العدد 25 - أردني
 

حسين أبورمان

أكتب عن "الرياضة والديمقراطية" بعد أن أعدت اكتشاف أستاذي المرحوم نظمي السعيد، لأجد فيه معلماً في الديمقراطية، إلى جانب كونه شخصية رياضية فذّة، ومرجعاً في الصحافة الرياضية. وقد كان معروفاً لقراء صحيفة «الرأي» كاتب عمود ومسؤولاً عن الصفحات الرياضية فيها.

كانت لدي، أيام الدراسة، اهتمامات رياضية في ألعاب منها كرة السلّة، وبدرجة أقل كرة القدم وكرة الطائرة. مع ذلك لم استقطب اهتمام أساتذة الرياضة بحيث يختارني أحدهم للانضمام إلى أحد هذه الفرق. لكن الأمر تغير عندما انتقلت إلى كلية الحسين الثانوية في جبل الحسين عام 1965. ففي بداية ذلك العام الدراسي، وزّع الأستاذ نظمي السعيد بلاغاً، حدد فيه لكل لعبة من الألعاب الرياضية يوماً لإجراء تصفيات بين الراغبين في أن يكونوا أعضاء في الفرق المدرسية لتلك الألعاب.

وقد تم اختياري عضواً في الفريق "الثاني"، أو فريق الاحتياط، لكرة السلة مع عدد من الزملاء الذين لم يسبق لأي منهم أن كان عضواً في فريق مدرسي. واليوم حين أعيد اكتشاف الأشياء، أجد أن عملية اختيارنا أعضاء جدداً في فريق كرة السلة، قد استندت إلى مبدأ ديمقراطي أصيل هو مبدأ تكافؤ الفرص. أي إتاحة الفرصة نفسها أمام جميع الطلاب لأن يصبحوا أعضاء في واحد من الفرق المدرسية إذا ما توافرت لديهم الرغبة والحد الأدنى من المهارة اللازمة.

النقطة الجوهرية كانت في الطريقة التي تم فيها الارتقاء بقدراتنا نحن أعضاء الفريق الثاني، وهو ما يمكن تسميته باللغة المتداولة هذه الأيام بمبدأ "التمكين"، إذ وضع لنا أستاذنا نظمي السعيد برنامجاً تدريبياً مكثفاً وحازماً، كان يتطلب منا أن نحضر قبل بداية الدوام المدرسي ببعض الوقت بحيث يتاح لنا أن نتدرب لمدة نصف ساعة على مدار خمسة أيام في الأسبوع، حتى قوي عودنا. ثم أدخل ضمن برنامجنا التدريبي الأسبوعي إجراء مباراة مع مدرسة أخرى.

كانت تلك التدريبات شاقة لأنه كان يفترض فيها أن تقودنا في العام التالي إلى أن نصبح الفريق الأول الذي يمثل المدرسة وينافس على بطولة المملكة. وما ينطبق على كرة السلة، كان ينطبق أيضاً على الألعاب الأخرى بحسب خصوصيتها، حيث كان مشهوداً لكلية الحسين آنذاك بأنها كانت في الطليعة في جميع الألعاب، وكانت فرقها تحوز على بطولة المملكة في معظم الألعاب.

في العام التالي، أصبحنا على المحك بعد أن تخرج زملاؤنا في الفريق الأول، والذين كنا قد اندمجنا معهم في الفريق نفسه، ولكن كأعضاء احتياط. في بداية ذلك العام، كان يتعين على فريقنا أن يختار له رئيساً (كابتن الفريق)، وكان العرف السائد أن يكون الكابتن هو أفضل اللاعبين. غير أن نظمي السعيد جعلنا نختار الكابتن بطريق الانتخاب الديمقراطي، لا سيما أن قدراتنا متقاربة، وقد ترشح ثلاثة منا لهذه المهمة، وانتخبنا الكابتن بالاقتراع السري.

وبعد أن دارت الأيام، وأصبح موضوع التحولات الديمقراطية من مشاغلي اليومية، تذكرت أن هذه التجربة، كانت بالنسبة لي، أول تجربة في حياتي أمارس فيها الانتخاب، وربما كان الوضع كذلك بالنسبة للزملاء الآخرين.

نظمي السعيد، كان ظاهرة في الانتماء والتفاني والجد والمثابرة والإبداع، لذلك لم يكن غريباً أن يكون معلماً في الديمقراطية، لا بإعطاء المحاضرات، بل بممارستها في الميدان.

وفي هذا الزمن الذي تتراجع فيه الرياضة في المدرسة والمركز الشبابي ومؤسسات التعليم العالي، لا بد من التذكير بأن الرياضة تعلم التنافس الشريف، وتعزز الانتماء للفريق والمدرسة والمدينة والمحافظة والوطن حينما تمثلهم، وهذا نقيض الانتماءات الفرعية القائمة على روابط الجهة والدم.

الرياضة تبني عقولاً وأجساماً سليمة، وتحترم أكثر حاجة الجسد للنظافة والغذاء الجيد.

في الرياضة، كي تكون لاعباً أو عضواً في فريق، يجب أن "تنتش مكانك بذراعك"، فالواسطة لا تؤمن لك مطلبك. لذا تعد الرياضة، بامتياز، نقيضاً لثقافة الواسطة، ومعززاً لثقافة المواطنة.

عن نظمي السعيد الرياضي الديمقراطي
 
08-May-2008
 
العدد 25