العدد 4 - اقليمي
 

وضع كثير من اللبنانيين وغير اللبنانيين أيديهم على قلوبهم وهم يشاهدون الرئيس السابق إميل لحود يغادر قصره مساء الجمعة الماضية خشية انزلاق هذا البلد الى الفوضى وإلى فراغ مخيف. لكن شيئاً لم يحدث، وقد يحتسب ذلك من تجليات ما يصفه بعض المعلقين اللبنانيين ب«المعجزة اللبنانية». وهو وصف يمتزج فيه التندر بالجدية حسب ميول المعلقين.

ثبات الوضع على حاله، على الأقل، أمنياً، يعود لعدة أسباب متضافرة: منها أن سلطات الرئيس محدودة قياساً لمسؤوليات مجلس الوزراء. فعلى سبيل المثال، فإن الحكومة هي من تصدر الأوامر لقيادة الجيش وقوى الأمن. أي أن المرجعية السياسية او المستوى السياسي للدولة يتمثل أساساً بالحكومة.

السبب الثاني أن الرئيس لحود كان يقاطع حكومة السنيورة القائمة بدعوى أنها غير دستورية وغير «ميثاقية» بعد استقالة وزراء حزب الله وحركة أمل منها. فيما هي حكومة منتخبة، وكان الباب مفتوحاً أمام عودة الوزراء، وهو ما استندت اليه الحكومة التي يشدد رئيسها فؤاد السنيورة على أن لمجلس النواب وحده حق سحب الثقة بها، وهو ما لم يتم.

الغريب في الأمر أن الوزراء المستقيلين ظلوا يباشرون أعمالهم وبخاصة وزير الخارجية فوزي صلوخ المقرب من حركة أمل. أي أنهم استقالوا فقط من ارتباطهم برئيس الحكومة وببقية أعضائها، وهو أمر لا يقع في بلد آخر سوى لبنان.

وعليه، لم يغير خروج لحود من القصر الجمهوري كثيراً في الوضع القائم.باستثناء اعتباره في بيانه الأخير قبل ساعات من مغادرته أن البلاد تعيش في مخاطر حالة طوارىء، وأنه يعهد للجيش وقوى الأمن بالحفاظ على أمن البلد .

الحكومة اعتبرت القرار غير دستوري، لأنها هي صاحبة الولاية، ولأن الوضع مستقر ولا يقترب من مخاطر حالة طوارىء. لكنه يحسب للحود أنه لم يندفع لتشكيل حكومة ثانية كما كان لوح من قبل هو وبعض أطراف المعارضة وبالذات حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله. وأنه اختار من جانبه أهون الشرين.

أما المعارضة، فقد رأت في قرار لحود الذي لن يمكنه متابعته بعد مغادرته وانتهاء ولايته، بأنه يقضي بفرض حالة طوارىء. والمقصود بذلك سحب الولاية من الحكومة، وإسناد سائر السلطات لقيادة الجيش. وهو ما لم يجدث خلال الأسبوع الذي انقضى بل لوحظ وجود تناغم بين الحكومة وقيادة الجيش.علماً بأن الاستنفار الأمني كان قائماً من قبل ومنذ اندلاع مواجهات مخيم نهر البارد في حزيران/ يونيو الماضي. بل وقبل ذلك في ظل حملة الاعتيالات التي تعرض لها نواب الأكثرية من قوى 14 آذار/مارس.

خلال ذلك ومع انتهاء ولاية لحود (نصف ولاية إضافية لمدة سنتين، جرى اعتمادها وفق تعديل دستوري) ظل التباعد قائماً بين الاكثرية والمعارضة على اختيار رئيس جديد.تدخلات أمين عام الأمم المتحدة وأمين عام الجامعة العربية لم تفلح في التوفيق ين الكتل الرئيسية على اختيار رئيس توافقي. الأكثرية طرحت اسمي روبير غانم وميشال خوري، والمعارضة وضعت اسم ميشال اده. ولم تتمكن أطراف دولية منها الوزير الفرنسي كوشنار الذي رابط في بيروت لأربعة أيام من التجسير بين الفريقين. والأسماء الثلاثة وردت في قائمة للبطريرك الماروني تنادت الأطراف على دعوتها لوضعها. لكنها لم تتفق في ما بعد على اختيار واحد من ستة اسماء مقترحة.

