العدد 26 - كتاب
 

أصابت صدمة النكبة المسرح الفلسطيني بخيبة أمل كبيرة بعد النشاط البارز الذي حققه أيام الانتداب البريطاني، رغم صرامة الرقابة البريطانية ضد المسرحيات السياسية، فتشتت شمل المسرحيين، وأرغمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي معظمهم على الهجرة إلى الأردن، والدول العربية الأخرى، ليواصلوا نشاطهم المسرحي هناك.

ومن بقي في الداخل لاحقته وضيقت الخناق عليه في إطار سياستها العنصرية القائمة على طمس الهوية الثقافية الفلسطينية. ولكن الحال تغيرت قليلاً في النصف الثاني من الستينيات، فبدأت الحياة تعود إلى المسرح مع ظهور بعض المحاولات في المدن الكبيرة، ففي الناصرة وحيفا تجمع عدد من المسرحيين الذين كانوا ينشطون قبل العام 1948، وأسفرت محاولاتهم عن تأسيس فرق مسرحية مثل: "المسرح الحديث" في الناصرة، و"المسرح الناهض"، و"المسرح الحر الشعبي" في حيفا.

إلاّ أن هذه الفرق اختفت بعد فترة بسبب الحرب الشعواء التي شنتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضدها، من جهة، وعجز الفرق نفسها عن توفير المتطلبات المهنية والإدارية وأسس العمل الجماعي التي يحتاج إليها الإنتاج المسرحي، من جهة ثانية.

ويشير بعض المراجع إلى نماذج من المسرحيات التي قدمت آنذاك، منها: رجال في الشمس، المعدة عن رواية غسان كنفاني، والمتشائل، وأم الروبابيكا، ولكع بن لكع لإميل حبيبي، وقطر الندى، وقرقاش لسميح القاسم، واضراب مفتوح لمحمد علي طه. وقد منعت المخابرات الإسرائيلية عرض (رجال في الشمس)، واعتدى عناصرها على الممثلين في (مسرح دبابيس) في الناصرة، وهم يعرضون إحدى مسرحياتهم السياسية الساخرة..

في النصف الثاني من عقد التسعينات أتيحت الفرصة لتأسيس أول مسرح عربي محترف في حيفا هو (مسرح الميدان)، بتمويل من وزارة الثقافة الإسرائيلية، التي كانت تقودها اليسارية شولاميت ألوني، ويطمح هذا المسرح، حسبما جاء في رسالته، إلى "احياء التراث والثقافة الفلسطينية, كما كانت عليه قبل سنة 1948، وما زالت قائمة في المجتمعات الفلسطينية في جميع أنحاء البلاد... ويرى أهمية وضرورة تقوية التواصل وتبادل المعرفة والمعلومات مع أبناء الشعب الفلسطيني أينما تواجد..".

وقد نجح هذا المسرح في تقديم الكثير من الأعمال المسرحية المختلفة داخل المدينة، وفي عدد من المدن والقرى العربية، إلا أن ارتباطه بوزارة الثقافة الإسرائيلية، ما يزال يثير جدلاً بين اوساط المسرحيين العرب، فمنهم من يرى فيه محاولة لفرض توجه سياسي وتدخل في عمل المسرح، ويتساءل: هل يمكن أن تكون "الثقافة الفلسطينية تحت رعاية جلاديها... أولئك الذين عملوا دوماً على تذويب الهوية العربية لفلسطينيي الداخل؟"، ولذلك يرفض التعاون مع هذا المسرح، في حين يرى آخرون أن هذه فرصة لا تفوت من أجل تحسين وضع المسرح في الوسط العربي، وبخاصة أن هذا المسرح يعمل بشكل مستقل، وهو مؤسسة قائمة بحد ذاتها لها إدارتها ومجلسها العام، وتنتخب كل سنتين إدارة ومجلساً جديدين، ولا تتدخل الوزارة في مضامين الأعمال التي تقدم، أو في التعيينات. ومن أحدث التجارب المسرحية التي قدمها مسرح الميدان: بياض العينين، دياب، حكي قرايا وحكي سرايا، وإسمي راشيل كوري.

وإلى جانب (مسرح الميدان) ثمة فرق مسرحية أخرى اليوم أبرزها: فرقة (مسرح الحنين) في الناصرة، وكان آخر أعمالها (الملك لير) لشكسبير العام 2007، وفرقة (مسرح الجليل التجريبي)، وفرقة (مركز المسرح) في عكا، وفرقة (مسرح الجوال) في سخنين، وفرقة (مدرسة زيدان سلامة للفن الإيمائي)، وفرقة (مسرح النقاب) في عسيفا،، وفرقة (مسرح السرايا) في يافا.

وتشارك أغلب هذه الفرق في مهرجانات مسرحية محلية، ودولية تقام في المدن الفلسطينية المحتلة العام 1948، منها: مهرجان المسرحية المحلية في حيفا، والمهرجان الدولي لفن الإيماء في شفا عمرو، ومهرجان مسرحيد (المونودراما) في عكا.

عواد علي: المسرح ينهض من ركام النكبة
 
15-May-2008
 
العدد 26