العدد 26 - علوم وتكنولوجيا | ||||||||||||||
محمود الزواوي* الإنترنت هي أول شبكة اتصالات كاملة في تاريخ العالم. إنها "شبكة شبكات"، تتألف من ملايين الشبكات الأصغر حجماً؛ المحلية والأكاديمية والتجارية والحكومية، التي تنقل مجتمعة المعلومات والخدمات، مثل البريد الإلكتروني والأحاديث الإلكترونية وتحويل الملفات وصفحات المواقع الإلكترونية للشبكة الإلكترونية العالمية. وقد تحولت شبكة الإنترنت إلى وسيلة رئيسة ومهمة للحصول على المعلومات والأبحاث والاتصالات والإعلام والترفيه والتعارف والتسوق وتحويل الأموال وتسديد الفواتير في سائر أنحاء العالم، وحتى مراقبة العمليات الجراحية عبر القارات. قبل الإنترنت، كانت جميع الاتصالات تتم فقط بين محطة وأخرى من المحطات الموجودة على الشبكة، كشبكة الهاتف. أما شبكة الإنترنت، فقد أتاحت الاتصال بين جميع المشتركين في الشبكة على نطاق العالم وفي أي وقت يشاؤون. ونتيجة لذلك أصبح المجتمع المدني يعرف بمجتمع تكنولوجيا المعلومات. وتشير أحدث الإحصاءات المتوافرة في نهاية العام 2007 إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت بلغ 1.319 بليون شخص في سائر أنحاء العالم، وهو عدد ضخم بجميع المعايير، إذا أخذنا بالاعتبار مناطق الفقر والتخلف الشاسعة المنتشرة في أرجاء العالم، التي لا تصل إليها الكهرباء ولا تتوافر لسكانها أجهزة الحاسوب. ولا بد أن نتذكر أن الإنترنت هي حلقة في سلسلة متواصلة من الاختراعات البشرية العديدة التي شهدها العالم خلال القرنين الماضيين، ومن أهمها قاطبة بالنسبة للإنترنت ولتقدم البشرية جهاز الحاسوب والأقمار الاصطناعية. وقد استند تطور الإنترنت إلى قائمة طويلة من الاختراعات المتراكمة والمترابطة، ومن أهمها التلغراف والآلة الكاتبة والتليفون والكاميرا والسينما والراديو في القرن التاسع عشر، استمرارا إلى المبرقة الكاتبة والتلفزيون والتيليكس والفاكس وآلة تصوير النسخ والكاسيت وشريط الفيديو والقرص الممغنط والهاتف الخليوي في القرن العشرين. ورغم الأهمية البالغة لجميع هذه العناصر، فإن تطور شبكة الإنترنت لم يكن ممكنا من دون الحاسوب والأقمار الاصطناعية. جاء تطور شبكة الإنترنت نتيجة لتضافر جهود عدد من العلماء الأميركيين في ستينيات القرن الماضي ممن عملوا في جامعات مرموقة أو مراكز أبحاث تابعة لشركات عملاقة أو مؤسسات حكومية أميركية. وأسهم في تطوير هذه الشبكة في مراحل لاحقة علماء من دول أخرى. اللغة الأكثر استخداما في الإنترنت هي الإنجليزية. ويرجع ذلك إلى سببين، أولهما: أن أصول وبدايات تطور الإنترنت في الولايات المتحدة كانت بالإنجليزية، التي كانت اللغة السائدة، وثانيهما انتشار الإنجليزية كلغة عالمية مشتركة. ويقدّر أن هنالك نحو 80 بالمائة من محتويات الإنترنت باللغة الإنجليزية، والعشرون بالمائة الباقية بجميع اللغات الأخرى. ومع أن اللغة العربية تحتل المركز الثامن بين اللغات المستخدمة للإنترنت، فهي تحتل المركز الأول بين لغات العالم في معدل نمو استخدام الإنترنت بين العامين 2001 و2007، حيث بلغت تلك النسبة 1575.9بالمئة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف نسبة نمو اللغة الصينية، التي تأتي في المركز الثاني في معدل النمو. وتشير الإحصاءات والتوقعات إلى أن اللغتين العربية والصينية ستتصدران معدل نمو الاستخدام في الإنترنت لسنوات عديدة مقبلة. عند العودة إلى العنصرين الأساسيين لشبكة الإنترنت، أي الحاسوب والأقمار الاصطناعية، سنجد أن اختراع الحاسوب – شأنه في ذلك شأن معظم الاختراعات – كان تطورا تراكميا أسهم به عدد من العلماء والباحثين في عدة دول. وانطلق اختراع أول حاسوب مبرمج في ثلاثينيات القرن الماضي، وشهد هذا الاختراع إضافات وتحسينات عديدة في عقد الأربعينيات، من أهمها اختراع الترانزستور في العام 1947. وظهر الحاسوب بصيغته العملية في عقد الخمسينيات، إلا أنه شهد تطورات جذرية منذ ذلك الوقت. أما بالنسبة لاستخدام الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الكرة الأرضية، والذي حقق اختراقا في تاريخ الاتصالات، فلم يبدأ حتى ستينيات القرن الماضي، أي أنه إنجاز حديث العهد نسبيا في تاريخ البشرية. بل إن اختراق الإنسان للغلاف الجوي للأرض وبدء عصر الفضاء لم يبدأ إلا قبل نصف قرن، وبالتحديد في العام 1957 حين أطلق الاتحاد السوفييتي السابق المركبة الفضائية سبوتنك. وأطلقت الولايات المتحدة أول مركبة فضائية بعد ذلك بشهور، أي في العام 1958. وشهدت ستينيات القرن الماضي تسابقا في غزو الفضاء بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة تزامن مع تنافسهما في الحرب الباردة. وكان رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين أول إنسان يصل إلى الفضاء في 12/4/1961، وتبعه رائد الفضاء الأميركي ألان شيبيرد بعد أقل من شهر في 5/5/1961. وقد بدأ عصر الأقمار الاصطناعية في العام 1965 حين أطلق أول قمر صناعي أميركي تجاري خاص، مستهلا عصر الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية التي يدور الآلاف منها حاليا حول الكرة الأرضية. أصبح من الممكن لأول مرة منذ العام 1965، بفضل الأقمار الاصطناعية، أن يشاهد المواطن الأميركي في نيويورك أو شيكاغو أو سان فرانسسكو ما كان يجري في شوارع لندن وباريس وروما أثناء حدوثه. ثم أصبح من الممكن خلال سنوات قليلة لأي إنسان في أي مكان أن يشاهد ما يحدث في أي موقع على الكرة الأرضية. كل ذلك تحقق بفضل الأقمار الاصطناعية، ولم يكن ممكنا قبل 40 عاما. استفادت شبكة الإنترنت من الجمع بين الحاسوب واتصالات الأقمار الاصطناعية لإحداث أكبر ثورة في عالم الاتصالات في تاريخ البشرية، فبفضل الإنترنت أصبح العالم بأسره في متناولنا، في مكاتبنا ومنازلنا، وحتى أثناء سفرنا بالطائرة وأثناء تنقلنا عبر القارات. فهل تدرك الأجيال الجديدة الآفاق اللامحدودة للإنترنت في توفير المعلومات والخدمات، وما ستقدمه الإنترنت من جديد خلال السنين المقبلة؟ وهل تدرك الأجيال الجديدة كم هي محظوظة لأنها تعيش في عصر الإنترنت؟ *كاتب وناقد سينمائي |
|
|||||||||||||