العدد 4 - اقليمي | ||||||||||||||
حدث يوم السبت الماضي أن الوزير الجزائري أبو جرة سلطاني زعيم «حركة السلم الإسلامية» صرّح أن نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في بلاده في مايو أيار الماضي كانت «مزوّرة» وفي حوزته أدلة على ذلك. ومن أوجه الغرابة في هذا التصريح تأخره شهوراً، كما أن سلطاني وزير وإن كان بلا حقيبة، وتشارك حركته في الائتلاف الحكومي . والأهم أن نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع في ذلك الموسم الانتخابي كانت ضعيفة جدّا، ولم تتجاوز بحسب المراجع الرسمية 35 %، وهي الأدنى على الإطلاق منذ استقلال الجزائر في 1962، الأمر الذي جعل السلطات في حرج بالنظر إلى سعيها إلى تظهير مناخ من المشاركة الشعبية في صناعة قراراتها وخياراتها العامة، وكان في وسعها أن تزوّر النسبة المذكورة فترفعها إلى مقدار ربما يدفع شيئا من الحرج ، إذا صح أصلا أنها عمدت إلى التزوير الذي تحدث عنه زعيم حركة السلم الإسلامية . واللافت أن السلطات الجزائرية التي تنظم اليوم الخميس انتخابات للمجالس المحلية والبلدية ، اجترحت في آب / أغسطس الماضي ما يمكن اعتباره سابقة عربيّا وعالميا، في حدود ما يعرف كاتب هذه السطور، فقد أرسلت بالبريد المضمون إلى 4 ملايين من مواطنيها استمارة تضم أسئلة للإجابة عليها، بشأن أسباب امتناعهم عن التصويت، ونُسب في حينه إلى وزير الداخلية نور الدين زرهوني أنه هدد كلّ من لا يكترث ولا يجيب بشطب اسمه من القوائم الانتخابية نهائيا، ولم يتأكد أنه أقدم على هذا التهديد الطريف، ولم يتبيّن أنه بادر إلى اتخاذ الإجراء المذكور . حقّ لمعارضي «البدعة» الجزائرية في بلادها استنكارها أو أقله حديثهم عن عدم جوازها، فليس ثمة قوانين تجبر الناس على التصويت في الانتخابات في الجزائر وغيرها، ومن الأولى أن تسأل الحكومات نفسها، ومنها الجزائرية، عن دواعي عزوف أعداد وفيرة من مواطنيها الذين يحقّ لهم التصويت عن الإقتراع في الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية، وفي الاستفتاءات التي يحدث أن تنظم . حالة المغرب والبادي أن الحكومات العربيّة التي تأخذ بالانتخابات صيغة لتمثيل الشعب في مؤسسات التشريع والرقابة والتسيير في الدولة ليست حتى الآن في وارد أن تطرح ذلك السؤال، وليس باديا بعد أنه يقلقها، فيما صار ملحوظا انشغال مراكز دراسات وأحزاب وهيئات مدنيّة ونخب في غير بلد عربي بالمسألة . ومنها النقاش الواسع في حلقات بحث وندوات في المغرب بشأن التراجع المريع في نسبة الإقبال على الاقتراع في الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من سبتمبر أيلول الماضي، وكانت نسبة المشاركين فيها 37 % فقط ، بل تبيّن أيضا أن نسبة الأوراق اللاغية للمشاركين كانت مرتفعة وبلغــت 19 %. وتغري هذه الواقعة الانتخابية العربية بالتأمل فيها، بالنظر إلى أن المغرب يعرف حيويّة في المشهد السياسي والحزبي، ووفرةً في التشكيلات الأهلية المنخرطة في إشاعة الثقافة الديمقراطية والحقوقية، ويلحظ زائر هذا البلد أن سقوف حريات التعبير فيها عالية إلى درجة أن من الصعب أحيانا أن تتبين لها حدوداً، ووصلت إلى النقاش في أمور المؤسسة العليا وانتقادها، وإلى المخالفة مع المؤسسة الأمنية والعسكرية، وهو ما صار يتسبب بمحاكمات لصحافيين . راح تفسير نخب مغربية لتناقص نسبة التصويت في انتخابات أيلول / سبتمبر الماضي عما كانت عليه في