العدد 25 - أردني
 

نهاد الجريري

لا يكاد يمر يوم جمعة، من دون أن يذهب عبد العزيز وأصدقاؤه إلى السوق التي تعقد في العبدلي في مثل هذا اليوم من كل أسبوع، ليتفقدوا ما إذا حملت لهم "بالات" أميركا ما يكفي من "تي شيرتات" خاصة بفرق رابطة كرة السلة الوطنية الأميركية NBA. فهذه القمصان على اختلاف ألوانها هي الزي الذي يرتديه فريق عبد العزيز لكرة السلة ممثلا اليادودة وخريبة السوق في بطولات محلية غير معلنة أو منتظمة.

عبدالعزيز، الذي يتناوب على قميصي كوبي براينت و شاكيل أونيل، بدأ بلعب كرة السلة منذ خمس سنوات في ساحة مدرسة البنات القريبة من منزله في اليادودة – وهي بلدة بدأت تتسع على الأطراف الشرقية الجنوبية من عمان.

يقول عبدالعزيز "يسمح لنا حارس المدرسة بالدخول واللعب، ولكن ما أن يحين موعد صلاة المغرب حتى يطلب منا الرحيل لأن أصواتنا تزعج المصلين."

فريق عبد العزيز، الذي يدرس هندسة الطيران في الأكاديمية الملكية، لعب ضد فريق من جامعة اليرموك الأسبوع الماضي، ويستعد لخوض مباراة جديدة بعد أيام مع فريق البنات هذه المرة. يقول: "يريد صديقي، وهو مدرب فريق البنات أن يثبت لنا أن لعبهن أفضل من لعبنا".

يتمنى عبدالعزيز لو تتوافر صالة "مرتبة" في اليادودة، أو في منطقة قريبة منها، لأن الواحد "انهرا قد ما لعب على الزفتة" في ساحة مدرسة البنات، كما يقول.

أمنيات متواضعة في مجتمع مهمش، مثقل منذ أجيال بأعباء الحياة اليومية، حتى صار أفراد هذا المجتمع يجدون في النشاطات الخارجة عن إطار "لقمة العيش" ترفاً.

شبان آخرون في اليادودة مثل عيد وأحمد ومحمد ممن لا تستهويهم كرة السلة، لا يجدون متنفسا سوى متنزه رغدان القريب أو شارع المطار، حيث "نأخذ طعامنا معنا في نهاية كل أسبوع، ونلعب الشدة ونقزقز البزر وندخن الأرجيلة للساعة 7 أو 8 بالليل ثم نسارع بالعودة إلى البيت لأن الأهل لا يحبون أن نغيب طويلا." يقول محمد.

هذا النموذج من شباب عمان "الأقل حظا" يتكرر في مناطق أخرى في المملكة. معن الذي انتقل إلى الطفيلة للدراسة في جامعة الملك الحسين، يقول إن السيناريو نفسه يتكرر هناك، رغم أنه يسكن في المدينة الجامعية. ويتابع: "ليس هناك ما يمكن للشباب أن ينشغل به غير الدراسة أو العمل أحياناً. فلا نوادي أو ملاعب تحتوينا." فالحياة هناك، كما يصفها، تحولت إلى نوع من الهذيان، أما "لمّات الشباب" فتكثر فيها الثرثرة والسخرية من دون معنى، إما سخرية من واقع الحياة أو بعد مشاهدة فيلم على قناة mbc2."

هيثم، الذي تخرّج للتو من الجامعة وما زال يبحث عن عمل، يتنقل بين اليادودة والعقبة بسبب ظروف عمل والده. لكنه ربما كان "أكثر حظا" فقد وجد متنفسا في بحر "ثغر الأردن الباسم" ونادي الأمير راشد للسباحة هناك. لكنه يقول إنه لم يسمع أبدا بالنوادي أو مراكز الشباب. "النادي الوحيد الذي أعرفه هو نادي البلياردو في اليادودة، وهو يكلفني ديناراً ونصف الدينار في كل ساعة أمضيها هناك. هذا مبلغ لا أستطيع إنفاقه في كل وقت." .

حياة الشابات

لا تختلف حياة شابات عمّان "الأقل حظا" عن حياة شبانها. تشكو هند الطالبة في الصف الأول العلمي، من أن أهلها لا يسمحون لها بالالتقاء مع صديقاتها خارج المدرسة. تقول "أهالينا دقة قديمة، طريقة تفكيرهم تقليدية، فلا أتخيّل أن أطلب منهم أن نذهب إلى نادٍ، أو إلى مطعم مكدونالدز أو بوبايز أو حتى توتنجي في الوحدات." لكنها لا تبدو منزعجة كثيراً من هذا الأمر، إذ إن "هذه مبادىء ورثناها وتشربناها حتى اقتنعنا بها، حتى أننا لا نثير مثل هذه الأمور أصلا ونقبلها كما هي." وهكذا تقضي هند وقت فراغها في البيت تكتب مقالات وقصصاً "من وحي السياسة"، وأحيانا تلخص كتباً وتنتقدها. وتتمنى يوماً أن تنشر ما تكتب.

مثل هند، تحب شهد كتابة الشعر والقصص. كذلك هي ختام، وفاطمة التي تميزت عن الأخريات بأنشطتها اللامدرسية، فهي تذهب في الصيف إلى مراكز حفظ القرآن.

أما آسيا فتنظم الشعر النبطي الذي يلقى استحسان والدها وزميلاتها، وبخاصة عندما تلقي شعرها أمام طابور الصباح. مروة تحب الرسم، ونداء بدأت العمل على إعداد فيلم للشركة التي يعمل فيها والدها باستخدام برنامج Movie Maker. أما مي فتقضي وقت فراغها في مشاهدة مسلسلات الكرتون، وبخاصة كونان الذي ترى فيه شخصية عبقرية تستحق الدراسة.

ولسهام هوايات من نوع آخر، فهي تحب المسلسلات المدبلجة مثل "نور"؛ وما عدا ذلك تهتم بنفسها حتى تبدو جميلة وأنيقة، إذ تُعد لزواج قريب.

هذه بعض أحلام وهموم سكان عمان "الأقل حظا"، في مناطق أخذت على عاتقها تطوير ذاتها بذاتها بعد أن خذلتها المؤسسات الحكومية والأهلية على حد سواء . هؤلاء الشبان والشابات لم ينالوا من المجلس الأعلى للشباب أي مركز يحتضنهم. فبحسب موقع "المجلس الأعلى للشباب" الالكتروني هناك خمسة مراكز للشباب فقط في العاصمة عمان: اثنان ضمن حرم مدينة الحسين للشباب، واثنان في ماركا، وواحد في ناعور. والمراكز في مجملها مراكز بعيدة نسبياً عن شرق/جنوب العاصمة، إذ تستغرق الطريق من اليادودة مثلا إلى مدينة الحسين(المدينة الرياضية) ساعة في ظروف مثالية ،يندر أن تتوفر لسكان مجتمع يعيش على الهامش.

شبان عمّان “الأقل حظا”: مقاومة الحرمان بالرياضة والقراءة و.. الثرثرة
 
08-May-2008
 
العدد 25