العدد 25 - أردني | ||||||||||||||
السّجل – خاص بخطى يكتنفها الحذر، تغادر منزلها بما يلزم من "الاحتشام"، وتمضي إلى عملها المسائي في أحد الأندية الليلية في عمان. فور وصولها، تنسل إلى غرفة جانبية باردة تعتري الكآبة جدرانها، حيث تبدل ملابسها بأخرى "عارية" تظهر تفاصيل جسدها المكتنز. ثم تنسل دون أن تستوقفها صورتها في المرآة، إلى عالم الليل الصاخب. سلوك نانسي (28 عاماً)، المطلقة منذ خمس سنوات، دافعه إخفاء طبيعة عملها عن والديها اللذين يعيشان معها. وتقول: "أهلي يعتقدون أنني أعمل في أحد الفنادق، وليس في ملهى ليلي". وبقدر من الأسى تجادل نانسي، وهذا ليس اسمها الحقيقي، بأن المجتمع "لا ينصف المرأة التي تعمل في هذا المجال رغم أن الظروف قد تجبرها على ذلك". وهو أمر تتفق معها فيه زميلات لها يعملن في الملهى ذاته الذي يقع في أحد أحياء عمان الغربية الراقية. نانسي لا ترى العمل في ملهى ليلي أمراً "شائناً"، فهي لا تتصرف بطريقة "خاطئة"، على حد تعبيرها. تقتصر "وصلة" نانسي على "الرقص في محيط طاولات "الزبائن" دون أن تسمح لهم بملامستها ب"طريقة تخل بالحياء العام"، بحسبها. فالقوانين التي تحكم ممارسة "مهنة" العمل في ملاه ليلية وبارات تمنع التصرف بطريقة تخدش الحياء العام، وتفرض على ذلك عقوبات "مشددة" تصل إلى إغلاق الملهى أحياناً. بيد أنها لن تتردد في أن تترك هذه المهنة حال توافر عمل آخر يؤمن لها عيشاً كريماً مع عائلتها المكونة من أخيها الصغير، شقيقتها، ووالديها المريضين. نانسي، بين كثيرات يواجهن قسوة ظروفهن المعيشية بالعمل في ملاه ليلية وبارات في العاصمة نادلات أو راقصات، دفعتهن ظروفهن لخرق "قواعد الشرف" تحت وطأة متطلبات حياة باهظة التكاليف من ضمنها رسوم جامعات وكليات. فيما تعمل أخريات في هذه المهنة لمجرد الرفاهية. لكن هؤلاء الفتيات لا يفصحن عن طبيعة مهنتهن خوفاً من "وصمة اجتماعية سلبية" تلاحق العاملات في هذه الأماكن. ويبررن سلوكهن بأنهن "يعملن بشرف،" ولا يسمحن لأحد بالاعتداء عليهن في أثناء أوقات دوامهن الرسمي، "الذي يمتد إلى ساعات متأخرة من الليل وقبيل الصبح". أثناء النهار، تواصل الفتيات حياتهن الاعتيادية، فيما تقصد بعضهن مقاعد الدراسة في كليات أو جامعات. تجمع أولئك الفتيات ثنائية الاحتشام والخوف من التقاليد في الشارع والملابس العارية والانفلات القيمي في مرابع الليل. ورغم ذلك، تختلف نظرتهن إلى عملهن؛ فمنهن من "يرفضن الاستغناء عنه في ظل ما توفره من مبالغ مالية مجزية"، وأخريات يرغبن في التخلص "من قيود عمل الليل" ولكن ظروفهن القاسية تجبرهن على مواصلة المشوار، كما يقلن. ينتشر في عمان 91 ملهى وباراً، يعمل فيها نحو 1800 عامل وعاملة، من جنسيات متعددة، بين نادل ومسؤول عن التنظيف والطهي في هذه الملاهي التي تصنف ضمن فئة المطاعم، وفق أرقام جمعية المطاعم السياحية. فتيات أخريات يتصرفن بالطريقة ذاتها التي تتصرف بها نانسي، رافضات «بيع أجسادهن لطالبي المتعة»، فمروى (ليس اسمها الحقيقي)، التي تعمل راقصة في ملهى ليلي أيضاً، تقول «أعمل بشرف بالرغم من الانطباع السلبي للمجتمع تجاه هذه المهنة». مروى، العزباء، ذات الـ 31 عاماً، تجد أن عملها كراقصة في الملهى يوفر لها