العدد 25 - دولي | ||||||||||||||
لم تكن قد مضت سوى أيام على الهزيمة المدوية لحزب العمال البريطاني في الانتخابات المحلية التي جرت في مطلع الشهر الجاري، حتى كان الحزب "يتأهب للقتال"، كما قال رئيس الوزراء، غوردون براون، وعينه على الانتخابات البرلمانية التي ستجري في العام 2010. فبراون الذي شهد الحزب في عهده أسوأ أداء منذ أربعين عاماً (انتخابات العام 1968)، حين كان حزب العمال برئاسة، هارولد ويلسون، لا يريد لنفسه أن يكون من أسوأ الخاسرين في تاريخ السياسة البريطانية إذا ما خسر الانتخابات المقبلة، بعد خسارة الانتخابات المحلية، التي تزامنت مع انتخابات عمدة لندن التي خسر فيها مرشح حزب العمال، كين ليفنغستون أيضاً. "لم تكن عطلة نهاية الأسبوع الماضي هي الأفضل بالنسبة لي،" قال براون بعد إعلان نتائج الانتخابات المحلية التي خسر فيها الحزب نحو 470 مقعداً، وحل في المرتبة الثالثة بين الأحزاب السياسية البريطانية بعد حزب المحافظين وحزب الديمقراطيين الأحرار، لأول مرة منذ عقود، ولكنه كشف عما أسماه خطة للعودة إلى الصدارة السياسية تتضمن "معالجة المشاكل الاقتصادية" وإثبات أننا نمتلك رؤية للمستقبل من شأنها أن تحقق للبلاد نقلة مهمة. وعلى الرغم من اعتراف جون بريسكوت، نائب رئيس الوزراء البريطاني، بأن الهزيمة جاءت على خلفية مشاركة بريطانيا في غزو العراق، واعتبار الهزيمة "لطمة للحزب"، وجهها الجمهور الذي لم يوافق على الغزو، فإن غوردون براون نفسه، ومعه العديد من قادة حزب العمال البريطاني، أرجعوا الهزيمة إلى أسباب محلية، وبخاصة الجانب الاقتصادي الذي شهد تراجعاً كبيراً في عهد براون، مع الزيادة المتواترة في أسعار النفط في الأسواق العالمية. وحين سئل براون، في مقابلة أجرتها معه هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، عما يمكن فعله في هذا الشأن، أجاب بأنه سيعمل على الضغط على دول منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) لتخفيض أسعار النفط. الهزيمة المدوية لحزب العمال، جعلت قادة الحزب يستحضرون أحداثاً تاريخية لعلها تساعدهم على تجاوز الهزيمة، ومن المفارق أن تكون إحدى تلك الاستحضارات ما عرف بـ"خيار مايجور"، في إشارة إلى أداء رئيس الوزراء البريطاني المحافظ جون مايجور، الذي خلف مارغريت تاتشر في رئاسة حزب المحافظين العام 1991، في خضم أزمة حرب الخليج الأولى، وقبيل إجراء انتخابات برلمانية في العام التالي. وكانت استطلاعات الرأي تشير إلى فشل مايجور، في قيادة حزب المحافظين لاستئناف حكمهم لبريطانيا الذي كان مضى عليه نحو 12 عاماً آنذاك، لكن مايجور نجح في الاحتفاظ بالأغلبية لحزبه، ما مكنه من البقاء في الحكم خمس سنوات أخرى، قبل أن يخرج من الحياة السياسة على يد شخصية كارزمية شابة في حزب العمال لم تكن غير توني بلير. ومن الطريف أن كثيراً من المحللين عزو الخسارة الكبيرة إلى أن الجمهور البريطاني ما زال تحت تأثير شخصية توني بلير اللامعة، التي لم تستطع شخصية براون المتحفظة الأقرب إلى الانطوائية أن تمحو تأثيرها أو تجاريها. ويعترف براون بأنه شخصية متحفظة، مؤكداً حقيقة يعرفها الجميع. لكن ما نسيه هؤلاء هو أن براون كان الصانع الحقيقي للسياسة التي اتبعها بلير وارتبطت باسمه، بما في ذلك الجانب الخاص بالسياسات الاقتصادية البعيدة عن النهج اليساري، الذي كثيراً ما طبع سياسات حزب العمال تحت قيادات تاريخية مثل: نيل كينوك، وجون فوت، في الثمانينيات، وهارولد ويلسون، في الستينيات. وأن كل ما كان بلير يفعله هو الإعلان عن السياسات التي كان يضعها وزير خزانته، آنذاك، غوردون براون، الذي لم يكن يجيد التعامل مع أجهزة الإعلام، مثلما يفعل بلير. غوردون براون، الذي شبه هزيمة حزبه في الانتخابات المحلية بأنها "بطاقة صفراء" وجهها الجمهور لحزبه، سارع إلى إعلان عدد من الإجراءات التي يعتقد أن من شأنها أن تجنب الحزب هزيمة في انتخابات 2010، التي سيعمل براون على عدم السماح بتقديمها في أي صورة. ومن بين هذه الإجراءات تنظيم الهجرة إلى البلاد، بحيث لا تؤثر على العمالة البريطانية الماهرة، وذلك على غرار ما فعلته أستراليا التي وضعت معايير مشددة لاستقبال العمالة المهاجرة، وتخصيص ميزانية تناهز الثمانين مليون جنيه استرليني لإنفاقها على المناطق الفقيرة والنائية، التي يعتقد على نطاق واسع أن سكانها قد انتقلوا من تأييد حزب العمال إلى الانفضاض بعيداً عنه. كما اتخذ براون خطوة مهمة على صعيد الحزب بتعيينه أميناً عاماً للحزب. حيث كان عدم تعيين أمين عام للحزب موضع انتقاد له. ويعتقد على نطاق واسع أن يكون الأمين العام الجديد هو راي كولينز، وهو شخصية نقابية معروفة، كما أنه شخصية توحيدية من المفيد أن تكون في القيادة، وبخاصة بعد أن ذهب حزب العمال بعيداً في سياساته الليبرالية التي طبقت في عهد بلير، وارتبطت أيضا باسم براون. بهذه الإجراءات التي يلاحظ أن بعضها محافظ ينافس من خلاله اليمين، وبعضها الآخر منفتح يؤكد على يسارية الحزب، يعتقد براون أن في استطاعته وقف زحف المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون، الزعيم الشاب والحيوي الذي اختاره حزب المحافظين العام 2005 رئيساً له ليكون "توني بلير" المحافظين، والذي حقق الكثير من النجاحات لحزبه آخرها فوز المحافظين المؤزر في الانتخابات المحلية الأخيرة وانتزاع عمودية لندن من حزب العمال |
|
|||||||||||||