العدد 24 - اقتصادي | ||||||||||||||
جمانة غنيمات تدلل التصريحات التي نقلت عن رئيس الوزراء نادر الذهبي خلال الخلوة التي حضرتها 55 شخصية سياسية واقتصادية الخميس الماضي بالقول "إن عقد هذا اللقاء لا يفرض على الحكومة الأخذ بأي مقترح يقدم خلالها"، حسبما نقل أحد الحاضرين عن رئيس الوزراء. عدد ممن حضروا اللقاء أكدوا أن "الحكومة لم تهدف من خلال الاجتماع إلى الوقوف على بعض الحلول للتخفيف من المأزق الصعب الذي يعيشه البلد"، بل سعت إلى شرح صعوبة الموقف وأنها اتخذت الإجراءات المتاحة أمامها فيما ألقت عبء ارتفاع الأسعار في جميع الأحوال على أسباب تخرج عن سيطرتها. اللقاء الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام والمسؤولون لأيام قبل انعقاده وقدم كما لو أنه سيخرج بوصفة علاج سحرية تحل المعضلة الاقتصادية وتخفف من الظروف الاقتصادية الصعبة لم يات بجديد، فهو "اجتماع كغيره من الاجتماعات"، كما يقول وزير حضر الاجتماع. الغريب في اللقاء، على حد تعبير أحد المسؤولين، أنه "لم يتطرق لمشاكل تنخر المجتمع الأردني مثل الفقر والبطالة"، وتشتد قسوتها بالتزامن مع ارتفاع معدلات التضخم إلى معدلات غير مسبوقة وقفزت عن نسبة 10 بالمئة خلال الربع الأول من العام الحالي. الأغرب أيضا أن الحاضرين، وعلى اختلاف مستويات المناصب التي تسلموها، "لم يدركوا تهديدا مهما لانجازات الوطن الاقتصادية أو أهملوا الحديث عنه، هو موضوع الأمن الغذائي والأمن الاقتصادي"، الذي يعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن الشامل. الرئيس الذي طرح عددا من التساؤلات على الحضور خرج بدون إجابات شافية ومن هذه الأسئلة التي طرحت للنقاش والحوار: كيف سنسير خلال هذه المرحلة؟ ما هي الحلول التي يمكن تطبيقها للتخفيف من آثار موجة ارتفاع الأسعار على المواطنين؟ ما هي تأثيرات ما يحدث على الموازنة العامة التي بلغ عجزها 724 مليون دينار للعام الحالي وعلى المؤشرات الاقتصادية؟ مسؤول اقتصادي سابق شارك في الخلوة، طلب عدم نشر اسمه، يقول إن ملاحظات الحضور انقسمت إلى شقين: الأول كان معنيا بالدفاع عن سياسات الحكومة ويقدم الدلائل على أنه " ليس بالإمكان أكثر مما كان"، والثاني سعى لتوجيه ملاحظات ناقدة للعديد من السياسات الحكومية وتقديم اقتراحات تخفف من ارتفاع الأسعار وتدعم الاقتصاد الوطني في هذه الفترة العصيبة. اللقاء الذي حضره عدد من رؤساء الحكومات السابقين ووزراء اقتصاد تضمن فريقا ثالثا آثر الصمت، وضم هذا الفريق عدداً من الوزراء الشباب الذين عادوا للعمل في القطاع الخاص بعد خروجهم من الوزارة. الرسالة الأهم التي قدمت خلال الخلوة، والتي طلب ممن حضرها عدم التحدث لوسائل الإعلام كانت "توجيه دعوة لمجموعة من الحاضرين ما زالوا يصرون على توجيه الانتقادات للسياسات الحكومية ودفع الحكومة لاتخاذ قرارات وسياسات أو الالتفات إلى سياسات حالية لتغييرها في هذه المرحلة الصعبة للتخفيف عن الناس من اجل أن يلتزموا الصمت "بحجة أن مقترحاتهم لا تناسب الوضع الحالي وان ضررها أكثر من نفعها. انصب الحديث على قضايا اقتصادية بحته، إذ حازت السياسة النقدية على اهتمام كبير في الخلوة وقدم محافظ البنك المركزي أمية طوقان ورقة عمل قدمها خلال الخلوة تضمنت أهم نجاحات "المركزي" في تحقيق هدف الاستقرار النقدي في الحفاظ على معدلات التضخم"، إذ بلغ المعدل السنوي للتضخم خلال الاثني عشر عاما الماضية 3 بالمئة. ما جاء في الورقة يؤكد أن دور السياسة النقدية كان محدودا في زيادة معدلات التضخم ولم يتجاوز نقطة مئوية من إجمالي التضخم الحاصل خلال الربع الأول من العام الحالي- بعكس ما يرى الخبير الاقتصاد يوسف منصور- فيما ساهمت ظروف خارجية باستيراد التضخم مثل