العدد 26 - ثقافي | ||||||||||||||
رسمي أبو علي من المثير أن مؤلف هذا الكتاب يهودي إسرائيلي، وبين ما يتضمنه كتابه اشتراطه عودة اللاجئين الفلسطينيين جميعهم إلى ديارهم ،كشرط أول وأساسي كي يقدّر للسلام أن يتحقق. إنه مؤرخ شجاع وعلى قدر كبير من الأمانة ، فهو يعتبر أن أبطال ما يسميها الإسرائيليون بحرب الاستقلال (1947- 1949) وهم أبرز المؤسسين الأوائل لدولة إسرائيل، وأولهم المؤسس بن غوريون، ليسوا إلا مجرمي حرب ينبغي محاكمتهم دولياً – وإذا كان متعذراً ذلك بسبب أن معظمهم ماتوا، فإن هذا لا يمنع أن تتم محاكمتهم أيضاً لكشف أن استراتيجية التطهير العرقي في فلسطين التي تم اعتمادها ضمن ما سميَّ بالخطة دالت (دالت هو حرف الدال بالعبرية) ذات عصر يوم أربعاء بارد في المبنى الأحمر في تل أبيب العام 1948 – ،ما هي إلا جرائم حرب ضد الإنسانية وفق تعريف الأمم المتحدة لهذه الجرائم.. هذا هو المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه الذي يعتبر من المؤرخين الجدد (بالإضافة إلى مؤرخ آخر مشهور هو بيني موريس) – وكان محاضراً رفيع المستوى في العلوم السياسية في جامعة حيفا وقد شغل من قبل عدة مسؤوليات أكاديمية رفيعة في إسرائيل قبل أن يضطر للهجرة إلى انجلترا في السنة الأخيرة، حيث يعمل الآن محاضراً في جامعة أكسفورد. بعد أن أحالت الدوائر الرسمية الإسرائيلية حياته إلى جحيم. يفاجئنا بابه في كتابه الشجاع بما يتعلق بالنكبة ..إذ يبدي اندهاشه كيف أن جريمة التطهير العرقي التي نفذت بتكثيف خلال ستة أشهر ،وقعت تحت سمع وبصر الانتداب البريطاني الذي كان قائماً في فلسطين، ووقعت تحت سمع وبصر مراسلي صحف ووكالات أنباء عالمية. لم ينظر إليها بوصفها جرائم ضد الإنسانية وإنما كحوادث تجري خلال الحروب حيث زعمت السلطات الإسرائيلية أن نصف السكان الفلسطينيين الذين تم إجلاؤهم بالقوة قد نزحوا من تلقاء أنفسهم فاسحين المجال للجيوش العربية لتدمير (دولة إسرائيل الفتية). ومعلوم أن جرائم التطهير العنصري التي استمرت ستة أشهر بعد آذار من عام 48 تسبب في جلاء نصف الشعب الفلسطيني وعددهم آنذاك يقارب (800.000) إنسان ،إضافة إلى تدمير أكثر من أربعمائة وخمسين قرية تدميراً كاملاً ،وتدمير البنى التحتية وسلسلة جرائم القتل التي يورد عدداً منها بالأسماء والتواريخ. هذه الجريمة تم طمسها إسرائيلياً، وعالمياً، أيضاً، مع أنها كانت جرائم نموذجية ينطبق عليها ،توصيف جرائم التطهير العرقي والتي تعتبر عالمياً وحقوقياً جرائم ضد الإنسانية. يتحفظ بابه بقوة على تعبير «النكبة» وهو يعتبره تعبيراً مراوغاً، كونه يحيل إلى الكارثة نفسها أكثر مما يحيل إلى من أوقعها، ولماذا فعل ذلك. لكنه في الوقت نفسه يبدي بعض التفهم بهذا الصدد، إذ يقول بأنه جرى تبنّي مصطلح النكبة لأسباب مفهومة لمواجهة الثقل المعنوي للهولوكوست اليهودية، مما قد يكون ساهم، إلى حد ما، في استمرار العالم بإنكار أن ما جرى في فلسطين سنة 1948 وحتى الآن هو تطهير عرقي، ثم تخفيف وقع التعبير فيما بعد مسمى جديد هو الترانسفير. يقول المؤرخ إن جهوداً فلسطينية قام بها بعض الباحثين والدارسين حاولت أن تروي الرواية الفلسطينية، وقد ساهم الدكتور وليد الخالدي في هذه البحوث – لكن يبدو أنها جاءت متأخرة وفشلت في النفاذ إلى مملكة الضمير الأخلاقي العالمي. لقد عمل المؤلف الدكتور إيلان بابه سنوات كي يرى هذا الكتاب النور – و الحصيلة كانت باهرة وصادمة حتى للفلسطينيين أنفسهم الذي يقول المؤلف بأنه يوجه الكتاب إليهم وإلى أصدقائه ومعارفه منهم. وقد أثار الكتاب إعجاب العديدين من المهتمين بالمسألة الفلسطينية، وخلافاً للمعهود فقد احتوت صفحة الغلاف الأول على الجملة التالية لجون بلغر: إيلان بابه أشجع مؤرخ إسرائيلي وأكثرهم تمسكاً بالمبادئ وأحدهم مضاء. أما أستاذ القانون الدولي في جامعة برنستون، فقال عن الكتاب: «ألف إيلان بابه كتاباً مدهشاً ذا أهمية كبرى بالنسبة إلى ماضي العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية وحاضرها ومستقبلها». وليد الخالدي – باحث وزميل سابق رفيع المستوى في مركز الدراسات الشرق أوسطية – جامعة هارفرد يقول عن الكتاب: « هذا كتاب مدهش – إنجاز قد يجمع بين كل من التأليف الجدير بعالم والوضوح الأخلاقي التوراتي والتعاطف الإنساني» أما الأديبة والباحثة غادة الكرمي فتقول: « بحث رائد في سر إسرائيلي مكتوم بحرص وإنجاز علمي تاريخي يعالج موضوعاً حرّم البحث فيه بقلم واحد من أبرز المؤرخين الإسرائيليين الجدد». الكتاب صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في العام 2007 ويقع في 374 ص القطع الكبير، ترجمة أحمد خليفة، والكتاب مزود بكافة الخرائط المتعلقة بالموضوع، إضافة إلى صور فوتوغرافية لجوانب من النكبة أماكن وضحايا. |
|
|||||||||||||