العدد 25 - ثقافي
 

مراجعة: لورا بيير*

شهدت دراسة الناصرية قدراً من الانبعاث في الأعوام الأخيرة. فبعد فيض من دراسات تفصيلية (تناول معظمها الاقتصاد السياسي) نشرت في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، اتخذت الحقبة الناصرية موقع الطفل الأوسط المهمل؛ المحصور بين الجسم الغني والنامي للدراسات التاريخية الخاصة بالقرنين التاسع عشر والعشرين، وبين دراسات علم الاجتماع التجديدية في العادة، لكونها وضعت في فترة ما بعد الانفتاح والحقبة المعاصرة. لحسن الحظ، فقد كان هنالك اهتمام متجدد بالحقبة الناصرية، ترجم في السنوات الخمس الأخيرة إلى عدد متزايد من الدراسات التي حاولت النظر إلى فترة الحكم الناصري – تركاتها وممهداتها – بطرق جديدة. بعض هذه المحاولات، مثل عودة إلى الناصرية: الثورة والذاكرة التاريخية في مصر الحديثة، وهو مجموعة من المقالات التي حررها إلي بوده، وأون وينكلر، كانت جديدة.

حاول الكتاب المضي إلى ما هو أبعد من المفاهيم السائدة لدراسة الحقبة الناصرية، والتي هيمن عليها الاقتصاد السياسي والعلوم السياسية، من خلال تضمينه مقالات حول الذاكرة والتاريخ القانوني، والإنتاج الثقافي، ودور المثقفين، والممارسات الاجتماعية المتغيرة.

وكان الهدف بحسب المحررين، تقديم نظرات ثاقبة في الناصرية من خلال تحليلها بوصفها شكلا شعبوياً، بالاعتماد في صورة كبيرة على النماذج الأميركية اللاتينية، فإنهم ميزوا الشعبوية بوصفها حركة تهيمن عليها الطبقة الوسطى التي تعبئ الطبقات الدنيا ضد الإمبريالية والمؤسسة السياسية الحالية، جزئياً من خلال استخدام الرموز، والصور واللغة الرنانة الموجودة في الثقافة الشعبية. والشعبوية، رغم أنها منهجياً، تتضمن بعض الوعود بإعادة توزيع الثروة وتطرح العدالة الاجتماعية للمهمشين في المجتمع، فإنها لا تصل حد إلغاء الملكية الخاصة أو تهديد موقع البرجوازية الصغيرة.

إن فوائد النظر إلى الناصرية، بوصفها شكلاً من الشعبوية، بحسب الكتاب، سلاح ذو حدين. الأول هو أنها تجمع عناصر التفسير العلمي للناصرية (الملخصة في صورة مفيدة، في مراجعة مختصرة، ولكن شاملة للأدب) التي حللت الحكم الناصري في صور مختلفة بوصفها حركة أيديولوجية؛ وثورة ضد الإمبريالية الغربية، أو نتيجة لوضع عبد الناصر بوصفه قائداً ذا كاريزما. والثاني، هو أنه يفسح مجالاً للمقارنة عبر الحدود القومية والإقليمية: "دراسة تحليلية، ترى الناصرية بوصفها شكلاً من أشكال الشعبوية، وتضعها باعتبارها جزءاً من ظاهرة عالمية - أو على الأقل عالمثالثية" (ص 28)

رغم أن وجهة النظر التي يطرحها بوده ووينكلر في الناصرية بوصفها أحد أشكال الشعبوية مقنعة، فإنه يبقى من غير الواضح، لدى النظر إلى باقي المساهمات التي يتضمنها الكتاب، ما هي مزايا مثل هذا المقترب لدى وضعه موضع التطبيق. ربما يجادل أحد بأن الحضور المرحب به للمقالات التي تركز على الجوانب الاجتماعية والثقافية للناصرية (مثلا مقالة يواف ديكابوا حول الثقافة الرياضية، ومقالة غوردون جويل حول الحنين إلى الناصرية، والحيوات المتعددة لثقافة البوب، كما ظهرت لدى عبد الحليم حافظ) ممكنة لأن الشعبوية بوصفها إطاراً تحليلياً، تتيح مجالاً لدراسة مثل هذه المواضيع التي بقيت مهملة حتى الآن. وعلى أي حال، فإن أياً من هذه المقالات –الممتاز منها والجيد – لا يتناول مباشرة إمكانية تطبيق (أو افتقادها) نماذج الشعبوية على الحالة الناصرية.

