العدد 25 - كتاب | ||||||||||||||
تقوم نظرية جانب العرض على أساس أن المنفعة تتسرب من الأثرياء إلى الفقراء، لأن الأغنياء هم الذين يدخرون ويستثمرون ومن ثم يقومون بتوظيف الفقراء في مشاريعهم، ما يزيد من دخل الفقراء ورفع مستوى معيشتهم. لذلك تنادي هذه النظرية بخفض الضرائب على الأغنياء لكي تزداد مدخراتهم واستثماراتهم. ينظر إلى هذه النظرية أحيانا على أنها الركيزة الأساس لمبدأ العولمة. ولقد اشتهرت هذه النظرية الاقتصادية في السبعينيات، مع ارتفاع أسعار النفط من بضعة دولارات للبرميل إلى أربعين دولارا، حين عجزت في اعتقاد البعض النظرية الكينزية (سميت كذلك نسبة لمؤسسها الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز)، التي تسمى أحيانا بنظرية جانب الطلب عن تفسير تواجد البطالة والتضخم في آن واحد؛ إذ لم تستطع النظرية الكينزية آنذاك أن تفسر حدوث التضخم والبطالة معا. فالانتعاش الاقتصادي يكون مصحوباً عادة بارتفاع الأسعار، وعليه، فإن البطالة تنخفض مع ارتفاع الأسعار، أو التضخم، أي أن العلاقة بين البطالة والتضخم علاقة عكسية إذا ارتفع فيها أحد المتغيرين انخفض الآخر. ولكن في سنة 1973، أدى ارتفاع سعر النفط، والذي يدخل في مكونات إنتاج معظم السلع، إلى ارتفاع أسعار السلع، ومن ثم انخفاض الإقبال عليها، وهبوط مستويات الإنتاج، وازدياد نسب البطالة في العالم الصناعي. وهكذا زامل التضخم ركود اقتصادي طويل كانت إحدى نتائجه للأسف، ولادة مدرسة جانب العرض، وكان زعيمها الاقتصادي الأميركي آرثر لافر الذي شغل منصب أول مستشار اقتصادي للرئيس الأميركي رونالد ريغان في سنة 1980، غير أنه استقال بعد ستة أشهر من توليه العمل، لأن ريغان خفض من مخصصات العجزة والمستفيدين من الضمان الاجتماعي فجأة ودون استشارته. وسيطرت هذه النظرية على السياسات الانفاقية لمعظم الدول، وبخاصة تلك التي كانت تعاني فيها الحكومات من عجز في الميزانية أو التي يسيطر عليها الفكر المحافظ الذي يرى في مد يد العون للفقراء من الأمة هدراً لمواردها. ولقد اتسمت الفترة 1980-1990 بهيمنة المحافظين على حكومات العالم النامي، وخفض العون للفقراء من قبل الأغنياء، وإتباع السياسات التي تقلل من الضرائب على الأغنياء لكي يزداد وفرهم، وبالتالي تزداد استثماراتهم ويحصل الفقراء على العمل. غير أن نظرية جانب العرض فشلت، وأي فشل، حين ازدادت الهوة في العالم بين الفقراء والأغنياء، ولم يتسرب الخير من الأعلى للأسفل، كما ازدادت معدلات الجرائم، وبخاصة في الدول الثرية، واتسم المواطن في دول العالم الصناعي بالأنانية والذاتية، ونددت دول شمال العالم بفشل خطط التنمية في الجنوب، فانخفضت مستويات المعونة لدول العالم النامي من الدول المتقدمة، وسيطر المتطرفون على الفكر، ودخل العالم في سبات اقتصادي عميق لم يسبق له مثيل، وبخاصة من حيث طول الفترة. وهكذا فشلت نظرية جانب العرض في تحقيق ما وعدت به رغم ازدياد ثراء الأغنياء، وانتشار مبادىء العولمة ونتائجها، زمنها، تراجعت الدخول الحقيقية لمواطني الدول الفقيرة بالنسبة لمواطني الدول الغنية، وازدادت الهوة بين الفقراء والأغنياء في أنحاء العالم كافة. |
|
|||||||||||||