العدد 25 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمّان ونهاد الجريري تتحكم دوائر ومؤسسات حكومية في معظم الأطر التي يتواجد فيها الشباب ويتحركون في إطارها: المدرسة، الكلية، موقع العمل، النقابة، الجمعية، مركز الشباب، النادي، والجامعة. التعريف البيولوجي للشباب يضعهم ضمن الشريحة العمرية 15-24 سنة. أما تقرير الأردن للتنمية البشرية لعام 2000، فيقدم تعريفاً للشباب بصورة عامة بأنه يعني الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 -29 سنة. لكن "الإستراتيجية الوطنية للشباب" تبنت لأغراض برامجها الموجهة للشباب تعريفاً أوسع، يمتد من 12 إلى 30 سنة. وتبلغ نسبة الشباب ضمن هذه الشريحة حوالي 40% من السكان حسب تقدير دائرة الإحصاءات العامة لعام 2003. بهذا فالمجتمع الأردني مجتمع فتي ويتمتع بطاقات هائلة. الاستراتيجية الوطنية للشباب وثيقة مرجعية لتوجهات الدولة الأردنية إزاء قضية الشباب، أعدت عام 2004. وتشتمل على عرض لواقع الشباب كمحور للتنمية البشرية في الأردن، وعلى توضيح لأهمية هذه الاستراتيجية للشباب ومرتكزاتها ورؤاها وأهدافها. المؤسسات والاستراتيجيات الوطنية تمجد كلها مكانة الشباب ودورهم في حاضر البلد ومستقبله. برغم ذلك، أوضاعهم صعبة، وهم يواجهون تحديات شائكة وتخيم عليهم مناخات الإحباط. الجيل الجديد يواجه كماً كبيراً من المشاكل، بحسب اعتراف الإستراتيجية الوطنية للشباب. هناك هموم تشغلهم تتعلق بتوافر فرص العمل، تكافؤ فرص الوصول للتعليم العالي، المشاركة في صنع القرار، حرية التعبير، تدني فرص التواصل لدى الصغار منهم مع الجنس الآخر. الإستراتيجية الوطنية للشباب تشير كذلك إلى أن 31 بالمئة منهم عاطلون عن العمل، 76 بالمئة منهم لا يمارسون أية أنشطة اجتماعية أو تطوعية خلال أوقات فراغهم ، في حين تقتصر نسبة الذين يرتادون الأندية ومراكز الشباب على 1.4 بالمئة. ويتطلع ثلاثة أرباع الشباب إلى المساهمة بشكل أكثر فعالية في صناعة القرار في البيت والمدرسة والكلية والجامعة والعمل والمجتمع المحلي. المجلس الأعلى للشباب في مطلع الألفية الجديدة، برز تقييم ينتقد فشل وزارة الشباب والرياضة في الارتقاء بوضع الشباب في المملكة لانشغالها بدرجة رئيسية في الشأن الرياضي. النتيجة أن الحكومة تخلت، عن الوزارة، واستحدثت بدلاً منها مجلساً أعلى للشباب. تقوم فلسفة المجلس على "الفصل بين الرياضة والشباب، وتركيز الاهتمام نحو التنمية السياسية والفكرية للشباب"، بحسب رئيس المجلس عاطف عضيبات الذي يوضح أن "الوظيفة الأساسية للمجلس هي وضع استراتيجيات مشتركة للشباب في المملكة بالتعاون مع مؤسسات الدولة الأخرى، مثل الإستراتيجية الوطنية للشباب". يضيف عضيبات "يتبع للمجلس الأعلى حوالي 90 مركزاً شبابياً في مختلف محافظات المملكة، تخدم شريحتين من الشباب: الأولى من 12 إلى 18 سنة، والثانية من 18 إلى 30 سنة. ويعطي المجلس اهتماماً خاصاً بتطوير البنية التحتية للمراكز الشبابية التابعة للمجلس، ويترافق هذا مع زيادة ميزانيته للسنة الأخيرة من 15 إلى 23 مليون دينار". تتسم السياسية الرسمية بحالة "انفصام" بين برامج عصرية منفتحة على الصعيد النظري تضعها للجيل الجديد، وبين وصاية "أبوية" تقليدية عليهم وأداء مقيّد لحرياتهم. لذلك، فإن المجلس الأعلى للشباب، وإن كان قادراً على الاهتمام بعدة آلاف من الناشئة الذين يلتحقون بمراكز الشباب، وتأطيرهم على نحو متناغم مع ميل رسمي لإنشاء أطر شبابية موالية، فإنه من غير المتوقع أن ينجح في التأثير على مؤسسات الدولة الأخرى ذات الصلة بالشباب. وعلاوة على مشاكلهم المباشرة في التعليم والعمل والتأهيل، فإنهم يجدون أنفسهم أسرى مشكلة مزدوجة؛ تتمثل من ناحية في المقاربة الأمنية للحراك الشبابي، ومن ناحية أخرى في ثقافة الخوف. معظم الإدارات سواء في مدرسة أو