العدد 26 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: غلين روبنسون* في تقييمهم الأخاذ المنبثق من الداخل، يفصل هؤلاء المؤلفون الفلسطينيون والإسرائيليون، ويحللون دبلوماسية "المسار الثاني" الاستثنائية التي ميزت النصف الأول من التسعينيات. وكان حسين آغا وشاي فلدمان وأحمد الخالدي وزئيف شيف مشاركين نشطين في العديد من المحادثات التي سبقت جهود السلام العربية الإسرائيلية ورافقتها خلال التسعينيات. ويمثل هذا الكتاب المصدر الأفضل والأوحد حول تجربة الشرق الأوسط مع دبلوماسية المسار الثاني، وهو يضيف تفاصيل لم تكن معروفة في السابق، ويقدم دليلاً عملياً مفيداً لإمكانات ومحددات دبلوماسية المسار الثاني. يعرف المؤلفون هذا المسار بأنه "النقاشات التي أجراها مفاوضون غير رسميين لأطراف متصارعة، في محاولة لتصفية خلافات قائمة ولارتياد خيارات لحلها، في أجواء أو ظروف أقل حساسية من تلك التي يجريها مفاوضون رسميون" (ص 1). وهي في العادة تضم خبراء وصحفيين كباراً ومسؤولين سابقين، والمحادثات قد تراوح بين أن تكون "لينة"، حيث يقوم الطرفان بما يزيد قليلا على الاجتماع وتبادل الآراء، و"صعبة" ينهمك فيها الطرفان في مفاوضات جدية، على الرغم من طابعها غير الرسمي، التي يتابعها عن كثب المسؤولون الرسميون. تقدم محادثات المسار الثاني فوائد عديدة للمسؤولين، بما في ذلك تمكنهم من تعويم أفكار غير عادية لدى الطرف الثاني، من دون المخاطرة بأي أكلاف سياسية على الصعيد المحلي. أما أكثر محادثات المسار الثاني نجاحا، فهي تحولها إلى مفاوضات مسار أول رسمية. في بعض الأحيان، كما في حالة الأكاديميين الإسرائيليين الذين بدأوا محادثات المسار الثاني في أوسلو، فإن المشاركين غير الرسميين كانوا يتعرضون للاستبعاد بوقاحة، فيما يتقدم المفاوضون الرسميون لأخذ زمام المبادرة في محادثات مثمرة. يتضمن الكتاب تحليلاً لست حالات من دبلوماسية المسار الثاني في الشرق الأوسط. وتحظى محادثات أوسلو، التي انتهت بإعلان المباديء في العام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بالقسم الأعظم من الانتباه، لكونها تعكس حالتهما بوصفها "أم محادثات المسار الثاني"(ص 54). وبانبثاقها عن مفاوضات المسار الأول غير المثمر في واشنطن، فإن محادثات أوسلو كانت "صعبة" منذ بدايتها، ما يعني أنها موجهة عن كثب من جانب فاعليات سياسية رفيعة. ويقدم المؤلفون ملخصاً للأجواء السياسية المحاطة بدرجة عالية من السرية في أوسلو: من يرجع لمن، ومتى وتحت أي ظروف. وتنطبق الصيغة نفسها (البيئة السياسية، المشاركون، الراعون، المستشارون والقادة) على خمس حالات أخرى: رعت المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم؛ ومشروع محادثات "تشارلي" بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، والمحادثات الإسرائيلية السورية غير الرسمية التي قادت إلى مفاوضات المسار الأول والمحادثات المتعددة لوقف التسلح والأمن الإقليمي التي رعتها منظمات عدة (الإعلان التام: لعب المراجع دورا صغيرا في هذه المحادثات)، ومحادثات ستوكهولم، والتي عادة ما تسمى خطأ "اتفاقية أبو مازن بيلين." النقاش الأكثر إثارة للاهتمام يتعلق بمحادثات ستوكهولم، فقد ساهمت الاتفاقية التي أنجزت أخيرا في خريف العام 1995، في صوغ جميع المفاوضات الجدية التي تلتها، بما في ذلك إطار كلنتون للعام 2000، ومحادثات طابا في كانون الثاني 2001، ووثيقة جنيف غير الرسمية في العام 2003. ويبقى المقترب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي اتفق عليه في محادثات المسار الثاني في ستوكهولم، الأساس لأي حل حقيقي قائم على إيجاد دولتين لهذا الصراع. ويستنتج المؤلفون بأن محادثات المسار الثاني يمكن أن تكون مفيدة أيضا في حل النزاعات، ولكن فقط إذا تمت في سياق مناسب وبأسلوب سياسي ذكي. ولا يمكن أن تنجح محادثات المسار الثاني، إذا لم تكن الأرضية السياسية مهيأة للتقدم. فمثلاً، ساهمت التغيرات الكبيرة في الشرق الأوسط الناتجة عن حرب العراق في 1990/91 وانتهاء الحرب الباردة في إمكان إجراء محادثات أوسلو. ويقدم المؤلفون تحليلا لأنواع المقتربات التي تعزز إمكان نجاح محادثات المسار الثاني، بما في ذلك نوعيات المشاركين وأهمية الطابع غير الرسمي وكذلك السرية، وتجنب القضايا الصعبة في البداية وما إلى ذلك. ويمكن لمحادثات المسار الثاني أحيانا، مثل المفاوضات الرسمية، أن تنتهي إلى انهيار مريع، كما في المحادثات المتعددة لوقف التسلح والأمن الإقليمي. ويثير الكتاب إحساسا بأنه يدور حول مكان وزمان آخرين، حين كان السلام في الشرق الأوسط إمكانية حقيقية. ويبدو أن المؤلفين شعروا بذلك لأنهم صاغوا نقاشهم في صورة أوسع بكثير، كما لو أن هنالك احتمالا لتطبيقه على صراعات أخرى في المنطقة. وينصح بقراءة الكتاب من قبل المهتمين في قراءة تاريخ موثوق لموجة من محادثات المسار الثاني حول سلام الشرق الأوسط في التسعينيات، وكذلك للمشاركين الباحثين عن إرشاد بما يتعلق بالشروع بمحادثات رسمية مماثلة بين أطراف متصارعة في أي مكان في العالم. |
|
|||||||||||||