العدد 25 - حريات | ||||||||||||||
سليمان صويص القاسم المشترك للتقارير والاستطلاعات التي نشرت في الأردن بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، هو أن وضع هذه الحرية استمر "يراوح مكانه" خلال العام الأخير. لكن هذه المراوحة في زمن يتقدم فيه كل شيء بسرعة لا تعني سوى التراجع. في خانة الإيجابيات، تم تعديل قانون المطبوعات والنشر في أيار/مايو الماضي، بما لا يجيز توقيف الصحفي في الجرائم المتعلقة بالمطبوعات، إلغاء الرقابة المسبقة على الصحف، حماية سرية مصادر المعلومات، ومنع إيقاف أي صحيفة عن الصدور إلا من خلال قرار قضائي. وطوال العام الماضي لم يتم إغلاق أية صحيفة. وفي الإيجابيات أيضاً أن العام 2007 شهد صدور قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات، الذي يعتبر الأول من نوعه في بلد عربي. ويأتي مؤخراً تأكيد الملك عبد الله الثاني على صيانة الحريات الإعلامية وترسيخ دور الصحافة باعتبارها سلطة رابعة، كما جاء في الرسالة التي بعث بها إلى رئيس الوزراء بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة. لكن هذه الخطوات التي استعرضها بيان المجلس الأعلى للإعلام بالمناسبة تشكل ـ على أهميتها ـ جزءاً يسيراً من الحقائق والتطورات التي شهدتها الفترة الماضية. تستفيض تقارير صدرت قبل أيام في استعراض الانتهاكات التي وقعت على حرية الصحافة والصحفيين، مثل توقيف عدد منهم أو تعرضهم للضرب على يد أفراد من الشرطة، أو فصل من العمل، أو عدم طباعة صحف إلا بعد إزالة المقالات "الممنوعة" منها. وتتحدث تقارير أصدرها مركز حماية وحرية الصحفيين، ومنظمات حقوق إنسان عن دعاوى رفعتها دائرة المطبوعات والنشر ومسؤولون ضد صحف وصحفيين اتهموا بـ "الإساءة للدولة وللثوابت الوطنية". وهناك وقائع عن وضع عراقيل إدارية أمام وسائل إعلام ومنع ترخيص إنشاء محطة إذاعية غير سياسية في الزرقاء. يقول فهد الخيطان الكاتب الصحفي في "العرب اليوم" إنه جرى تضييق على صحفيين لدى تغطيتهم لمناسبات أو أحداث، وامتنع مسؤولون عن إعطاء معلومات، فضلا عن محاولات البعض التأثير على مواقف الصحفيين واستخدامهم، في بعض الاحيان، لتأييد وتبرير السياسات الحكومية. وفيما يتعلق بحبس الصحفي، فالوضع ما يزال كما هو، لأن هناك قوانين أخرى نافذة تنص على حبسه كقانون العقوبات. وفيما يتعلق بقانون الحصول على المعلومات فهو لم يطبق بعد بسبب عدم صدور التعليمات اللازمة لذلك. وأخيراً ـ وليس آخراً! ـ تؤكد مختلف التقارير، بما في ذلك استطلاع مركز حماية الصحفيين بأن الاغلبية الساحقة من الصحفيين تمارس "الرقابة الذاتية" (94 بالمئة وفقاً للاستطلاع المذكور). والخشية هي أن يأتي يوم 3 أيار/مايو 2009 ونحن ما نزال في الحالة نفسها: حرية الصحافة موضوع للخطابات والبيانات، وتقارير تسهب في إيراد انتهاكات تكرر ذكرها عشرات المرات في سنوات سابقة. ونظل نقرأ عن تراجع الحريات الصحفية أو جمودها أو تطورها الطفيف هنا أو هناك. الملك عبد الله الثاني يواصل الدعوة لتطوير حرية الصحافة مؤكداً بأن "سقفها