في جامعة، في مؤسسة إنتاجية أم إعلامية، لديها دائماً "منظور أمني" تتذرع به لتبرير مصادرة حقوق الشباب وحرياتهم. ينبغي الاعتراف أن سيادة النمط الأمني سببه ضعف الدور القيادي لتلك الإدارات، الذي بلغ مستوى برّر فيه مجلس التعليم العالي لنفسه أن يضمّن مسودة نظام تأديب طلبة مؤسسات التعليم العالي بنوداً، تسمح للشرطة بالدخول إلى الحرم الجامعي. استطلاعات الرأي في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، تخلص إلى أن نحو 78 بالمئة من المستجوبين في السنة الأخيرة يحجمون عن انتقاد الحكومة علناً ،خوفاً من عقوبات أمنية أو معيشية. فارس بريزات نائب مدير المركز يوضح أن تحليلاً إضافياً لهذه الظاهرة، بيّن أن 1.2 بالمئة فقط ممن يحجمون عن انتقاد الحكومة، تعرضوا فعلاً لمضايقات أمنية. بريزات يضيف بأن الظوهر السلبية حتى وإن كانت محدودة تتناقلها الناس بسرعة هائلة، لذا تأخذ دائماً حجماً أكبر من حجمها الحقيقي. يشتمل النظام التعليمي على خلل تربوي يتعلق بدوره في بناء الشخصية المستقلة للطالب، وتعزيز قدراته ومنظومة القيم الإنسانية والديمقراطية لديه. يعود ذلك في جانب رئيسي منه إلى منهج التلقين السائد، والاهتمام بحشو "دماغ الطالب" بالمعلومات على حساب تنمية قدراته في التحليل والاستنباط. تطوير النظام التعليمي هو بطبيعته مسألة مستمرة، وهو مطروح الآن على بساط البحث، وبالتالي هناك بصيص أمل بأن ينجح الأردن بتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال. ثمة هنا حاجة ملحة لتطوير الرياضة المدرسية. فالرياضة المرادفة لمقولة "العقل السليم في الجسم السليم"، لها مزايا جديرة بالتمسك بها في تنشئة الأجيال. فهي تعلم الناس المعنى الديمقراطي والعملي لتكافؤ الفرص. في الرياضة، يتم البحث دائماً عن الأفضل، لذا يجد كل شاب الطريق سالكة أمامه لإثباب ذاته وجدارته، لذا لا معنى ولا وجود هنا للواسطة!. والرياضة أداة مهمة من أدوات "التمكين"، فهي تنمي روح التنافس الراقي لدى الشباب، وتقبّل الآخر واحترام الخصم، وهذه من معاني "الروح الرياضية"، وتغرس لدى الشباب، عادات الصبر والمثابرة والجد وتطوير القدرات والعمل الجماعي. المملكة شهدت في السنوات الأخيرة "ظواهر" ثقافية وفنية جديدة، تعبر في مجملها عن "حالة" شبابية بدأت تحفر لنفسها موطىء قدم، ضمن "البانوراما الشبابية"، وهي مرشحة لإحداث المزيد من التغيير في حياتهم، بالنظر إلى توافقها مع لغة العصر التكنولوجية، ودورها في توسيع الفضاء الشبابي العام رغم طابعها الشخصي للوهلة الأولى. اللافت أن شباباً أردنيين يسعون لـ"تطويع" هذه الأنشطة الثقافية والفنية للاهتمامات المحلية. يتحدثون في كلمات أغاني "الراب" مثلاً عن مسائل سياسية خلافية، أو مشاكل حياتية يومية. ويلقى هذا التطويع استحساناً لدى شريحة من الشباب تفضل الإصغاء للغة وقضايا يعرفونها ويشعرون بها. هذا يدلل على وعي لدى هؤلاء بأثر الموروث الاجتماعي على سلوك زملائهم. لذلك يذهبون إلى "الجديد" وإلى "التغيير" دون الاصطدام بالضرورة مع البيئة المحيطة. في موازاة هذا، هناك فئة متزايدة من الشباب، تدرك ما توفره ثورة الاتصالات والمعلوماتية، من فرص غير مسبوقة في التعبير عن الرأي والذات، وفي التواصل مع آخرين من خلال بناء مواقع إلكترونية خاصة بهم، فيما يعرف بالمدوّنات. الأرقام تشير إلى وجود زهاء ألف مدونة أردنية تتناول مواضيع متنوعة بعضها بسيط مثل: الحذاء الرياضي المفضل، وبعضها خلافي على الصعيد الاجتماعي، مثل العلاقات الخاصة، وبعضها يقتحم عالم السياسية، فينتقد السياسات الحكومية بالتعليق على الأخبار اليومية. تثبت شرائح من الشبان في عصر الاتصالات والمعلوماتية تفوقها على الآباء وحتى على المعلمين. إنه درس حضاري يؤكد أن "الوصاية" على الشباب باتت من مخلفات الماضي. |
|
|||||||||||||