العدد 25 - اقتصادي | ||||||||||||||
جمانة غنيمات تؤدي الارتفاعات المتلاحقة لأسعار السلع والخدمات إلى انزلاق العديد من الأسر الأردنية من خط الفقر إلى دائرة الجوع نتيجة تكلفة الغذاء التي زادت الأشهر الماضية. نسبة الفقراء في البلاد اعتماداً على الأرقام الرسمية تصل إلى 14 بالمئة، إذ يقدر عددهم بنحو 770 ألف نسمة، وقياساً على آلية الدعم التي اتبعتها الحكومة في التعويض عن رفع الدعم عن المشتقات النفطية، ترتفع نسبتهم إلى ما لا يقل عن 60 بالمئة، إذ قدمت الحكومة الدعم لكل من يقل دخله السنوي عن ألف دينار. يتقاضي 80 بالمئة من القوى العاملة، وقوامها مليون وربع المليون نسمة، أجوراً تقل عن 300 دينار شهرياً. عالمياً يمكن القول إن أزمة الغذاء العالمية، لا سيما الحبوب، باتت تشكل تحدياً مباشراً أمام المنظمات الدولية التي سعت لتحقيق أهداف الألفية، ومنها تقليص أعداد الفقراء في العالم إلى النصف بحلول 2015. الخبير الاقتصادي، حسام عايش، يؤكد أن الأزمة العالمية نتجت عن استخدام الحبوب في إنتاج الطاقة وليس لقلة المعروض منها، ما جعل كثيراً من الفقراء ينحدرون إلى مستوى أقل من حد الكفاف ليدخلوا حالة الجوع. الأزمة التي يتوقع لها أن تستمر لعدد من السنين، كما تقول تقارير البنك وصندوق النقد الدوليين، يجعل العامل أمام مشكلة خطيرة تنبئ بوجود أكثر من بليون جائع حول العالم. أردنياً يتوقع عايش أن يدخل 20 إلى 25 بالمئة من الأردنيين في خندق الجياع نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية ومكونات سلة المستهلك المعتمدة من الجهات الرسمية. عايش يرى أن عدد الفقراء يتجاوز 35 بالمئة من السكان، اعتماداً على نسب الفقر غير الرسمية، ما يتطلب إعادة تعريف للفقر، وتحديد خط جديد يكون الفيصل بين أن يكون الإنسان فقيراً أو جائعاً. يقدر عايش أن من يتراوح دخله في هذا المرحلة بين 200 و250 ديناراً شهرياً يدخل في دائرة الجوع، نتيجة ضعف قدرته على تلبية السعرات الحرارية التي يحتاجها الفرد ليكون خارج دائرة الجوعى. عايش، يرى أن للمشاكل الاقتصادية أثراً أعمق من انعكاسها المباشر على الناس، وأن لها آثاراً سياسية تبين مدى الاستقلال الحقيقي للعديد من الدول بناء على قدرتها على توفير سلة غذائها ومحدودية اعتمادها على الخارج. اجتماعياً، يتسبب الجوع بمشاكل غير محدودة تسهم، في النهاية، بزيادة معدلات الجريمة وهدم المنظومة الأخلاقية، إذ إن توافر العدالة الاجتماعية بين جميع شرائح المجتمع يعطيها الفرصة للخروج من بوتقة فقرها وجوعها من خلال تحسين مستويات الخدمات الأساسية لا سيما الصحة والتعليم. عايش يوضح أن شريحتي الفقراء والجوعى التي يتسع حجمهما محلياً تؤثران في القرارات السياسية، الأمر الذي يتطلب إعادة تدخل الدولة في العملية الاقتصادية التي سعت للتنصل منها لتدخل اقتصاد السوق وتخرج من اقتصاد الدعم. من أبرز الانتقادات التي وجهت لسيطرة العولمة واقتصاديات السوق المفتوحة بآلياتها الرأسمالية، أنها تتسبب في تكريس مشكلات اجتماعية بشكل صارخ، من حيث عدم عدالة التوزيع للدخل والثروة، فسميت بعولمة الـ80 : 20 أي تقسيم العالم إلى نحو 80 بالمئة من الفقراء و20 المئة من الأغنياء. وصل عدد الجوعى في الأردن إلي حوالي 60 ألف أسرة، بحسب تقرير لمنظمة الأغذية العالمية. وتشير الأرقام الواردة في دراسة جيوب الفقر التي أعدتها وزارة التخطيط والتعاون الدولي إلى إن المناطق المستهدفة كانت تلك التي تزيد نسبة الفقر فيها على 27 بالمئة هي: الرويشد حيث نسبة الفقر 73 بالمئة، ووادي عربة 53 بالمئة، والضليل 52 بالمئة، والصالحية 48 بالمئة، والحسينية 46 بالمئة، والجفر 46 بالمئة، وبيرين 43 بالمئة، والمريغة 