العدد 26 - اقتصادي | ||||||||||||||
جمانة غنيمات تعكس أشكال العجز التي يعاني منها الاقتصاد دلالات سلبية، لا سيما وأن قيمتها تتزايد عاماً بعد عام. والعجوزات المقصودة هي عجز الموازنة، وعجز الميزان التجاري، وعجز ميزان المدفوعات. أول هذه العجوزات وأخطرها هو عجز الموازنة العامة الذي فشلت حكومات متعاقبة في ضبطه ليتماشي مع توصيات صندوق النقد، والبنك الدوليين. كذلك، أخفقت السياسات الاقتصادية المطبقة في تخفيض العجز ليتماشي مع توصيات ملتقى «كلنا الأردن»، المتعلقة بتخفيض عجز الموازنة العامة قبل المنح والمساعدات تدريجياً خلال السنوات القادمة ليصل 3 بالمئة، وألا يتعدى الدين العام 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، وأن تكون البداية بتخفيض عجز الموازنة العامة إلى مستوى المنح والمساعدات الخارجية، وأن يكون عجز الموازنة بعدها صفراً على الأقل. العجز المتوقع العام الجاري غير مسبوق على الإطلاق في تاريخ الموازنات العامة، وتتوقع تقديرات المسؤولين في مشروع قانون الموازنة العامة أنه قد يصل 724 مليون دينار بعد المساعدات، أو ما نسبته 9.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة زيادة حجم الإنفاق بشقيه الرأسمالي والجاري. برغم ضخامة هذا العجز، فإنه أيضاً مرشح للارتفاع حتى يقترب من حاجز المليار دينار بعد المنح، لأن التفاهمات الحكومية النيابية والضغوط التي تلقتها حكومة الذهبي من البعض أدت إلى زيادة في الإنفاق بحدود 500 مليون دينار تم إدراجها في ملحق الموازنة الأول. تنامي العجز إلى مستويات غير آمنة يؤدي إلى زيادة الاقتراض، ومن ثم فشل الخطط الحكومية في تقليص المديونية الخارجية. كما أن تزايده ينذر بوقف تنفيذ بعض المشاريع الرأسمالية التي تسهم في تحقيق التنمية وتوزيع مكتسبات النمو على مختلف مناطق المملكة لا سيما وأن الحكومة لجأت في سنوات سابقة إلى تقليص إنفاقها من خلال تأجيل بعض المشاريع الرأسمالية. أما العجز الثاني فهو عجز الميزان التجاري الذي يقصد به الفرق بين قيمة الصادرات والواردات، ويعزى لأسباب أبرزها السياسات الاقتصادية للمملكة، لا سيما سياسة ربط الدينار بالدولار الأميركي، الذي تراجع مستواه مقابل العملات الأخرى خلال السنوات الماضية بنسبة 40 بالمئة. إذ تساهم سياسة الربط بارتفاع قيم المستوردات من الخارج لا سيما وأن الصادرات الأردنية حققت ارتفاعا في قيمة تغطيتها لنسبة المستوردات من الخارج. كما أن سياسات ربط الدينار بالدولار كانت السبب الرئيس في ارتفاع أسعار العديد من السلع، لاسيما الأساسية منها المستوردة من أوروبا، إلى مستويات غير مسبوقة، فباتت تؤثر بشكل سلبي على القدرة الشرائية للأردنيين. في الآونة الأخيرة خضعت سياسة الربط للعديد من النقاشات بين مؤيدين لها يرون أنها تصب في صالح الاقتصاد الوطني رافضين دعوات برلمانية واقتصادية متكررة لإعادة النظر فيها للتخفيف من أثرها السلبي على قيمة المديونية العامة للبلاد نتيجة الانخفاض المستمر لسعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية؛ اليورو الأوروبي والين الياباني، إذ تبلغ نسبة الديون المستحقة لدول الاتحاد الأوروبي واليابان نحو 53 بالمئة من حجم الدين العام الذي يتجاوز عشرة ملايين دولار. من أسباب ارتفاع العجز في الميزان التجاري كثرة الاتفاقات الدولية التي توجب على الأردن تخفيض الجمارك على السلع المستوردة، إضافة إلى ضعف تنافسية الإنتاج المحلي مقابل المنتجات المستوردة. لجأت الحكومة لتعويض إيراداتها من تخفيض الجمارك والرسوم إلى فرض ضرائب جديدة أهمها الضريبة العامة على المبيعات بمعدل 16 بالمئة، وتعكف الحكومة حاليا على إعداد قانون جديد للضريبة. بحسب تقديرات مسؤولين ترتفع إيرادات الخزينة من ضريبة الدخل والمبيعات خلال العام الحالي لتبلغ 095ر2 مليار