على الرغم من نسبة التصريح الذي يشير إلى «رغبة صاحب الجلالة البريطاني في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين»، إلى وزير خارجية بريطانيا وقت صدور التصريح (1917) آرثر بلفور، فإن أضواء جديدة ألقيت على ملابسات صدور هذا التصريح، أشارت إلى الدور الكبير الذي لعبته الولايات المتحدة، من خلال رئيسها آنذاك: وودرو ويلسون، وصديقه الزعيم الصهيوني لويس دي برانديز، في بلورة هذا التصريح وإصداره.

ففي مقال نشرته «مجلة الأردن للشؤون الدولية» التي يصدرها المعهد الدبلوماسي الأردني، يشرح الباحثان الأميركيان، بروس آلن ميرفي، وكارول رايت، وبالتفصيل، الدور الأميركي في صوغ وإصدار التصريح، وبخاصة دور القاضي لويس دي برانديز الذي كان رئيساً للمحكمة الأميركية العليا، مع ما يحتمه عليه منصبه هذا من ضرورة الابتعاد عن الشأن السياسي.

ويشرح الباحثان تفاصيل هذه الحقيقة التي لم تعرف سوى مؤخراً، بالإشارة إلى أن القاضي برانديز الذي كان يؤمن بضرورة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، قد مارس تأثيراً على الرئيس الأميركي لكي يقنع وزير الخارجية البريطاني بلفور بإصدار تصريح بهذا الشأن، خاصة وأن اليهود المعادين للصهيونية في بريطانيا كانوا يخشون من أن يرتب مثل هذا التصريح موجة للعداء لليهود، فوقفوا ضد إصداره.

غير أن برانديز الذي كان وثيق الصلة بالزعيم الصهيوني حاييم وايزمن، لعب دوراً حاسماً، ليس في إقناع الرئيس الأميركي ويلسون بأن يلقي بثقله وراء التصريح، بل وبإقناع بلفور بتبني صيغة التصريح الذي كتبه في واقع الأمر لويس دي برانديز، ما يعني أن التصريح الذي صدر بتوقيع وزير خارجية بريطانيا بلفور هو، في واقع الأمر، تصريح أميركي، وأن كاتبه ليس سوى قاض يفترض فيه عدم التدخل في السياسة، وأن الرئيس الأميركي لعب دوراً رئيسياً في إصداره.

النص الحرفي للوعد:

وزارة الخارجية

في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1917

عزيزي اللورد روتشيلد

يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:

"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.

المخلص

آرثر بلفور