السماء"، فيما تستمر بعض أجهزة ومؤسسات الدولة في عرقلة حرية الصحافة أو تعطيلها، ما يستوجب طرح السؤال: إلى متى؟. يؤكد فهد الخيطان بأن "الخلاف ما يزال مستمراً بين الدولة والصحافة حول هامش الحرية الصحفية المتاح." ويعتقد بأن هذا الهامش يتسع في قضايا وينعدم في أخرى بدون أسباب واضحة. كما أن ما يسمى بـ "الخطوط الحمراء" تتسع وتضيق دون سند قانوني. ويضيف الخيطان بأن الهامش المتاح حالياً ـ على الأقل في "العرب اليوم" ـ يعود الفضل فيه إلى الدعم والرؤية الملكية الليبرالية، وليس إلى القوانين. ولولا ذلك لاستباحت بعض أجهزة ومؤسسات الدولة ذلك الهامش وعطلته. وكمثال على ذلك التوجه الحكومي لفرض الرقابة على الصحافة الإلكترونية الذي عارضه الملك قبل شهور. وقبل أسابيع أصدر رئيس الوزراء تعميماً دعا فيه الوزارات والمسؤولين إلى عدم الإدلاء بمعلومات إلى الصحافة. ولا ننسى وقوف نواب المجلس السابق في البداية إلى جانب إباحة حبس الصحفي وإقرارهم بسرعة قياسية لقانون ضمان حق الوصول إلى المعلومات الذي يتضمن نقاطاً سلبية عديدة. من جانبه، يذّكر حلمي الاسمر، الكاتب والصحفي في "الدستور" بمجريات الانتخابات البلدية والنيابية التي جرت في العام الماضي، مؤكداً بأن رفع مستوى الحرية الصحفية هو في الأساس "قرار سياسي". ويعتقد بأن رؤية الملك التي عبر عنها في رسالته الأخيرة إلى رئيس الوزراء لا يمكن أن تتحقق إلا إذا عدلت التشريعات الأساسية وهي: قانون المطبوعات والنشر وقانون العقوبات وقانون حماية أسرار الدولة. هل سيصبح مصير الرسالة الملكية الأخيرة كمصير خطابه المتميز في جامعة اليرموك قبل أسابيع، عندما دعا الطلبة والشباب إلى الانخراط في العمل السياسي؟ لقد أشادت الأحزاب ووسائل الإعلام بدعوة الملك الجريئة، لكنها لم تُستثمر من قبل المجتمع والدولة لتكون فاتحة عمل جاد يُطبق على أرض الواقع. لماذا لا تبادر المنظمات المعنية بحرية الصحافة ـ وأولها نقابة الصحفيين بقيادتها الجديدة ـ إلى وضع برنامج يزيل العراقيل من أمام حرية الصحفيين ويحررهم من الرقابة الذاتية، ويسعى إلى تطوير هذه الحرية بالوسائل كافة؟ لماذا لا تنخرط منظمات المجتمع المدني الأخرى في حملات الدفاع عن حرية التعبير؟ أليست هذه الحرية هي "أم الحريات" التي تترك آثارها العميقة على سائر المواطنين والمجتمع برمته؟ ألم تثبت وقائع السنوات الماضية بما يكفي أن السبب الفعلي وراء العديد من القيود والتضييقات على الصحافة هو الحيلولة دون الكشف عن قضايا فساد مالي وإداري، وعرقلة ممارسة الشفافية والحكم الرشيد، والحد من احتجاج القوى الشعبية والسياسية على إجراءات ومواقف وسياسات حكومية؟ لماذا اختفت "التحقيقات" وأقسامها من الصحف؟ حقاً لقد بات من الملح والضروري جداً تقديم إجابات صريحة وشافية عن هذه التساؤلات وغيرها، لكي يماط اللثام نهائياً عن "سر" مراوحة الحرية الصحفية في المكان، أو بالأحرى تراجعها سنة بعد أخرى. إن استمرار فرض القيود غير المبررة يحول، ببساطة، دون تطور المجتمع الأردني اجتماعياً وسياسياً وفكرياً. |
|
|||||||||||||