دينار، الزيادة المتوقعة على الإيرادات تقدر بحوالي 95 مليون دينار. دائرة الإحصاءات العامة تقدر ارتفاع العجز في الميزان التجاري خلال شهري كانون الثاني وشباط الماضيين بنسبة 41.3 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتوضح في تقريرها أن قيمة الفرق بين الصادرات الوطنية والمستوردات بلغت نحو 1065 مليون دينار، مقابل 753.9 مليون دينار لفترة المقارنة ذاتها. كما بلغت تغطية الصادرات للمستوردات 41.6 بالمئة خلال هذه الفترة. وتظهر البيانات ارتفاع قيمة الصادرات الوطنية بمقدار 49.4 مليون دينار، والمعاد تصديره بقيمة 76.4 مليون دينار، مقابل ارتفاع قيمة المستوردات بمقدار 436.9 مليون دينار خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير الماضيين. على صعيد السلع، كانت أبرز السلع التي ارتفعت قيم صادراتها هي مستحضرات الصيدلة، الفوسفات الخام البوتاس الخام والأسمدة، في حين كان هناك تراجع في صادرت الألبسة وتوابعها والخضار. أما المستوردات السلعية فكان هناك ارتفاع في مستوردات الأردن من البترول الخام، اللدائن ومصنوعاتها، الحديد ومصنوعاته، الآلات والأدوات الآلية، الآلات والأجهزة الكهربائية، العربات والدراجات. الحد من عجز الميزان التجاري يتطلب من صانعي القرار عقد جلسة حوارية للتباحث حول أسبابه ومنها سياسة ربط الدينار بالدولار، لا سيما أن قرارا من هذا النوع ليس قرارا اقتصاديا بل يحتاج لإرادة سياسية. أما العجز الثالث فهو عجز ميزان المدفوعات، هو بمثابة الحساب الذي يسجل قيمة الحقوق و الديون الناشئة بين بلد معين و العالم الخارجي، وذلك نتيجة المبادلات والمعاملات التي تنشأ بين المقيمين في هذا البلد ونظرائهم بالخارج خلال فترة زمنية عادة ما تكون سنة. لميزان المدفوعات أهمية كبيرة لأنه من خلال دراسة مفرداته تتضح لنا درجة التقدم الاقتصادي في البلد، ويمكننا من تحديد مركزه المالي بالنسبة للعالم الخارجي، لذلك فإن صندوق النقد الدولي غالبا ما يطلب من جميع أعضائه تقديم موازين مدفوعاتها سنويا لكون هذا الميزان من أهم المؤشرات دقة في الحكم على المركز الخارجي للدولة العضو. الأهمية الاقتصادية لوضع البلد المالي تتعلـق بالجزء الأول من ميزان المدفوعات، وهو الحسـاب الجاري، الذي يشمل المعاملات العادية كاستيراد وتصدير السلع والخدمات، تحويلات المغتربين والوافدين، والمنح الخارجية. وهنا نجد أن الحساب الجاري يعاني من عجـز كبير بلغ 6ر1 بليون دينار في العام 2005، وانخفض إلى 4ر1 بليونا في 2006 ، نتيجة زيادة الواردات وتكلفتها، واللجوء إلى الاقتراض لتغطية النفقات الحكومية التي ارتفعت قيمتها خلال العام الحالي بحسب موازنة 2008 حوالي مليار دينار. عجز الحساب الجاري يشـكل نقطـة ضعف، تدل على الانكشاف. وكـون العجـز في الحساب الجاري في حالة انخفاض يشكل نقطة قوة، تدل على السير في الاتجاه الصحيح نحو الهدف المنشود، وهو التوازن كحد أدنى، وتحقيق فائض كحد أقصى. هذا الهـدف ليس صعبـاً أو مستحيلاً، وقد تحقق فعلاً قبل عـدة سنوات ثم عاد العجـز ليصل حـده الأقصى في العام 2004. ميزان المدفوعات الذي يعتبر هيكلا للمعاملات الاقتصادية يشكل أيضا معيارا لقياس قوة الاقتصاد الوطني ودرجة تكيفه مع المتغيرات الحاصلة في الاقتصاد الدولي، كما أنه يبين حجم وهيكل كل من الصادرات والمنتجات، بما في ذلك العوامل المؤثرة عليه كحجم الاستثمارات و درجة التوظيف، ومستوى الأسعار و التكاليف. أهمية ميزان المدفوعات تتلخص في أنه يساعد السلطات العامة على تخطيط وتوجيه العلاقات الاقتصادية الخارجية للبلد، كتخطيط التجارة الخارجية من الجانب السلعي والجغرافي، أو عند وضع السياسات المالية والنقدية، ولذلك تعد المعلومات المدونة فيه ضرورية للبنوك والمؤسسات والأشخاص ضمن مجالات التمويل والتجارة الخارجية. |
|
|||||||||||||