انتخابات العام 2002 وهي 52 % الأقل من سابقتها في 1997 التي كانت 58 % إلى رمي الأحزاب السياسية بالجمود واختزال مشكلات البلد في مسألة الإصلاح السياسي وإهمالها الجوانب الاجتماعية، وانتقد أيضا المؤسسات الحكومية ومحدودية دور البرلمان وطبيعة النظام الانتخابي الذي نعته متشددون في حزب العدالة والتنمية الإسلامي بأنه فاسد، إلى غير ذلك من عوامل قد يكون بعضها وجيها في التأشير إلى الأسباب الجوهرية لتسارع منسوب العزوف عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، على الرغم من توفر ضمانات كثيرة للنزاهة والشفافية، وخصوصا في الانتخابات الماضية بشهادة مراقبين (ملاحظين ) دوليين ومحليين أتيحت لهم كل التسهيلات من أجل معاينة العملية الانتخابية في جميع مراحلها . ولا غلوّ في القول إن الواقعة الانتخابية المغربية قبل أزيد من شهرين كانت الأدق عربيا في التدليل المعاين على المسافات الواسعة بين البرلمانات العربية المنتخبة والجمهور العريض الذي يفترض أن تكون ممثلة له، ومن ذلك أن حزب الاستقلال الذي حاز على المرتبة الأولى بين الأحزاب المتنافسة ونال زعيمه عباس الفاسي رئاسة الحكومة لاحقا ، ظفر بنحو نصف مليون صوت فقط من أصل 12 مليون في الكتلة الناخبة . نموذج مصر ولمّا كانت هذه حال مناسبتين انتخابيتين في المغرب العربي، في الجزائر والمغرب، فإن الحال في مصر التي لها تجربتها العريقة في الحياة البرلمانية تبدو أكثر مدعاة للأسف، ومن ثم أكثر مدعاة للدرس . وفي البال أن رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف صرّح لصحيفة أميركية في مايو / أيار 2005 أن شعب بلاده ليس ناضجا بعد لمزاولة الديمقراطية، وأيا كانت وجهة النظر في دوافع إطلاق هذا القول فإن التسليم به يبدو غريباً، كما أنه لن يكون صوابا اعتباره فرية قُصد طرحها في وسيلة إعلام أميركية إبان رواج دعوات واشنطن إلى إصلاحات ديمقراطية في البيئات العربية . ولنلحظ هنا أن مصر التي عرفت أول حكومة ممثلة لأغلبية منتخبة في البرلمان في 1923 في المنطقة العربية، وعرفت أول مجلس للشورى في الشرق في 1866، لا يكاد يكترث مواطنوها، بل ومثقفوها أيضا، بوفرة الأحزاب بين ظهرانيهم، والتي ترشح تسعة من زعاماتها لمنافسة الرئيس حسني مبارك، وهو زعيم حزب أيضا، في الانتخابات الرئاسية في سبتمبر أيلول 2005، وفوجئ ملايين المصريين بأنهم يتعرفون لأسماء بعضهم لأول مرة، وكان كاريكاتيريا أن أحدهم، واسمه الحاج أحمد الصباحي، استبق الاقتراع بإعلان أن صوته سيمنحه لمبارك. وليس أمرا غائب الدلالة أن صاحبي المرتبتين التاليتين على الفائز في تلك الواقعة الانتخابية، وهما زعيما حزبي الغد والوفد: أيمن نور ونعمان جمعة، الأول في السجن محكوما بتهمة التزوير والآخر مطرود من حزبه . واستطرادا في راهن الحالة الانتخابية في مصر، كانت نسبة الإقبال في انتخابات مجلس الشورى في يونيو حزيران الماضي 31% ، أما نسبة الإقبال في الاستفتاء على أكثر من 30 تعديلا في مواد الدستور فكانت بحسب السلطات 27 %، وقالت المعارضة التي قاطعت ودعت إلى المقاطعة أنها لم تتجاوز 10 %. وفيما كانت 24 % نسبة التصويت في الانتخابات التشريعية في العام 2000، لم يتيسر العثور هنا على النسبة في الجولات الثلاث للانتخابات التشريعية في تشرين الثاني / نوفمبر وكانون الأول / ديسمبر 2005، وأفرزت مجلس الشعب الحالي، وكانت حيازة جماعة الإخوان المسلمين على 88 مقعدا