بهذا أصبح انتخاب رئيس لبناني جديد مسألة ذات أبعاد إقليمية ودولية واضحة، إن لم تكن ساطعة في سماء هذا البلد. ويقر لبنانيون كثر أن للخارج الكلمة الأولى في اختيار الرئيس.ويتمحور البعد الخارجي في الدعم الإيراني والسوري لقوى المعارضة، فيما تحظى قوى الأكثرية بدعم عربي ودولي واسعين لا يقل اتساعاً. وتحاجج الأكثرية بأنها لا تتلقى مالاً ولا تسليحاً من أحد مقارنة بما يتلقاه حزب الله مثلاً الذي أقام «دولة موازية» داخل الدولة اللبنانية. أما المعارضة فتعتبر أن الولايات المتحدة هي من تعيق الوفاق، وتسمي السفير الأميركي فيلتمان بالمندوب السامي.

المشكلة أن الحياة السياسية اللبنانية تشهد منذ أمد بعيد تدخلات وامتدادات خارجية، مما بات من مألوف ومعهود الحياة في هذا البلد. فالأحزاب على اختلافها تقصد السفارات، والسفراء يجري استقبالهم لدى مقر هذا الحزب أو ذاك، أو في دارة هذا الزعيم السياسي الحالي أو السابق دون أن يستوقف الأمر أحداً. وقد تكرّس ذلك في ظل الحرب الأهلية الإقليمية الطويلة والمدمرة (1975 -1990) ثم في مرحلة الوجود السوري المديد حتى قبل عامين مضيا.

ناهيك عن الاحتلال الإسرائيلي للجنوب بين عامي 1982 و2000. فإذا ما أضاف المرء الفسيفساء الطائفية التي تكون المجتمع اللبناني (18 طائفة) وما تتطلع إليه هذه الطوائف من مرجعيات روحية وعقائدية في الخارج، فإنه يتبين مدى تغلغل البعد الخارجي في الأزمة الخارجية.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهناك لجنة تحقيق دولية في اغتيال رفيق الحريري تقيم في بيروت منذ أكثر من سنتين، وهناك قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة المرابطة في الجنوب على إثر وقف إطلاق النار لحرب تموز /يوليو من العام الماضي، وهناك ثلاثة قرارات أصدرها مجلس الأمن تتعلق بلبنان خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

ولما كان مستبعداً أن يتم توافق بين محور اقليمي وقوى عربية ودولية إلا في حدود ضيقة، فإن الأنظار تتطلع لإبرام تسوية ما بين هذه الأطراف الخارجية، وبخاصة أن القوى المعارضة - حزب الله وتيار الجنرال عون - أكثر التصاقاً بالخارج. إلا إذا حدث ما يشبه المعجزة، وتم الاحتكام الى مصلحة لبنان من بعض قوى المعارضة أو من بعض نوابها. إذ إن الاكثرية هي التي تجنح حتى الآن للتوافق بالتنازل عن حقها في انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد.

أما ما سوى ذلك فهو الخراب والمواجهات المدمرة والنزاع الأهلي المفتوح الذي يستعيد أسوأ صفحات الحرب الأهلية الطويلة، وهو ما تتنبه له قوى اجتماعية عديدة التي أطلقت حملات لصيانة السلم الأهلي وإنقاذ الجمهورية

توتر سياسي شديد و"حياة طبيعية" في بلد بلا رئيس – سليم القانوني
 
29-Nov-2007
 
العدد 4