زمن أية هيئة إدارية سابقة لو كانت الظروف مناسبة والإمكانيات متوفرة. بل إن بعض المتحمّسين لقرار الرحيل يأسفون لتعبير حتر أنه حزين “لأن الضربة تأتي الآن من مكمنها”على حد قوله في مقالته المشار إليها. ويوضح رئيس الرابطة القاص سعود قبيلات أن فكرة «المقر البديل» طُرحت باستمرار على أجندة الإدارات السابقة، كما تضمنها البرنامج الانتخابي لتيار القدس - الذي فاز بموجبه في الانتخابات التي جرت في حزيران الماضي، بسبعة مقاعد، مقابل أربعة لتجمع المثقفين الديمقراطيين. ولا يخفي قبيلات إحساسه بالمفاجأة من تحفُّظ بعض الكتّاب على قرار استئجار المقر الجديد، ومبعث ذلك، حسب وصفه، أن هؤلاء «كانوا من الضاغطين بشدة باتجاه الرحيل»، نظراً لضيق مساحة المقر الحالي، وعدم قدرته على تلبية احتياجات الأعضاء المتنامية، بالإضافة إلى توسع أنشطة الرابطة التي تتطلب مساحات متعددة، وفضلاً عن ذلك كله أن المقر «التاريخي» يقتصر استخدامه على إقامة الأنشطة الصغيرة، مما يضطر الرابطة إلى إقامة فعالياتها الكبيرة في مركز الحسين الثقافي أو المركز الثقافي الملكي، فيما من المتوقع أن تقام مثل هذه الفعاليات في المقر الجديد الذي يتسم بتعدد المساحات والمرافق، وتنوع استخداماتها. وفيما يلفت قبيلات إلى أن إحدى غايات استئجار المقر الجديد هي تطلُّع الهيئة الإدارية لتوفير نادٍ للكتّاب وأصدقاء الرابطة، خصوصاً وأن مرافقه تشتمل على بركة واسعة –على الأرجح أنها لن تُستخدم للسباحة- ومساحات خضراء حولها (حديقة خلفية) يمكن الإفادة منها كمقهى أو كافتيريا؛ فإن القاص يوسف ضمرة، أحد «عرّابي» تيار القدس تاريخياً، ورئيس الأمانة العامة للتيار (استقال من الرئاسة مؤخراً دون أن يُحسَم أمر استقالته)، ينبري ليؤكد أنه ضد تحويل الرابطة إلى نادٍ، مضيفاً أن المشكلة لا تكمن في مقر الرابطة وسعَتِه، إذ درجت الرابطة على إقامة فعالياتها الصغيرة في مقرها الذي ظل قادراً على استيعابها، ولم تكن ثمة مشكلة في إقامة الفعاليات الكبيرة في أماكن أخرى. لكن د.أحمد ماضي من جهته يرى أن المقر الجديد هو مقر، وليس نادياً، لذا فإنه لن يحلّ مشكلة الرابطة لأن الرابطة تحتاج إلى مجمع أو مقر دائم يضم نادياً ومكتبة تبيع إصدارات الأعضاء وكافتيريا ومرافق أخرى. إلى هنا تبدو الأمور قابلة للأخذ والرد والاجتهاد في ذلك. أما مكمن الفرس، فهو موضوع «التمويل» (الجهة التي ستدفع قيمة الإيجار) ومدى ارتباطه باستقلالية الرابطة واستقلالية قرارها أيضاً. ولتوضيح هذا الجانب. فقد واصلت إدارات الرابطة المتعاقبة مطالبةَ الجهات الرسمية بتوفير مقر «عصري» دائم للرابطة، أو المساهمة في دفع إيجار مقر جديد يلبي احتياجاتها ويليق بالكتّاب. وقد «انتزعت» هذه الإدارات وعوداً بهذا الشأن، كان آخرها خلال فترة رئاسة د.أحمد ماضي الذي أثار الموضوع خلال لقاء دعا إليه الملك عبد الله الثاني في الديوان الملكي العام الماضي مع المعنيين بالشأن الثقافي، وطالب د.ماضي أن تُمنَح الرابطة أسوة بنقابة الصحفيين قطعة أرض، وأن يُشيَّد لها مبنى عليه. كما كانت النية تتجه إلى أن تستأجر أمانة عمان مقراً جديداً للرابطة (وتأثيثه أيضاً) بناء على وعد من أمين عمان (السابق) نضال الحديد، وقد جرى بالفعل الإعلان عن نية الرابطة استئجار مقر جديد لها. وتشكلت لجنة لمتابعة الموضوع ومعاينة عدد من البيوت المرشحة لذلك. وأبدى عدد من أعضاء الإدارة السابقة تحفظاً على الأمر برمته وأبدوا خشيتهم من أن لا تكون الرابطة طرفاً في عقد الإيجار، مما قد يجعل مصيرها ومستقبلها رهناً بالمتغيرات والمزاجية، مثل تعيين أمين جديد لعمّان، أو تبدّل نظرة المؤسسة الرسمية للرابطة. ويذكر أنه تشكلت لجنة للإشراف على المقر الجديد برئاسة الروائي إلياس فركوح، تهدف إلى «إعداد المقر، واقتراح أفضل السبل لملء المساحات فيه بما يخدم مصلحة الرابطة ويحقق أهدافها». وهنا