إن إفساح المجال لدراسة مقارنة يبدو ميزة أكثر صدقية لتحليل الناصرية، بوصفها شكلاً من أشكال الشعبوية، ولكن واحداً فقط من الفصول؛ فصل بول ريفلين المثير للاهتمام الذي يقارن سياسات التنمية الاقتصادية في كوريا في عهد بارك، ومصر في عهد عبد الناصر، قدّم حقاً دراسة مقارنة.

ورغم أنه لا يلامس سوى السطح، فإن إشارة ريفلين حول أهمية التبادلات بين دول الجنوب وفيما بينها، خلال تلك الحقبة، أمر يستحق مزيداً من البحث، ويوفر احتمالاً حقيقياً للعودة إلى الناصرية وإلى عملية تفكيك الاستعمار بوصفه ظاهرة عابرة للقوميات.

في واقع الأمر، قليل من المساهمات ترتقي إلى مستوى العنوان، فمعظمها تدخل في نقاشات أو تطرح أسئلة شبيهة بتلك التي طرحت في الأعمال المبكرة حول الحقبة الناصرية: ما هي علاقة عبد الناصر الحقيقية بالاتحاد السوفييتي (غينات)؟ هل كان عبد الناصر صديقاً أم عدواً للولايات المتحدة (ليخ)؟ لماذا كان برنامج التخطيط الأسري في مصر في معظمه فاشلاً في عهد عبد الناصر، ولكنه حقق نجاحاً نسبياً في عهد مبارك (غلبار ووينكلر)؟ وكان من المفيد حكماً العودة إلى مثل هذه الأسئلة، وبخاصة لدى استخدام أدوات منهجية جديدة.

وعلى أي حال، فإن الإجابات التي قدّمها كتاب "عودة إلى الناصرية"، لا تتضمن، في معظمها، الكثير من الأمور الجديدة، باستثناء مقالة ناثان براون، حول الثقافة القانونية للناصرية؛ فهو يكتب ضد الرأي القائل: إن المصريين بادلوا الحقوق السياسية وحكم القانون بمكتسبات الرفاه الاجتماعي، ما أدى إلى نظام سلطوي. ويجادل براون بأن الإصلاحات القانونية الناصرية هدفت إلى جعل نظام المحاكم أكثر عرضة للمساءلة من قبل المواطنين المصريين، وليس أقل. كما يشير براون إلى الزيادة في طرق الوصول إلى النظام القانوني الذي كان سائداً في الخمسينيات والستينيات. وبذلك، فإنه يتحدى الصور التقليدية للسلطوية الناصرية والربط الأكثر عمومية بين حكم القانون والليبرالية والحرية والمساءلة المؤسسية السائدة في نقاشات السياسة المعاصرة، حول الدمقرطة والإصلاح السياسي. وبدلاً من التساؤل حول ما يمكن عند النظر الى الثقافة القانونية أن تخبرنا عن الناصرية، فإن الهدف من مقالة براون هو تعميق السؤال حول ما يمكن عند النظر إلى الثقافة القانونية الناصرية أن تخبرنا عن الليبرالية، وحول حكم القانون والسلطوية والنظام القانوني.

هذا هو المطلوب، إذا كان للعلماء أن ينجحوا في العودة إلى الناصرية: وبدلاً من إعادة تدوير الأسئلة، فإن ما نحتاجه حقاً هو طرح أسئلة جديدة.

* أستاذة بكلية التاريخ والتكنولوجيا والمجتمع، معهد جورجيا للتكنولوجيا، أتلانتا، جورجيا.

تقييم الناصرية بوصفها صيغة شعبوية سلاح ذو حدين
 
08-May-2008
 
العدد 25