العدد 25 - أردني | ||||||||||||||
سليمان البزور في الفضاء الرقمي المزدحم أصلاً بمواقع الإنترنت المختلفة، تأتي المدونات لتزيد الازدحام شدة. المدونون، أصحاب المدونات، لا يحتاجون إلى أكثر من الجلوس خلف "لوحة مفاتيح" الكومبيوتر، ليتحول إلى رئيس التحرير أو محرر أو ناشر. وقد يمارس أحياناً دور الرقيب على المعلقين على المواد التي ينشرها بأوصافه العديدة سابقة الذكر. تتفاوت اهتمامات المدونين، بين الهموم الشخصية مثل: تسريحة الشعر أو انقطاع سياراتهم من البنزين، أو الإسهاب في الحديث عن قصة حب فاشلة، وبين الإعلان عن موهبة أدبية، وبين قضايا ذات بعد وطني أو قومي أو إسلامي، مثل الدعوة إلى حملات مقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية، فيما يمضي آخرون إلى شؤون سياسية فينتقدون أنظمة الحكم ويطالبون برحيلها. عناوين المدونات في حد ذاتها عالم آخر مليء بالرموز والدلالات، وتعبير عن المضامين التي تحويها المدونات: "ليش ساكت ما تحكي"، "إنسان حر"، "فالظلام سيحلُ على أبواب الأحلام"، "طيور الجنة"، "كان لامي عين واحدة"، "سكرتير عزرائيل"، "مجرد حكي" و"راقصة الفلامينكو". الشبكة العنكبوتية، تزدحم بنحو عشرة آلاف مدونة لأردنيين. الحاضنة الأكبر لهؤلاء هو موقع مكتوب، الذي يستضيف نحو 4 آلاف مدون، فيما يتوزع الآخرون على مواقع أخرى مثل: جيران، وورد برس، وجوردان بلوغرز، وبلوغرز، وغوغل، والبوابة، وآي توت، ومواقع أخرى تقدم خدمات التدوين بالمجان. في المجمل، تصاعد استخدام الإنترنت في الأردن مع دخولنا الألفية الثالثة. وتشير إحصاءات موقع العالم للإنترنت أن الأردن يحتل المرتبة السادسة بين دول الشرق الأوسط من حيث نسبة الاستخدام مقارنة بعدد السكان، إذ وصلت نسبة استخدام الإنترنت في الأردن نحو 12 بالمئة من مجموع السكان، ووصل عدد مستخدمي الإنترنت في عام 2007 زهاء 700 ألف مستخدم. برغم ذلك ما زال التدوين في الأردن «يحبو»، ويتلكأ مدونون في الإبحار في ذلك الفضاء الرقمي؛ تكبلهم مخاوف من الملاحقة الأمنية، وسيادة عقلية مجتمعية ترفض الاختلاف وتنكر على المجددين محاولاتهم للتغيير، فلم يقترن التطور الكمي في استخدام الإنترنت والتدوين بتطور نوعي تعكسه مدونات ما يمكن تسميته بمدونات النخبة مثل مدونات الصحفيين والإعلاميين، التي يتواجد منها على الشبكة العنكبوتية أكثر من 30 مدونة مثل: مدونات باتر وردم، ومحمد عمر، وزياد أبو غنيمة، وحلمي الأسمر، وياسر أبو هلالة وآخرين، إذ يكاد يقتصر تدوينهم على ما يكتبونه في الصحف، وإن كان هنالك اختلاف عما ينشرونه في الصحف، فقد يكون في سطر أو فقرة منعت من النشر. لم يساهم أي من المدونين الأردنيين لغاية الآن في إثارة قضية رأي عام، كما لم يرتبط اسم أي منهم بأي قضية كبرى، كما يحدث في دول أخرى، مثل مصر التي تصدى بعض مدونيها لنشر قضايا التعذيب في السجون، وأقسام الشرطة، وحيث طوروا عملهم بحيث تضمن مقاطع فيديو تصور ذلك، كما ساهم مدونون مصريون في الترويج لموجة الإضرابات والاعتصامات التي شهدتها مصر مؤخراً. وعلى الرغم من الدور المحدود لتلك المدونات ومواءمتها لمناخ الحرية السائد في الأردن، إلا أن حكومة معروف البخيت لوحت في الثلث الأخير من العام الماضي بسن قانون خاصة بالصحافة الإلكترونية وبإخضاع المواقع والمدونات لقانون المطبوعات والنشر، وذلك على النقيض من دول أخرى باتت تنظم مسابقات وتمنح جوائز للمدونين، لكن هناك دول مثل الأردن ما زال فيها سقف الحريات يراوح ويتفاوت بين الحين والآخر، يعيش فيها التدوين مخاضاً عسيراً. يتربع المدون والكاتب الساخر كامل نصيرات، على سدة عرش المدونين الأردنيين، إذ تشير إحصاءات مكتوب الذي يحتضن مدونة نصيرات إلى تخطي مدونته مليوني زائر منذ انشائها. المدونة ميس أبو صلاح، التي احتلت المرتبة الثانية بعد المدون كامل النصيرات، بعدد الزوار، بنحو 500 ألف زائر منذ أن بدأت رحلتها في التدوين عام 2005، تقول لـ«ے»: «أن تدون وتنشر ما يجول في خاطرك مع التصريح بشخصك يحتاج جرأة في عالمنا العربي، بخاصة للإناث». تعتبر ميس أن الدافع وراء