العدد 1 - أردني
 

حسناً فعل «حزب الأرض العربية» وهو واحد من الأحزاب الأردنية الجديدة، عندما اختار مقره في الطابق العلوي من المبنى الذي يضم ديوان العشيرة التي ينتمي اليها مؤسس الحزب ورئيسه، وبهذا فهو قد يكون الحزب الوحيد الذي سأل عن الجار قبل الدار، فكانت علاقة الجيرة بين الطرفين محسومة من حيث طابعها الودي، فمن غير المنتظر أن تختلف العشيرة مع جارها الحزب الذي يقوده ابنها وأحد أبرز وجوهها.

لكن حزب جبهة العمل الإسلامي، توصل إلى النتيجة نفسها، بطريقة مختلفة بعض الشيء، فهو يمتلك مقر ه الحزبي الذي يقع ضمن مبنى كبير يضم مؤسسات ذات صلة به، فضَمِن بذلك مسبقاً علاقات جيرة محسومة، بينما باقي الأحزاب تعيش في مقرات مأجورة، وبالطبع دون دلالات كلمة «مأجور» وهي الكلمة التي تتبادلها الأحزاب فيما بينهنا او تطلقها عليها الحكومات كتهمة.

جار الرضا يا جار

في الغالب، اختارت الأحز اب مقراتها في مواقع وسطى بين الغرب والشرق، فهي لم تذهب الى الأحياء الجديدة في غرب عمان، كما لم تتخذ مقراتها في شرق عمان أو في الأحياء الفقيرة حيث «الجماهير الشعبية» محط أنظار كل حزب، وبعض تلك الأحز اب وخاصة التاريخية منها اختارت مواقع «تاريخية» أيضاً، مثل جبل عمان او اللويبدة او جبل الحسين.

وفي جميع الأحوال فقد نشأ بنشوء الأحزاب صنف جديد من الجيران. وفي المتابعة التالية سنسأل عن هذا الجار الجديد: كيف يكون الحزب جاراً، وهل هو جار سوء او جار رضى؟.سنمتنع هنا عن ذكر اسم أي من هذه الأحزاب او أي من جيرانهم بالاسم، لأن الانصاف وأصول الصنعة في مثل هذه الحالات تقتضي ان نستمع ونستطلع الآراء ونتحقق من المعلومات، وهو ما لم يشكل غاية لهذه السطور بقدر ما كان الهدف الوقوف على الانطباعات المتبادلة السريعة. اخترنا عدداً من الأحزاب متفاوتة الحجم والنشاط، لأن صفات الحزب كجار أمور يحددها حجم الحزب ونشاطه أي ما يراه ويسمعه ويتأثر به الجير ان.

ضجيج حزبي

يشترط قانون الأحز اب أن تكون النشاطات داخل المقرات الحزبية، ولهذا فإن أول حزب زرناه، يعد من هذه الزاوية حزباً محظوظاً، حيـث تتوافــــر ساحة أمامية تابعة للمبنى المستـــقل الذي استأجره، وهو ما يمكنه من إقامة نــــشاطات مرئية ومسموعة من قبل الجيران في هـــذه الساحة باعتبارها جزءاً مما يشـــمله القانون بعـــبارة «داخل المقر».

تفاوتت الآراء التي سمعناها، فمجموعة الشباب من الحارة وبمجرد أن سألناهم عن جيرة الحز ب أجابوا: قززونا! وبعد قليل من الاستيضاح قالوا إن هناك فوضى جلبها الحزب الى الحي وخاصة في أيام النشاطات والمهرجانات، فهم يغلقون الشارع بسياراتهم ويغنون بصوت عالٍ ويتناقشون بأصوات مسموعة! (ربما في الإشارة إلى الندوات والمهرجانات الخطابية) ويرمون نفاياتهم بجانب سور المبنى ولا يوصلونها الى الحاوية القريبة، وعندما ينتهي الاحتفال فإن شبابهم يخرجون بصورة غير مألوفة في الحي.

يعلقون أنه لم يحصل أن أتى أحد من الحزب وبلّغ الجيران أو «استسمحهم» بإقامة احتفال كما يفعل الجيران مع بعضهم عند إقامتهم الأفر اح. وبالنتيجة فإن هناك بعض الجيران قدموا شكاوى الى المحافظ احتجاجاً على الضجيج الحزبي.

وأطرف ما قيل جاء على لسان أحدهم بخصوص الحزبيين: عندما يكون «عندهم حزب» (يقصد عندهم تجمع أو احتفال) فإننا نفضل مغادرة بيوتنا.

لكن صاحب المتجر القريب من الحزب نفى أن يكون هناك ازعاج وقال: بالعكس فعندما تقام عندهم احتفالات فإنهم يشترون من متجري حاجاتهم للضيافة. ولكنه حرص على الإضافة أن على الناس أن يتفهموا حاجات الحزبيين لـ"فشة الغل"، لأن الأحزاب لا تفيد ولا تضر، وبرأيه لا داعي لتحميل الأحزاب أكثر مما تحتمل.

لا يضرون

لكن حزباً آخر لا يبعد مقره كثير اًَ عن الأول، اختار طابق تسوية كاملاً له مدخل خاص لا يشترك به مع باقي الجيران، لا يمتلك جيرانه مثل هذه الانطباعات، وحتى ابن صاحب المبنى أي المؤجر ابتسم متسائلا:ً إن كانت توجد أحزاب أحزاب؟! وأضاف عن جيرانه أنهم مجموعة من الأشخاص المحترمين لا يضرون أحداً، والطريف أنه عندما أشار الى اسم هذا الحزب ذكر خليطاً من أسماء لثلاثة أحزاب. أضاف محدثنا أن والده اشترط عليهم عند الاستئجار أن لا يثيروا فوضى او يتسببوا بازعاج والحمد لله لم تحصل أية شكوى، كما أنهم يدفعون ايجارهم بانتظام.

أما الحزب الثالث الذي زرناه فقد احتاج أحد الجيران الى أن ينظر إلى الآرمة الكبيرة المعلقة على مدخل المقر حتى يتعرف على الاسم، وقال أن لا أحد ينتبه الى ما يجري، فالناس يرون بعض الأشخاص يدخلون أو يخرجون.

جماعة أوادم

أما آخر حزب فلم نجد سوى الآرمة التي تدل على إنه كان هنا، وعندما كنا نلتقط صورة للوحة المعدنية الكبيرة التي ما تزال مثبتة على الجدار الى جانب حبل الغسيل العائد للمستأجر الجديد، خرج علينا هذا الأخير، وقال انه لم يعد هناك حزب، وإن هذه اللوحة موجودة «لأننا لم نستطع إزالتها»، وعندما استأذنته أن ينزل إليّ كي أتحدث معه، قال لي: ها أنت تتكلم من عندك!.

في الأثناء كان جار آخر قديم يقطن الطابق السفلي للمقر الحزبي السابق، وعندما سألته عن جيرانه قال: ر بنا الله الجماعة أوادم ولم يبدر منهم ما يسيء، وأضاف: أنهم لا يتجاوزون العشرين شخصاً فما الازعاج الذي يمكن أن يتسببوا به؟!.

الجيران لا يفضلون حزباً نشيطاً في جوارهم – أحمد أبو خليل
 
08-Nov-2007
 
العدد 1