العدد 26 - دولي
 

صلاح حزين

مثلما كان متوقعا، تسلم ديميتري مدفيديف الرئاسة في روسيا خلفا لفلاديمير بوتين، ليكون الرئيس الثالث لروسيا في عهد ما بعد الشيوعية. ومثلما كان متوقعا أيضا، كان أول مرسوم يصدره مدفيديف هو تعيين سلفه رئيسا للوزراء.

تمت هذه الخطوات بأسلوب من الفخامة ذكر كثيرا من المراقبين بالعهد السوفييتي، حين كانت مظاهر العظمة القيصرية تحيط بالقادة الشيوعيين الذين خلفوهم في الكرملين.

غير أن هذا لم يكن الشيء الوحيد الذي ذكر المراقبين، والعالم أجمع الذي أتيحت له مشاهدة حفل تنصيب مدفيديف رئيسا جديدا، ومراسيم تعيين بوتين رئيسا للوزراء، بالعهد السوفييتي، فقد كان العهد السوفييتي حاضرا بقوة أيضا في العرض العسكري الذي أقيم في الساحة الحمراء بمناسبة الذكرى الثالثة والستين للانتصار على النازية في الثامن من أيار، وهو احتفال غاب عن الساحة الحمراء طوال سبعة عشر عاما. وفي هذا الاحتفال عرضت روسيا آخر ما أنجزته التكنولوجيا العسكرية الخاصة بها من دبابات وطائرات وصواريخ بالستية، بما في ذلك صاروخ توبول – إم النووي القادر على الوصول إلى واشنطن.

العرض العسكري الروسي كان مثار تعليقات صدرت عن سفير الولايات المتحدة في موسكو، الذي قال إن «بندقية من عهد نابليون قادرة على قتل إنسان». في إشارة إلى قدم بعض القطع العسكرية المعروضة. وعزف الملحق العسكري البريطاني في موسكو على الوتر نفسه حين قال «إن الآلة العسكرية الروسية قد تكون قديمة، ولكنها لا تزال فعالة.»

ولكن الخيار العسكري، لم يكن كل ما عرضه بوتين، ففي آخر خطاب له أعلن تصميم روسيا على أن تكون في القريب العاجل مركزا ماليا عالميا، وهو كلام لم يكن جزافيا على أي حال، فقد لوحظ أخيرا أن شركات عالمية كبرى قد أبدت اهتماما بالاستثمار في روسيا، من خلال الشراكة مع نظيرات لها هناك أو من خلال شراء شركات روسية كبرى. وذكر المحلل المالي في صحيفة الأوبزرفر البريطانية نيك ماثيسون أن السوق الروسية تقود الأسواق الناشئة في العالم.

هذا العرض الذي طرحه الرئيس الروسي السابق بوتين، المكون من شقين؛ عسكري واقتصادي، انعكس على التركيبة الجديدة للحكومة التي شكلها بوتين بعد انتقاله من الكرملين إلى البيت الأبيض، حيث مقر الحكومة، فمن هذين العنصرين؛ العسكري والاقتصادي جاءت تركيبة الحكومة التي شكلها بوتين، والتي تكونت، إلى حد كبير، من شخصيات سياسية ارتبطت به طويلا، وهو ما يشير إلى أنه سوف يبقى صاحب النفوذ الأقوى في روسيا، وبخاصة فيما يتعلق بالملفين الاقتصادي والعسكري، الذي يشير حكما، إلى السياسة الخارجية لروسيا. فقد احتفظ سيرغي لافرف بمنصبه وزيرا للخارجية، هو المعروف بمواقفه السياسية المتحفظة التي ميزته في عهد بوتين السابق. واحتفظ سيرغي إيفانوف بمنصبه وزيرا للدفاع، هو الذي يضعه الغرب في خانة الصقور، بعد أن خابت التوقعات التي كانت تشير إلى أنه سيكون منافسا قويا لمدفيديف على الرئاسة.

لكن هذا الموقف العسكري الصقوري، إن جاز التعبير، قابلته ليونة في المجال الاقتصادي، فقد احتفظ ألكسي كودرين، الذي يصنفه الغرب على أنه إصلاحي، ويعتبره احد اللييبراليين القلائل في الإدارة الروسية، بمنصبه وزيرا للمالية.

يفغيني ألباتس، نائب رئيس تحرير صحيفة نيو تايمز الليبرالية الروسية الناطقة بالإنجليزية، علق على التشكيلة الوزارية الجديدة بقوله إنها تشير إلى أن «العسكريين قد كسبوا هذه المرة أيضا.» وهو رأي قريب من تلك التي طرحتها تعليقات الصحف الغربية التي رحبت بوزير المالية الليبرالي وتحفظت كثيرا على ما تبقى من التركيبة الوزارية، بما في ذلك منصب رئيس المخابرات ألكسندر بورتنيكوف، الذي خدم مع بوتين في سانت بطرسبرغ في جهاز المخابرات الروسية السابق «كي جي بي»، والذي يصنف هو الآخر في خانة الصقور.

وزارة بوتين الجديدة: قبضة حديدية وأخرى من حرير
 
15-May-2008
 
العدد 26