العدد 25 - أردني
 

صلاح حزين

في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لم تكن ألعاب رياضية مثل: الجودو، والكونغ فو، والكاراتيه، معروفة للجمهور العريض من الشباب. كانت هناك رياضتان: الملاكمة، والمصارعة. وبين الرياضتين كانت الملاكمة هي الأكثر جذباً للشبان الأردنيين. وكان الملهم الرياضي الأكبر آنذاك شخص قد لا يتذكره كثيرون اليوم هو: أديب الدسوقي.

لم يكن أديب الدسوقي آنذاك شاباً، بل أقرب إلى سن الكهولة بجسمه الضخم وشعره الذي خطه الشيب، وكان يعتمد في الترويج لنفسه على تاريخه كملاكم في مدينة يافا . وتتذكر أجيال تُحسب اليوم في عداد الكهول صورة لأديب الدسوقي في وضع «قتالي»، قريب مما كان ينشر من صور لملاكمين عالميين آنذاك، وقد كتبت تحتها عبارة "أديب الدسوقي: بطل فلسطين والشرق الأوسط."

بصفته هذه أعلن الدسوقي عام 1963 تحدي بطل العالم في الملاكمة آنذاك، فلويد باترسون، وفي العام التالي حين خسر باترسون لقبه أمام سوني ليستون تحدى الدسوقي ليستون، وأعلن ذلك في مقابلة إذاعية استقطبت اهتمام الشباب ،الذين استهوتهم فكرة أن يكون لديهم بطل في الملاكمة يتحدى بطل العالم.

سوني ليستون الذي كان قوياً وشرساً، ما لبث أن خسر بطولة العالم في الملاكمة أمام شاب صغير السن لم يتجاوز الرابعة والعشرين آنذاك اسمه كاسيوس كلاي، الذي أعلن اعتناقه الإسلام فور فوزه، فلم يعلن الدسوقي تحديه لكلاي الذي اتخذ اسم محمد علي.

في تلك الأثناء، كان نجم آخر يصعد في عالم الملاكمة، هو فهد الطنبور. وكان الطنبور قد غادر إلى سورية في أواخر الخمسينيات، على خلفية سياسية كما كان يقال. وقد بقي هناك حتى العام 1965، حيث شارك في عدد من مباريات الملاكمة بوصفه بطلاً فلسطينياً، وحين عاد في العام المذكور بدأ الطنبور ينافس أديب الدسوقي، ويقدم نفسه بوصفه ملاكماً شاباً استقطب بطوله الفارع وجسمه الضخم جماهير الرياضيين، وإن كانت جماهيريته لم تصل إلى ما بلغه أديب الدسوقي الذي كان قد تقدم في السن. وتحولت المنافسة إلى مباراة بين الملاكمين جرت على المدرج الروماني في عمان. وأسفرت النتيجة عن فوز الطنبور، لكن جمهور الدسوقي أبى أن يشاهد "بطل فلسطين والشرق الأوسط" مهزوماً، حتى وإن كانت سنن الحياة تقول إن هنالك جانبا مأسويا في فكرة "البطولة" التي لا يمكن الاحتفاظ بها، مع تقدم الزمن وظهور أبطال جدد في اللعبة نفسها. وقد حدث أن عرض في صالة سينما بسمان في عمان في تلك الفترة فيلم يتحدث عن هذه الحقيقة المأسوية حمل عنوان "صلاة من أجل ملاكم من الوزن الثقيل".

لم يقبل الجمهور بالنتيجة، فبقي الدسوقي بالنسبة له بطل فلسطين والشرق الأوسط، وهو لقب منحه الجمهور لبطله، ولم تكن هنالك يوماً بطولة بهذا الاسم.

توفي الدسوقي، وتقدم الطنبور في السن الذي كثيراً ما يشاهده البعض هذه الأيام متوجها كل يوم جمعة إلى الجامع الحسيني لأداء صلاة الجمعة. وخلال تلك السنوات، كانت الملاكمة كرياضة تنتهي شيئاً فشيئاً إلى عالم النسيان، وتصعد في المقابل رياضات جديدة لها أبطالها من الشباب، لكن أيا منهم لم يتحول إلى أسطورة مثل أديب الدسوقي.

أديب الدسوقي “صلاة من أجل ملاكم من الوزن الثقيل”
 
08-May-2008
 
العدد 25