ارتفاع أسعار السلع الأساسية تحديدا النفط، المعادن، والمواد الغذائية وكانت حصتها 5.1 بالمئة من إجمالي التضخم، أما التضخم الداخلي فقدره محافظ المركزي بحوالي 5.1 بالمئة جاءت نتيجة بعض القرارات التصحيحية بإزالة التشوهات من الاقتصاد لرفع الدعم عن المشتقات النفطية. إلى ذلك، ناقش الحاضرون، سياسة ربط الدينار بالدولار التي يرى منصور أنها أفقدت الاقتصاد خلال السنوات الماضية مبلغ 1.4 بليون دينار منها 700 مليون نتيجة زيادة قيمة الصادرات ومثلها نتيجة انخفاض قيمة الدينار بنسبة 40 بالمئة في ظل إصرار البنك المركزي على صحة سياسته المتبعة ورفضه أيا من الحلول التي يقدمها الخبراء سواء بزيادة قيمة صرف الدينار بمقدار خمسين فلسا، أو ربط الدينار بسلة عملات. التحديات التي تواجه الاقتصاد كانت حاضرة بقوة واستعرضها رئيس الوزراء الذي بدأ الحديث عن الارتفاع المستمر في أسعار النفط الخام عالميا والتي يتوقع أن تبلغ 150 دولاراً للبرميل نهاية العام الحالي، والزيادة المستمرة في أسعار المواد الأساسية الذي وصل الآن 373 دولاراً للطن التي يرجج أن تصل نهاية العام إلى 470 دولاراً للطن. كذلك، تحدث الرئيس عن أسعار الأرز التي يتوقع أن ترتفع حتى نهاية العام ليبلغ سعر الطن الواحد 1150 دولاراً، كما تطرق للحديث حول أسعار حليب البودرة التي يتوقع لسعرها أن يصل 5800 دولار للطن، وأسعار الحديد أيضا، التي ستصل ذروتها بحلول نهاية العام لتبلغ 920 دولاراً للطن. الرئيس تطرق إلى موضوع الانخفاض الملحوظ في سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى، وأهمية الحفاظ على معدلات تضخم مقبولة لا تعيق النشاط الاقتصادي.كما استعرض عجز الموازنة الميزان التجاري وميزان المدفوعات. الوزراء الذين تحدثوا في الخلوة، بحسب الحاضرين لم يأتوا بالجديد، إذ كانت وزارة الصناعة حاضرة، واستعرض وزيرها عامر الحديدي أهم الإجراءات التي اتخذتها الوزارة للتخفيف من حالة انفلات الأسعار التي تعيشها الأسواق، إذ بين الوزير أن من حق مجلس الوزراء، بناء على تنسيب الوزير، أن يحدد أسعار المواد الأساسية وفقا لقواعد السوق ومبادئ المنافسة الحرة. الوزير بيّن أن التزامات الأردن تجاه منظمة التجارة العالمية لا تشمل حظر تحديد الأسعار إنما تنص على مراعاة الشفافية بنشر التحديدات السعرية في الجريدة الرسمية. احد الحاضرين وصف إجراءات الوزارة "بالذكية" لا سيما وأنها تسعى لكسر الاحتكارات وارتفاعات الأسعار وخلق جو تنافسي صحي، محذرا من تأسيس شركة حكومية للاستيراد كونها ستقع في مشاكل مستقبلية، لكن الخبير فضل تشكيل لجنة من مجموعة من شركات القطاع الخاص تقدم لها التسهيلات للقيام بهذه المهمة. ملف الطاقة كان حاضرا هو الآخر، إذ قدم وزير الطاقة خلدون قطيشات شرحا حول مستقبل القطاع والتحديات التي تواجهه، وتضمنت الورقة التي قدمها قطيشات أهم مشاريع التخاصية في القطاع وتحدث عن مشاريع الكهرباء، الغاز، الصخر الزيتي، التزود بالنفط الخام، وموضوع الطاقة المتجددة. بعض الحضور اخذ على خطة القطاع أنها لم تفتح الباب أمام منافسة حقيقية في القطاع الذي بقيت مصفاة البترول اللاعب الوحيد فيه. ربما تدخل الدعوة في إطار المساعدة في التأطير لصالح السياسات الحكومية وربما تعكس وجود مشكلة معرفية، إذ تجد الحكومة نفسها في مأزق كونها مقيدة الحركة على صعيد فهم الواقع ووضع البدائل انتهاء الخلوة عند هذا الحد واقتصارها على الاستماع لملاحظات من حضروا وعدم تحديد موعد جديد للقاء، يغلق الباب لتوقعات بنتائج ايجابية ترجى من هذا اللقاء، وينهي الحديث حول حلول جذرية تتخذها الحكومة للتخفيف من اثر ارتفاعات الأسعار التي تنهش جيوب المواطنين وتؤدي إلى تآكل مداخليهم. |
|
|||||||||||||