يلفت قبيلات إلى أن إدارة الرابطة الحالية أخذت هذا الأمر في الحسبان، وأن عقد الإيجار سيكون باسمها، رغم أن قيمة الإيجار ستدفعها الحكومة في السنة الأولى، وستتكفل وزارة الثقافة وأمانة عمّان بدفعه سنوياً بعد ذلك مناصفةً بعد إدراج المبلغ في موازنتيهما. وهو ما كان وعدَ به رئيس الوزراء (السابق) معروف البخيت خلال زيارته لمقر الرابطة والتقائه بإدارتها قبل شهرين، بحضور وزير الثقافة (السابق) عادل الطويسي، وممثل لأمين عمان عمر المعاني. أما الروائي عدي مدانات -الذي يذكّر أن مشروع تأسيس الرابطة انطلق من بيته على إثر انتحار الشاعرالروائي تيسير سبول، تحقيقاً لأمنية طالما هجس بها سبول تقضي بإنشاء هيئة ينضم تحت لوائها الكتّاب- فهو يتخذ موقفاً حذراً يدفعه إليه بحسب تعبيره «الحرص على الرابطة كجسم ثقافي مستقل، وعلى أن تستمر في تأدية رسالتها ومهامها باستقلالية»، فإن تستأجر الرابطة مقراً أرحب لنشاطاتها –والكلام هنا لمدانات- هو أمر حسن، ولكن «حين تكون قيمة الإيجار مبلغاً باهظاً يفوق طاقتها بأضعاف، فهو أمرٌ يستدعي القلق، ويبعث المخاوف، فتوفير قيمة الإيجار ليس بالأمر اليسير، وحتى لو جاء التمويل من الحكومة، فالحكومة جهة أخرى في النهاية، ومن الطبيعي أن يكون لها تطلعاتها الخاصة. ولنتذكر هنا أن الرابطة والحكومة لم يكونا يوماً على وفاق». وهو ما يتفق معه فيه ضمرة الذي يؤكد: «سنكون حينئذ مرهونين لجهة حكومية، فدفع الإيجار ليس قانوناً ملزماً للحكومة، وإذا ما تراجعت الحكومة عن هذا القرار، فستتورط الرابطة بالتأكيد». هذا الرأي وإن تكُن فيه وجاهة، لا يلبث أن يتزعزع إذا ما أُخضع للنقاش من زاوية أخرى، ينظر إليه منها كتّاب متحمسون لفكرة استئجار المقر الجديد، فموازنة الرابطة أصلاً تُدفَع لها من قِبل الحكومة، وحتى قيمة إيجار مقرها الحالي، تدفعه لها وزارة الثقافة. ويتساءل هؤلاء، ومنهم عضو الهيئة الإدارية الشاعر حكمت النوايسة: هل تحافظ الرابطة على استقلاليتها إذا كان ما تدفعه لها الحكومة 20 ألف دينار سنوياً مثلاً، فيما تفرّط بهذه الاستقلالية إذا كان المبلغ 30 ألفاً (قيمة إيجار المقر الجديد)؟ ويؤكد النوايسة: ما دامت الرابطة قبلت بالدعم الحكومي من حيث المبدأ، فإنه لم يعد لمناقشة موضوع قيمة الدعم أي معنى. وبين المتحمّسين لقرار الرحيل والمتحفّظين عليه أو الرافضين له، لا يتردد بعض الحالمين هنا وهناك من إبداء رغبتهم في أن يكون للرابطة مقر ملْكٌ لها، وهو حلم نوقش كثيراً في المؤتمرات السنوية واجتماعات الإدارات المتعاقبة، وأيضاً مع مسؤولين متعددي المستويات زاروا الرابطة أو زارتهم وفودٌ من الرابطة، ولكن من دون أن يسفر كل هذا عن شيء. حتى قطعة الأرض التي خصصتها أمانة عمّان للرابطة مقابل أجر رمزي، قبل سنوات طويلة، لا يمكن الاستفادة منها إطلاقاً، بحسب الذين عاينوا الموقع من ذوي الاختصاص من أعضاء الرابطة، فضلاً عن أنها أرض سكنية وليست تجارية. بل إن الرابطة عجزت عن توفير مبلغ يزيد قليلاً على قيمة إيجار مقرها الجديد لتحصل على مقر ضمن مشروع المدينة النقابية. والواقعيون من أعضاء الرابطة يدركون أن الحلم يظل حلماً، وأن مقراً مملوكاً للرابطة هو محض أمنية مستحيلة إن لم تقترن بإرادة سياسية حقيقية تُجسّدها واقعاً، نظراً لشحّ موارد الرابطة ولعدم وجود نوافذ استثمارية لها من أي نوع. لذا فإن «تلعب بالمقصقص حتى يجي الطيّار» على حد تعبير المثل الشعبي، هو خير رد على من ينتظر مقراً للرابطة لا ينازعها فيه أحد. فإن تحصل على مقر «فيلا» من طابقين، بمساحة تبلغ أضعاف مساحة المقر الحالي، وبمساحات متعددة الاستخدامات في الداخل والخارج، أفضل من البقاء أسير مساحة لم تعد ترضي الكثيرين من أبناء الرابطة وزوّارها أيضاً، ما دامت «الحكومة» ستدفع إيجار المقر الجديد مثلما واصلت دفع إيجار المقر القديم. |
|
|||||||||||||