العدد 25 - أردني
 

أحمد حميض

ثمة انطباع عام سائد بين الشباب، يرى أن الحصول على وظيفة جيدة يتطلب «واسطة»، أو الاعتماد على العلاقات الاجتماعية. هذه الأفكار لم تأت من فراغ، فهي تعكس جانباً من واقع مجتمعنا الذي يعطي وزناً كبيراً للعشيرة التي ما زال لها دورها المؤثر في المجتمع.

بهذا يصبح الحصول على وظيفة أمراً على درجة كبيرة من الصعوبة، فكيف بفكرة تأسيس شركة صغيرة أو العمل في مشروع خاص، حيث يسود الاعتقاد حينئذ بأن من الضروري أن يكون الأب واسع الثراء أو من المتنفذين للإقدام على خطوة إقامة مؤسسة خاصة .

مع التطورات الهائلة التي شهدها مجتمعنا في العقدين الأخيرين،نشأ ما يمكن اعتباره اقتصاداً شبابياً، وهو ما زال في طور التكون ، ولا يحتاج الانخراط فيه سوى الى بعض الموهبة، قليل من الجرأة وكثير من روح المبادرة، ففي حين يتطلب إنشاء شركة تعهدات كبيرة على سبيل المثال، مبالغ ضخمة لشراء المعدات، لا يلزم إنشاء شركة للبرمجيات أو التصميم أو خدمات الكتابة، إلى أكثر من جهاز كمبيوتر وطاولة في غرفة نوم الشاب أو الشابة.

هناك نماذج من شباب الطبقة الوسطى في عمان، استطاعوا إنشاء أعمال خاصة بهم، وقيادة حياة اقتصادية مستقلة، مستفيدين من الفرص التي وفرها تطور الاقتصاد العالمي والإقليمي و الأردني في العقد المنصرم.

إثنان من الأصدقاء قد يؤسسان شركة صغيرة جداً للتصميم الغرافيكي. زبونهم الأول قد يكون شاباً في عمرهم يعمل مديراً لمقهى إنترنيت. وقد يكون لشركة التصميم زبون آخر بحاجة إلى خدماتهم لتصميم موقع إلكتروني. هذا الزبون شاب أردني يقوم بتطوير بعض البرمجيات الصغيرة ،وبيعها عالمياً من خلال شبكة الإنترنت.

هذه الفرضية، مستمدة من قصص نجاح عديدة شهدتها عمان، تبدو وكأنها تثبت الأفكار السابق ذكرها.

كريم عرفات، 29 سنة، بدأ قبل 4 سنوات بتأسيس شركة TootCorp مع شركاء آخرين برأسمال لم يتجاوز 15 ألف دولار. الشركة متخصصة في الأدوات الإعلامية الموجهة إلى مستخدمي الإنترنت وبخاصة المدونون.

من أهم مشاريع الشركة إكبس.كوم ikbis.com الذي يشبه اليوتيوب، ولكن باللغة العربية، ووتوِت.كوم watwet.com الذي يشبه برنامج فيسبوك ولكن على الأجهزة الخلوية. يذكر كريم أنه وشركاءه لم يتقاضوا أي راتب خلال الأشهر التسعة الأولى من تأسيس الشركة، وكانت تلك مغامرة لا بد منها للنجاح، إذ إن بينهم المهندس والمحامي- كما هي حال كريم- اللذين كان بإمكانهما أن يجنيا ضعف ما جنيانه في البداية. ولكن مع تطوير الشركة زاد عدد الموظفين من 3 إلى 12موظفاً، وبدأت الأرباح تنهال على الشركة.

في المجال نفسه بدأ عمرو الطوخي، 33 سنة، قبل 7 سنوات بتأسيس شركة Visualaundry، وهي شركة متخصصة بإنتاج الأفلام باستخدام تقنية حديثة مثل motion graphics والتصوير كامل الأبعاد 360 degrees. بدأ عمرو الشركة مع زوجته هبة، وهي مصممة غرافيك، برأسمال لم يتجاوز 80 ديناراً. فقط حاسوب وأدوات multimedia في المنزل. أول مشروع كان لهيئة الأوراق المالية، وقد جنوا منه 3500 دينار. ويعمل في الشركة الآن أكثر من 10 أشخاص في اختصاصات مختلفة.

من المثير أن العديد من الشركات المتوسطة والصغيرة ،لم تنجح فقط في تقديم خدمات محدودة لشركات محلية صغيرة، بل حققت اختراقات في الشركات الكبيرة والمؤسسات الحكومية، دون الاعتماد على المحسوبية، وبمنأى عن الفساد، ودفع الرشاوى من تحت الطاولة. وحتى لو لم تستطع هذه الشركات الصغيرة الحصول على عقود ضخمة، فإن اقتصاد الأردن (عمان تحديداً) أصبح من التنوع بحيث يسمح لهذه الشركات والأعمال بخدمة بعضها بعضاً ،بما يشير إلى بدايات تكون شبكات اقتصادية موازية للاقتصاد التقليدي الذي تهيمن عليه الشركات الكبرى.