حدثا شديد الأهمية بالتوازي مع التراجع الحادّ للقوى الليبرالية واليسارية وتقدم رجال الأعمال والحكوميين والأثرياء . يحدث هذا في مصر التي تتمتع بوفرة في التعددية الحزبية والنشاط الواسع في العمل المدني ومنسوبا عاليا من الحريات الصحفية، وتحركات احتجاجية لنقابات وتكوينات وتشكيلات ونوادي القضاة والمحامين والصحافين والأساتذة الجامعيين. ويستثير التأمل في وقائع الانتخابات المصرية أسئلة عن مظاهر العنف البالغة في أثنائها، وما يمكن وصفها من دون أي غلو «إبداعات مبتكرة» في الفساد والإفساد واستخدام المال والرشاوى في أثنائها، وإذا كانت السينما المصرية وبعض الأعمال التلفزيونية ( عمارة يعقوبيان أخيرا ) جاءت على بعضها، فإن مقالة رفيعة المستوى في هذا الشأن حريّة بالمطالعة عنوانها «إفساد الفقراء» لصاحبتها أمينة شفيق ونشرت في مجلة «وجهات نظر» في شباط / فبراير 2006 . نماذج عربية أخرى وليس مشهد الفساد واستخدام المال في شراء الأصوات أمرا خاصا بالحالة المصرية، فليس منسيّا بعد ما كان بشأن الظاهرة من جدل في الانتخابات النيابية اللبنانية في صيف 2005، والتي بلغت نسبة المشاركة في التصويت فيها 43 % فقط، على الرغم مما يرفل فيه لبنان من أجواء تنافسية وحريات واسعة وتنوع طائفي معلوم التفاصيل . وما زال الحديث عن الظاهرة المذكورة مستمرا في المغرب بشأن الانتخابات الأخيرة، وتجدّد في الجزائر بمناسبة الانتخابات المحليّة التي تنتظم اليوم الخميس التي يفترض مشاركة 18 مليون ناخب فيها نصفهم من النساء . وليس من الاستطراد في شيء أن يُشار هنا إلى ارتفاع نسبة التصويت في انتخابات في بلدان بدأ أهلوها في السنوات الأخيرة تمارينهم في الاقتراع وإفراز ممثليهم إلى المؤسسة التشريعية، ففــي البحرين اختار 73 % من المسجلين ناخبين في تشرين الثاني / نوفمبر العام الماضي 40 فائزا بمقاعد مجلس النواب بينهم نحو 30 من أهل التيار الديني الإسلامي بشقيه الشيعي والسني، وأبعدوا النساء عن البرلمان وكذلك الليبراليين الذين ناضلوا طوال ثلاثة عقود من داخل بلدهم وفي المنافي من أجل تطوير الحياة السياسية والبرلمانية في البحرين . استجاب الناخبون لدعوات المقاطعة في انتخابات 2002 التي كانت النسبة فيهــ ا 53 % . وهناك في موريتانيا، كانت المشاركة مرتفعة في الانتخابات النيابية في دورتيها في أكتوبر ونوفمبر 2006، الأمر الذي تعزز في انتخابات الرئاسة في مارس آذار الماضي، فوصلت في الدورة الأولى إلى 70 % وفي الثانية إلى 67 %. وتستحق التجربة الانتخابية الجديدة في موريتانيا ونتائجها وقفة مطولة، الأمر الذي لا تغري به انتخابات مجلس الشعب السوري في إبريل نيسان الماضي، ووصلت نسبة المشاركة فيها بحسب السلطات إلى 56 % وتراها المعارضة أنها 10 %. لا تستثير هذه المحطة الانتخابية العربية شهية في التفكّر فيها، ربما على غير شأن انتخابات مجلس الشورى العماني الشهر الماضي الذي تراجعت نسبة المشاركة فيها إلى 60 % بعد أن كانت 80 % في2003، وهو مجلس منقوص الصلاحيات كما هو معلوم، وفيما الصلاحيات وفيرة في مجالس نيابية عربية منتخبة وفيرة، ربما يرى عرب كثيرون عدم استثمارها من أسباب عزوفهم عن الاقتراع، وربما كان هذا من إجابات جزائريين توجهت إليهم سلطات بلادهم بالسؤال عن تلك الأسباب، وربما يكون من إجابات أردنيين غير قليلين لم يقترعوا في العشرين من تشرين الثاني / نوفمبر لو سئلوا .
|
|
|||||||||||||