دخلاً جيداً لفتاة لا تحمل شهادة، وليس بإمكانها ممارسة مهنة أخرى تمكنها من دفع علاج والدها المصاب بمرض السرطان ومساعدة شقيقها على الدراسة بعد أن توفيت والدتها. عند قدومها من قطر عربي لم تجد مروى عملاً غير السير في طريق الليل، الأمر الذي لا يعلمه والدها. فقد أبلغته أنها تعمل في أحد المطاعم، وليس في ملهى ليلي. «لم أكن أعمل سابقاً، ولا أملك مصادر أخرى للدخل، فماذا سأفعل؟» تتساءل مروى. غالبية الفتيات العاملات في هذه الملاهي من المغتربات. وبجانب هؤلاء الفتيات توجد أخريات يعملن نادلات ويتفقن مع الزبائن على أوقات ممتعة مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 100 و200 دينار دون أن يأبهن بمعرفة المجتمع بطبيعة عملهن. شذى (اسمها الوهمي) التي تعمل في أحد البارات تقول «قدمت من بلدي بعد أن توفي والدي وطلقني زوجي إثر خلافات مستمرة، وأعمل هنا منذ ثلاث سنوات». ترفض فتاة الليل البالغة من العمر 27 عاماً العمل في «غير هذا المجال» بعد أن باتت معتادة على السهر طوال الليل والنوم خلال ساعات النهار، ولما يوفره هذا العمل من مردود يومي جيد يصل إلى خمسين ديناراً كـ «بقشيش يقدمه الزبائن عن طيب خاطر إكراماً لها». لكن شذى «لا ترفض ممارسة المتعة» مع زبائن يرتادون البار الذي تعمل فيه، مقابل المال. تقول «أنني أستفيد مالياً من علاقتي مع الزبائن، فأنا أقدم خدمة مقابل نقود». المبالغ المالية الكبيرة التي تجنيها الفتيات العاملات في الملاهي الليلية والبارات من الزبائن دفعت شذى إلى تشجيع شقيقتها للعمل معها في المهنة ذاتها. أخرى تدعى أماني، 30 عاماً، تقول «أعمل نادلة فقط، ولا أمارس شيئاً آخر، ليس لعدم قناعتي وحاجتي له، ولكن لأن مالك الملهى الليلي يحتجزني وزميلاتي في أحد الفنادق ولا يسمح لنا بالخروج إلا للعمل ليلاً». عندما يهبط الليل، تتجول في شوارع العاصمة حافلات خاصة صغيرة وقد اكتظت بعاملات الليالي لتوزيعهن إلى مقرات عملهن. بيد أن ريم البالغة من العمر 26 عاماً ترفض الانحراف بشكل قطعي. وتقول: «لم أقتنع بذلك ولا بالعمل في الملاهي الليلية ولكن ظروفي الاجتماعية أجبرتني. فقد توفي زوجي في سورية وقدمت أنا وطفلي إلى هنا بعد أن ضاقت بي الدنيا هناك ولم أجد عملاً». مرتادو هذه الملاهي يختلفون حول فكرة «عمل فتيات الليل من أجل تحصيل لقمة العيش فقط». سالم (30 عاماً)، يرتاد الملاهي الليلية بشكل دوري، يقول إن «هدفه من السهر الإلتقاء بفتاة ليل مناسبة يتفق معها على ممارسة الجنس مقابل مبلغ مالي معين عقب انتهاء عملها». يضطر سالم الذي يعمل موظفاً براتب لا يتجاوز 300 دينار، للاستدانة أحياناً، بحسب قوله. وهو يرى أن «كل فتيات الليل سيئات». يجادل صديقه عمار بأن الظروف الاقتصادية السيئة قد تدفع هؤلاء الفتيات أحياناً للعمل في هذا المجال. ويشرح مشيراً إلى فتاة كانت تتمايل قرب الطاولة التي حجزاها «هذه الفتاة مثلاً، قد لا تكون سيئة وقد تكون لديها قيم إيجابية، ولكنها الحياة». النقاش يستمر، وفي صلبه أن الحاجة تبقى سيدة الموقف، تدفع هؤلاء الفتيات إلى العمل في هذه الملاهي دون أن يتمكن من مجابهة مجتمع يرفض هذه الفكرة ويصف العمل فيها بـ «الانحلال الأخلاقي». |
|
|||||||||||||