41 بالمئة، والأزرق 40 بالمئة، والقويرة 36 بالمئة، ودير الكهف 35 بالمئة، وأم الجمال 34 بالمئة، وغور الصافي 34 بالمئة، والجيزة 32 بالمئة، وحوشا 32 بالمئة، والهاشمية 29 بالمئة، وسما السرحان 28 بالمئة، والشونة الجنوبية 27 بالمئة، وأم الرصاص 27 بالمئة، وديرعلا 27 بالمئة. أما توزيع الفئات الأشد فقراً ونقصاً في الأمن الغذائي، الذي يشير بحق إلى تردي الأوضاع وإلى أن مستويات الفقر تزداد حدة، فكان توزيع السكان في منطقة الأزرق في محافظة الزرقاء، حيث وصل عدد السكان تحت خط الفقر 40.30 بالمئة، ونسبة من هم تحت خط الفقر الغذائي 4 بالمئة، وفي بيرين 41.40 وتحت خط الفقر الغذائي 1.80 لتشمل القائمة قرى ومناطق عديدة تصل فيها نسبة من هم تحت خط الفقر الغذائي 4.4 بالمئة أي حوالي ربع مليون نسمة من الجوعى بكل معنى الكلمة. ويشير تقرير الأهداف الإنمائية للألفية للأردن العام 2004 إلى أن أكبر التحديات التي تواجه الأردن وترفع معدلات الجوع والفقر هو تأثر الأردن بالتوترات السياسية في المنطقة والهجرات القسرية المستمرة إلى الأردن بسبب النزاعات المسلحة. من التحديات أيضاً، مركزية عملية إدارة برامج محاربة الفقر ومؤسساته، وضعف الأداء والتنسيق بين الهيئات الحكومية وغير الحكومية التي تتعامل مع الفقر، وضعف الشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص في محاربة الفقر، إضافة لضعف القدرة البشرية والمؤسسية في مجال محاربة الفقر وضعف الشراكة الأمر الذي يؤدي إلى عدم الفاعلية وسوء الإدارة. يقول عايش إن الأمن الاجتماعي بوجود 25 بالمئة من الجوعى يفقد معناه كونه يوفر حالة من الإحباط لدى هذه الفئة، لا سيما وأن فرداً واحداً قادر على تدمير البيئة الاستثمارية والعلاقة بالمجتمع الدولي. يضيف عايش أن كل الآثار الاجتماعية الاقتصادية السابقة تدلل على أن فكرة اقتصاد السوق المفتوح بحرفيتها لا تناسب المجتمع الأردني، ما يتطلب التحول من النمو العمودي إلى النمو الأفقي الذي تشترك به جميع الفئات في العملية الاقتصادية، إذ إن المساهمين في الاقتصاد لا تتجاوز نسبتهم 15 بالمئة من القادرين على الإنتاج، فيما تبقى طاقات 85 بالمئة منهم معطلة وغير مستغلة. السياسة الاقتصادية تتسم «بالتردد»، ففي الوقت الذي تتدخل فيه الحكومة في تسعير المشتقات النفطية تجعل من التزاماتها تجاه الاتفاقيات الدولية حائط صد يمنعها من تسعير البندورة. الخبير الاقتصادي مازن مرجي يلخص أسباب ارتفاع أسعار الحبوب بصراع الثروات بين منتجي النفط والمواد الغذائية، إذ يحاول منتجو الغذاء تعويض خسائرهم من الارتفاع غير المسبوق لأسعار النفط بعد أن تجاوز سعر البرميل 120 دولاراً بهدف الوصول إلى حالة توازن بين القوى الاقتصادية. تؤدي حالة انفلات الأسعار، بحسب مرجي، إلى تراجع قدرة الفقراء على توفير السعرات الحرارية التي تخرجهم من دائرة الجوع، لكنها لا تنزع صفة الفقر عنهم. وساهم تحول المجتمع من زراعي منتج إلى مجتمع مستهلك يغلب عليه الموظفون في تفاقم المشكلة من وجهة نظر مرجي بعد تعاظم الطلب على الغذاء، وتناقص الأراضي الزراعية. يطالب الخبير بالعودة إلى الزراعة، ووقف الزحف العمراني كحل جذري للمشكلة حتى لا يزداد الفقراء، وتتآكل الدخول، ويترسخ التفكك الأسري، ويزداد عدد الأطفال العاملين الذين يزيد عددهم الآن على 42 ألف طفل. لا تعني السطور السابقة العودة إلى الاقتصاديات المغلقة ومصادرة الأموال، ولكنها دعوة لممارسة اقتصادية إنسانية تعمل على كبح هذه الممارسات غير المسؤولة التي لا تراعي الاعتبارات الإنسانية، وتحاول أن تغلف ممارساتها السلبية بدعاوى اقتصادية. فالمال في خدمة الإنسان وليس العكس. |
|
|||||||||||||