مؤيد شحادة طور أدوات حاسوبية backup utilities في شركة Genie-Soft وهي شركة بلغت أصداؤها أنحاء واسعة من العالم. أما ريما مال الله فتقوم بالرسم على الكؤوس والأطباق وتقيم معرضاً دائماً في شارع الرينبو يحمل اسم Love on a Bike

النمو الذي طرأ على قطاع الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية والترفيه والإعلام، سمح بوجود العديد من هذه المشاريع. ورغم أن قلة التمويل وغياب الخبرة الإدارية يؤديان إلى فشل بعض هذه المشاريع، أو إبقائها صغيرة، فإن بعضها الآخر استطاع الصمود والنمو وتوفير فرص عمل ممتازة للكثير من الشباب الموهوب.

في بلد يعاني من نسب عالية من البطالة، قد يكون من المضحك المبكي أن كثيرا من الشركات الشبابية الناشئة في القطاعات الإعلانية والإعلامية والفنية والتقنية، تعاني من ظاهرة شح المواهب، وهي مشكلة حقيقية تكشف عن قصور تعليمي واجتماعي. ففي حين تتكدس مئات السير الذاتية على مكتب صاحب شركة برمجيات صغيرة عند الإعلان عن وظيفة مبرمج، فإن العثور على مبرمج موهوب ومتحمس أمر في غاية الصعوبة. فكثير من المتقدمين قد يكونون ممن درسوا علم الكمبيوتر تحت ضغط الأهل وليس عن رغبة حقيقية، وهؤلاء قضوا سني دراستهم إرضاء لمدرسيهم (الذين لا يعرفون شيئا عن متطلبات سوق العمل الجديدة)، بدلاً من الاشتغال على أنفسهم. هكذا قد تعطى الفرصة الوظيفية لشخص ما زال على مقاعد الدراسة لكنه يتميز بالمبادرة الشخصية للتعلم، مدفوعا بتعلقه بالمجال الذي اختاره..

الأمر نفسه ينطبق على المصممين والمعماريين ،وخبراء مونتاج الفيديو والصوت والتصميم الثلاثي الأبعاد والصور المتحركة وكاتبي النصوص الإعلانية، ومصممي صفحات الويب وغيرها من التخصصات.

أحمد الصباغ، 28، بدأ قبل عام مع ثلاثة آخرين بتأسيس شركة بلوزات blouzaatالشركة بدأت برأسمال لم يتجاوز 8 آلاف دينار. تعمل الشركة على تصنيع القمصان T-Shirt وطبع تصاميم خاصة وفريدة عليها. التصاميم تصور الحياة المدنية، وتتميز بكلمات عربية مطبوعة لافتة للانتباه. يتم إنتاج 40 قطعة فقط من كل تصميم، بحيث يحمل كل قميص رقماً معيناً من 1 إلى 40.

أما وسام طبيله، 29 سنة، فبدأ في عمر 25 بتأسيس شركة FluidProductions لإنتاج الدعايات للراديو والتلفزيون، وإنتاج الأفلام الترويجية للشركات corporate video. البداية كانت متواضعة برأسمال بسيط لكن الشركة تطورت بحيث اصبحت تنافس شركات أخرى ضليعة في هذا المجال منذ أكثر من 12 سنة.

قصص النجاح الشبابية رغم محدوديتها، تمثل شكلاً ثورياً من التقدم الاجتماعي. فإنشاء عمل خاص، وخوض الريادة في عالم الأعمال هي بمثابة إعلان استقلال الشاب عن نظام اجتماعي جامد. وفي حال نجح الشباب في أعمالهم بدون اللجوء إلى علاقات الأهل أو العشيرة أو الرشوة، فإن ذلك يشكل نواة مهمة لمجتمع يكافأ الناس فيه على علمهم ومبادراتهم، لا على علاقاتهم التقليدية.

هذا المنحى في التفكير بدأ يغزو قطاعات كانت تعد مغلقة، وهو تغيير قد يبدأ بمجرد تسلم جيل جديد من المدراء دفة القيادة في بعض المؤسسات الكبيرة القديمة. ففي سوق منفتح على المنافسة العالمية، يصبح من غير الممكن الاكتفاء بعلاقات الجد أو الأب القديمة للحصول على الخدمات المهمة لعمل تلك المؤسسات الكبيرة. من هنا يبدأ المدير الشاب البحث عن خدمات وعلاقات عمل جديدة، بناء على الكفاءة وليس العلاقات التقليدية، مما يشكل فرصة لجيل جديد من الشركات للعمل مع زبائن كبار..

علماً أن العديد من شركات الجيل الجديد قد استفادت من الطفرة الاقتصادية الخليجية لتجاوز السوق الاردني برمته، وبناء نجاح في دبي أو قطر أو السعودية.

سياسي بريطاني نسب اليه قوله "إن إمبراطوريات المستقبل ستكون إمبراطوريات العقل." ومع أن الاقتصاد الشبابي في الأردن قد يكون الاستثناء لا القاعدة، فإنه يسير في اتجاه العقل والمعرفة. فهل يدرك ذلك مستثمرو العقارات وإمبراطوريات الأبراج الإسمنتية؟ .

اقتصاد جديد يبنيه شبان استوعبوا الثورة التكنولوجية
 
08-May-2008
 
العدد 25