العدد 25 - ثقافي | ||||||||||||||
جهاد هديب طرح البديل يستدعي بديهية موازية هي: عدم القبول بما هو سائد ومتعيَّن وقائم (الآن، وهنا)، أو على الأقل، عدم الرضا عن هذا السائد. من هذا الرفض وعدم الرضا يخرج البديل، وهذا ما يفترضه جدل التطور داخل الفنون بكل فروعها ومشتقاتها. لكن الأمر في حال: الموسيقى الأردنية البديلة مختلف حقاً. منذ السبعينات من القرن الماضي لم يحدث تجديد يذكر في الغناء أو التأليف الموسيقي الأردني وذلك حتى نهاية الثمانينات وباستثناءات نادرة. لقد أبهرنا طارق الناصر وفرقة رمّ بغناء مختلف وجاذب. ربما بدأ متأثراً بزياد الرحباني أو بسواه من الموسيقيين العالميين، لكن ظلّت للرجل تلك البصمة الخاصة التي تجذبنا دائماً إلى صنيعه الفني. طارق الناصر ومع انتقاله للعمل في الموسيقى التصويرية، وتحديداً مع المخرج نجدت أنزور سوف يحقق انتشاراً عربياً ملحوظاً. على النقيض من ذلك وفي الفترة نفسها تقريباً، برز عمر العبداللات بنكهة محلية، كانت أحد الأسباب التي حققت له انتشاراً عربياً منذ انطلاق الفضائيات العربية ذات التوجه الخليجي، فعمر العبداللات بلهجته الأردنية مقبول من مزاج الناس في الخليج دون افتعال، وهذا سبب آخر في شهرة الرجل رافقه اهتمام إعلامي محلي، وعربي. دخول العبداللات إلى لعبة الفضائيات العربية الخاصة بالغناء، وهي بالمناسبة سوق واسعة وفيها مافيات وحيتان، جعله ينتمي إلى الفئة الشائعة من الفنانين العرب، ولنقل افتراضا إنها المنطقة الرسمية من الغناء العربي المعترف بها من قبل الفضائيات العربية ذات الصلة ومن شركات الترويج المرتبطة بها. أي أن العبداللات قد غادر المنطقة البديلة من الموسيقى العربية إلى الرسمية منها. وإلى هذه المنطقة ذاتها دخلت ديانا كرزون ما إن غادرت برنامج سوبر ستار العرب. أما مكادي نحاس التي هي الصوت الأكثر نضجاً، فحكاية مختلفة تماماً. لم يدخل طارق الناصر إلى النجومية العربية من قناة الفضائيات العربية الخاصة بالغناء ، لكن صنيعه الفني ظلُ في منطقة الموسيقى البديلة بوصفه فعلاً إبداعياً. الموسيقى البديلة هي شأن عربي ككل، تتقارب في بعض سماتها التي وفرها لها الهامش الذي تعيش فيه بمنأى عن المركز. ولعل أبرز هذه السمات انفتاحها على تجارب جديدة في الموسيقى العالمية إلى حد متطرف يبلغ فقدان الخصوصية أو العكس تماماً، الانغلاق على محلية مفرطة بسبب جدب يصيب المخيلة. بالنسبة لنا في الأردن، فمن الطبيعي أن ينعكس هذا التقسيم على الموسيقى والغناء في الساحة الفنية، لكن لظهورها بالطبع أسباب أخرى محلية تماماً، إذ بعد ظهور طارق الناصر وفرقة رمّ لم تظهر فرق فنية واستمرت حتى فرقة زمن الزعتر بألبومها الأول: زي كل الناس، العام 2005 ثم ألبومها الثاني: زاد. ومع ظهور ربى صقر الحائزة على جائزة اليونسكو لأفضل أداء موسيقي يجسر بين الموسيقى التقليدية والمعاصرة في سمرقند، أوزباكستان، كما فازت بالجائزة الأولى مع رمزي رئيس في مسابقة عالمية على مستوى الأردن Global Battle of the Bands وكانت جزءاً من مشروع موسيقى مطبخ الذي يجمع بين موسيقيين من مختلف البلدان والأنواع الموسيقية. وظهر أيضاً يزن الروسان بعفوية صادمة وألبومين: أسبرين وتلفزيون، وكذلك عزيز مرقة وهو عازف بيانو بالأساس .. مع ظهور هذه الأسماء وسواها في فترة متقاربة زمنياً، فقد تشكل الجسم الأساسي للموسيقى البديلة في الأردن. ثم كان أول مهرجان عربي للموسيقى البديلة في الأردن مؤخراً تبنته جهات ربحية وغير ربحية محلية ،وشاركت فيه فرق عربية بالإضافة إلى فرق ومغنين أشير إلى أسمائهم في هذه العجالة وآخرين لم يشر إلى أسمائهم. من جهة أخرى، تبدو العمانية، سمة غالبة لدى أكثر الأصوات في الموسيقى الأردنية البديلة، والمقصود بذلك أن هذه الموسيقى البديلة لم تسجل ظهوراً خارج العاصمة، وأنها عمانية أيضاً فـ«المتورطون» فيها هم من عمان شرقاً وغرباً، فضلاً عن معنى أخير وأساسي هو أن كلمات الأغاني كلها منطوقة في الأغاني بلغة أهل عمان دون افتعال أو ادعاء. وبالنظر إلى أن كل الفرق والمغنين هم من الجيل الجديد، فهم جميعاً قد نشأوا في عمان وعرفوا مشاكلها الاجتماعية وغير الاجتماعية والتقسيمات الطبقية وغير الطبقية التي فيها، وربما لا مبالغة في القول إن السياق الاجتماعي للموسيقى البديلة في أحد أوجهه هو رفض هذا الواقع والتمرد عليه ،والبحث بوعي أو دون وعي، عن المشترك بين كل الناس القاطنين هنا، وهو ما يشي به عنوان الألبوم الأول لفرقة زمن الزعتر: زي كل الناس واسم الفرقة ذاته أسجل هنا أن هذه الفرقة هي الأنضج والأكثر وضوحاً لهويتها الموسيقية ومكونات هذه الهوية والمؤثرات التي هبّت عليها محلياً وعربياً وعالمياً. إن السعي إلى الاقتراب من الناس في عيشهم العادي واليومي، يتبدى أيضاً في كلمات الأغاني التي هي كلمات عادية ولا تنطوي غالباً على أي قَدْر من الشعرية، بل ربما كتبها أصحابها بعد أن جرى الانتهاء من القالب الموسيقي. أيضاً هناك إحساس عال بالفردية، لا هموم سياسية أو اجتماعية أو سواها في الغناء غالباً، بل يشعر المرء أنه خطاب حبّ موجه إلى امرأة واحدة في كل الأغنيات. وأخيراً، فإنه باستثناء نادر يتمثل بصوتين نسائيين، لا توجد خامة صوتية شابة ونافرة عمّا سبق ومبشرة بصوت مثقف ومدَرَّب وكبير. لكن الأمل معقود على المستقبل. |
|
|||||||||||||