التدوين كان بالنسبة لها «حب المغامرة وتجربة الخدمات الإلكترونية والتواصل مع الملايين دون حواجز.» وهي تفضل تناول الموضوعات الاجتماعية، وفي بعض الأحيان الهزلية. المدون والإعلامي، محمد شما، يقول إن رحلته مع التدوين بدأت قبل عام ونصف عن طريق المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها «راديو البلد»، وذلك حين أتاحت المحطة الإذاعية للعاملين فيها صفحات للتعبير عن مواقفهم وآرائهم. يواصل شما معلقاً على تأثير المجتمع في المدونين «المدونات جعلتني أكثر مسؤولية تجاه مجتمعي.» لجوء شما للتدوين بدأ نوعاً من «الفضفضة»، ومحاولة للتعليق على أحداث لا يستطيع التعبير عنها بحرية كاملة في ما يقدمه من تقارير صحفية وإذاعية. ويقر شما بأن التدوين ساهم إلى حد ما في إحداث تغيير على منظومة القيم الخاصة به. يعتبر المدون، محمد جرادات، أن المدونات عالم كامل وليس افتراضياً. ويدلل على ذلك بحملات الاعتقال والملاحقة التي طالت مدونين مصريين، وسعوديين. يشرح جرادات: "تأثير هذه المدونات فاق التوقعات، وبات يمثل صداعاً في رأس العديد من الحكومات العربية التي تخشى أن يمتلك المواطنون وسائل جديدة، خارج نطاق سيطرة تلك الحكومات، تتيح لهم فضح كثير من ممارسات الحكومات». يبرر جرادات، تخوف المدونين من الخوض في الكثير من القضايا الملحة بأن «المدون ما يزال حبيس الخوف الكامن، فإن تطرق لشأن ما بكامل الحرية وبتجرد عن المحيط، فالسجن والملاحقات الأمنية ستكون في انتظاره، رغم أن المدونة أشبه بدفتر مذكرات للأشخاص، ومعنى ذلك أننا وصلنا إلى مرحلة التحقيق والمحاكمة على ما يكتبه الناس في مذكراتهم.» في النهاية لا بد للمدونين الأردنيين إذا رغبوا بحجز مساحة أوسع لهم في الفضاء الرقمي، وحمل أعمالهم على محمل الجد تبني قضايا ذات منحى تنويري، والمساهمة في تغيير منظومة القيم السائدة.
** فئة "خاصة" من المدونين المثليون بين أبرز من «تنفسوا الصعداء» في الأردن، بعد ازدهار المدونات، فهم أنشأوا مدونات خاصة بهم، وبدأ هؤلاء من خلالها، وللمرة الأولى، يعبرون عن أنفسهم. باتت هناك مواقع، ناطقة بأسمائهم، فبعد ظهور المدونات لم يعد هؤلاء قابعين في الظل، تاركين لآخرين التحدث عنهم. بل إن بعضهم بدأ يستخدم المدونات للبحث عن «نصفهم الآخر» إن جاز التعبير. في تحقيق مطول نشره على مدونته، تناول الزميل محمد عمر المشكلة وتحدث عن استخدام هؤلاء للشبكة العنكبوتية، وأشار إلى بعض مواقعهم والأفكار التي يطرحونها في تلك المواقع. يقول عمر في التحقيق الذي حمل عنوان «مثليو الجنس في الأردن»، من الحمامات العامة إلى الإنترنت إن «الحال تغير كثيراً منذ بدأ الإنترنت بالانتشار، ولم يعد مئات من مثليي الجنس في الأردن بحاجة لكل هذا العناء لإيجاد (بوي فرند أو غيرل فرند) أو حتى مواعدة ليلة واحدة". يشير إلى شاب يدعى محمد من مدينة إربد، لم يتردد في إشهار نفسه عبر مدونة على الإنترنت، واضعاً صورة على الصفحة الرئيسة للمدونة "ربما تكون بالفعل له مع أنها غير واضحة المعالم بشكل يمكن من خلالها التعرف بدقة على هويته." كما يقول عمر. في تقديمه لنفسه يقول "اسمي محمد، أسكن في الأردن، ومازلت أدرس بالجامعة. لي الكثير من النشاطات في هذه الحياة غير الدراسة، ومنها الكتابة هنا في المدونة. أؤمن بهذه المقولة: " LIVE while you are alive"عش طالما أنت حي". أما عن مدونته وسبب إنشائه لها، فيقول محمد إنه أنشأها "بكل بساطة لأنها وسيلة التعبير الوحيدة المتاحة لي لكي أعبر عن مشاعري المكبوتة منذ أكثر من إثنى عشر عاماً». ويمضي قائلاً: "نعم لقد كبت مشاعري في داخلي وخجلت منها لأني مثلي الجنس مضطهد من قبل معظم أفراد مجتمعي، لدرجة أني وصلت إلى مرحلة قريبة من الانفجار بسبب عدم قدرتي على التوفيق بين توجهاتي الجنسية وديني». تحقيق الزميل محمد عمر، علّقت عليه سلباً وإيجاباً أعداد كبيرة جداً من القراء،تفوق التعليقات على أكثر القضايا السياسية سخونة. بحسب تحقيق عمر، يتواجد في الغالب بين 50 و70 من مثليي الجنس يومياً على مدونة محمد من الأردن وحدها. |
|
|||||||||||||